لغة الإشارة ولغة الكلام
التعليم واللغات >>>> اللغويات
يمكن أن تُساهم لغات الإشارة في إظهار الجوانب الخفية للبنية المنطقية للغة المحكية، ولكنها تسلط الضوء أيضًا على محدوديتها؛ لأن الكلام يفتقر إلى الموارد الأيقونية الغنية التي تستخدمها لغة الإشارة على رأس قواعدها المتطورة.
وذلك وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في Theoretical Linguistics؛ إذ تُعدُّ هذه الدراسة تتويجًا لبحث امتدَّ أكثر من ثماني سنوات في لغة الإشارة الفرنسية ولغة الإشارة الأمريكية التي أجراها فيليب شلينكر (الباحث البارز في معهد جان نيكود في مركز البحث العلمي الوطني الفرنسي والبروفيسور المتميز في جامعة نيويورك).
تعدُّ لغات الإشارة شديدة التعقيد من الناحية النحوية، وتوفر رؤى فريدة عن كيفية عمل المعنى في اللغة عمومًا. وفي حالات عديدة؛ تظهر لغات الإشارة بِنية منطقية كان من المفترض استنتاجها بطريقة غير مباشرة في اللغة المحكية.
على سبيل المثال؛ يُعبِّر عن البِنية المنطقية للجملة الإنكليزية (أخبر ساركوزي أوباما أنه سيُنتخب) على نحو أكثر شفافية في لغة الإشارة. ويشرح شلينكر أن الجملة الإنكليزية هنا ملتبسة؛ إذ إن الضمير في (أنه) يمكنه أن يُشير إما إلى ساركوزي وإما إلى أوباما. ويفترض اللغويون أن هذا يعود إلى احتواء الجملة على متغيرات مثل (س) و(ع) غير صريحة، ولكنها حقيقية من الناحية الإدراكية. وعلى فرض أن ساركوزي هو المتغير (س) وأوباما هو المتغير (ع)؛ فيمكن أن نفهم الجملة كالآتي: ساركوزي (س) أخبر أوباما (