النمو النفسي الاجتماعي وتطوّر الشخصية
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
وقد أكَّد Erikson -كالعالم Freud وغيره من العلماء في علم النفس أيضًا- أنّ الشخصيّة تتطور في ترتيب ذي نتائج محتمة مسبقًا؛ إذ تعتمد كل مرحلة على المرحلة التي تسبقها؛ ويواجه الشخص في كل منها عدّة أزمات نفسية اجتماعية، والتي من الممكن أن يكون أثرها إيجابي أو سلبي في الشخصيّة، فينتج عن إتمام المرحلة الناجح صحة نفسيّة جيدة واكتساب الفضائل الجيدة الأساسية؛ هذه الفضائل هي نقاط القوة التي تستخدمها الأنا الداخلية لمواجهة الأزمات القادمة، وفي المقابل؛ إن الفشل في إتمام إحدى المراحل بنجاح ينتج عنه نقص القدرة على إتمام باقي المراحل، وصحة نفسية متداعية.
فيما يأتي أهم خصائص النمو في المراحل المختلفة كما يحددها نموذج إريكسون، والتي تغطي النمو من الميلاد إلى نهاية الحياة:
المرحلة الأولى: تتمثل بأزمة الثقة.
وتشمل هذه المرحلةُ الأطفالَ منذ الولادة إلى فترة الرضاعة؛ أي حتى عمر السنة أو السنتين، وفي هذه الفترة العمرية يكون الطفل عاجزًا تمامًا عن الاهتمام بنفسه ومعتمدًا على الآخرين لرعايته؛ إذ إنه بسبب الاعتماد الكلي على الآخرين يكون للاهتمام والرعاية التي يتلقاها الطفل في هذه الفترة دورٌ أساسيُّ في تكوين ثقته بمن يحيط به وشعوره بالأمان في هذا العالم. ويرى أريكسون أنّه إذا مُنِح الطفل كل ما يحتاجه من رعاية وألفة ومحبة ودعم من قبل الأهل؛ فسوف يتطور لديه الشعور بالراحة والثقة وينموان، إضافة إلى تكوّن فضيلة الأمل التي تتمثل بتحلي الشخص بالأمل عند مواجهته لأيّة أزمة بسبب ثقته بأن هنالك من يقف بجانبه، وفي المقابل؛ يؤدي إهمال الأهل للطفل إلى عدم إشباع الحاجات الأساسية وتزعزع ثقته بنفسه وفي الآخرين والمجتمع من حوله في المستقبل، وتؤدي إلى اضطراب النمو في المراحل اللاحقة.
وأما المرحلة الثانية؛ تتمثل بصراع الثقة بالحكم الذاتي مقابل الخجل والشك.
تحدث هذه المرحلة بين عمر السنة وستة شهور وعمر الثلاث سنوات تقريبًا؛ إذ يبدأ الطفل فيها باكتشاف العديد من المهارات والقدرات والشعور بالاستقلالية، عن طريق الابتعاد عن أمه ومحاولة اللعب واختيار ألعابه وملابسه بنفسه مثلًا؛ فيرى إريسكون أنّه من المهم أن يؤمّن الوالدين للطفل وسطًا من الحرية بالتوازن مع تأمين الحماية له لتجنب فشله.
ويكوّن نجاح الطفل في هذه المرحلة لديه فضيلة الإرادة، ففي حال تشجيع الوالدين للطفل في الحصول على استقلاليته في هذه المرحلة؛ ينمو ليصبح فردًا مستقلًّا معتمدًا على نفسه، وأمّا في حال الاستمرار في انتقاده وإحكام السيطرة عليه ستتولد لديه مشاعر الشك في قدراته واعتماده الأساسي على الآخرين بدلًا من الاعتماد على نفسه.
والمرحلة الثالثة؛ تتمثل بأزمة تكوّن المبادرة والتقدم مقابل الذّنب.
وتمتد هذه المرحلة من عمر الثلاث سنوات إلى الخمس سنوات، و يبدأ فيها الطفل بالتفاعل مع العالم الخارجي وتطوير مهارات وخبرات جديدة في الروضة دون الاعتماد على والديه، فإن استطاع الطفل أن يواجه العالم الخارجي؛ سيتطور لديه الشعور بالمبادرة والقدرة على اتخاذ القرارات وتطوير فضيلة الغاية لديه، وأمّا إذا لم تتوفر الفرصة له للتعلم بنفسه وانخراطه مع العالم الخارجي أو مَرَّ بتجارب فاشلة على الصعيد الاجتماعي؛ سيتولد لديه الشعور بالذنب ويشعر بأنه مزعج بنظر الآخرين.
المرحلة الرابعة؛ تتمثل بأزمة الجد مقابل الشعور بالنقص.
تمتد من عمر ٥ سنوات إلى ١١ سنة، وتقابل سن المدرسة الابتدائية؛ إذ يزداد الوعي الذاتي لدى الطفل، ويتعلم التفسير المنطقي والحقائق العلمية التي تُدَرَّس في المدرسة، وينمو لديه حس المنافسة؛ إذ تظهر حاجة الطفل في الشعور بالقدرة على الإنجاز، ويمكن ملاحظة ذلك أيضًا عن طريق محاولته حب الاستطلاع وحاجته لتقدير الآخرين.
ويُنمِّي نجاحه في هذه المرحلة فضيلة الكفاءة لديه وينمي فشله مشاعرَ النقص.
المرحلة الخامسة؛ تتمثل بأزمة خلق الهوية مقابل الفشل في فهم الدور في الحياة.
تمتد من عمر ١٢ سنة إلى ١٨ سنة وهي مرحلة المراهقة، وإنَّ أكثر ما يتساءل عنه المراهقون في هذه المرحلة؛ من أنا؟ وما الذي أريد تحقيقه؟
فيبدأ المراهق بالاكتشاف والبحث عن معتقداته و قيَمه وأهدافه، و يتعرّف الفرد حينها إلى هوية الأنا ويحاول إثبات ذاته ليصبح ذا هوية بما تحتويه من فضائل الأمانة والإخلاص وغيرها؛ فالمراهق الذي يفشل في الحصول على هوية ومعتقدات ثابتة يجد صعوبة في الحصول عليها بعد الرشد؛ ليعاني عدم معرفته ما الدور الذي سيشغله بوصفه شخصًا بالغًا في المجتمع، ويتبنى هوية سلبية متطرفة.
المرحلة السادسة؛ تتمثل بأزمة الألفة مقابل العزلة والانطوائية.
تبدأ عند سن الثامنة عشرة حتى سن الأربعين، فبعد تكوين الفرد لهويته في مرحلة المراهقة يتجه بعد سن الثامنة عشرة إلى مشاركة حياته مع الآخرين والبحث عن شريك الحياة، فإنْ تجنب الحميمية وطوَّر خوفًا من الالتزام والعلاقات؛ يمكن أن يؤدي هذا إلى العزلة والشعور بالوحدة، والاكتئاب في بعض الأحيان.
المرحلة السابعة؛ أزمة الإنتاجية مقابل الركود.
عندما يصل الفرد لعمر الأربعين؛ تبدأ مرحلة تدعى بمرحلة الرشد الوسطى والتي تنتهي في سن الخامسة والستين.
وتتمثل الأزمة في هذه المرحلة في الإنتاجية في المجالات المختلفة؛ أهمها تنشئة الأجيال والتربية، إضافة إلى المشاركة في الأعمال الخيرية والاجتماعية بما تحمله هذه الأعمال من مشاعر الرعاية والاهتمام وهي أهم الفضائل التي تتكوّن في هذه المرحلة، أما أولئك الذين يفشلون في هذه المهمة؛ فتنتابهم الأحاسيس بعدم تركهم بصمة في المجتمع.
المرحلة الثامنة؛ تتمثل بأزمة تكامل الشخصية مقابل اليأس.
تبدأ في عمر الخامسة والستين حتى نهاية الحياة، وتدعى هذه المرحلة بالرشد المتأخر؛ إذ يرى إريكسون أن الفرد في هذه المرحلة يعيد النظر في حياته وما حققه من أهداف؛ فيميل للتفكير في مجالات الفشل والنجاح التي مرت عليه في حياته.
يؤدي الفخر بما قدمه الفرد في حياته به إلى الشعور بالتكامل والرضا، وهذا يؤدي إلى كسب الأنا لفضيلة الحكمة، وأما الفشل في حل هذه الأزمة؛ يتمثل في الشعور بالذنب حيال الماضي واليأس .
نرى في مفهوم أريكسون لتطور الشخصية أن كل مرحلة تعتمد على سابقتها، وأن الخلل في إحدى المراحل يؤثر في النجاح في المرحلة التي تليها.
لذا؛ على الوالدين إضافة إلى المعلمين في المدارس اعتماد استراتيجيات تربوية وتعليمية تُلائم مرحلة الطفل العمرية؛ فيستطيع المربّون عبر تمييز مراحل النمو النفسي الاجتماعي المختلفة الحصولَ على قواعد وأفكار نيّرة لوقاية الطفل من عدة مشكلات نفسية في حياته إضافة إلى إيجاد الحلول لمشكلات الطفل النفسية إن كان يعاني بعضها.
وإضافة إلى كون أفكار إريكسون ساهمت في إعادة صياغة طريقة النظر إلى فترات الحياة اللاحقة في علم النفس؛ فلم يعد يُنظر إلى مرحلة الرشد المتوسطة والمتأخرة على أنها غير مهمة؛ بل تُعَدُّ الآن أوقاتًا نشطة ومهمة للنمو الشخصي.
المصدر:
[١] هنا
[٢] هنا
[٣] هنا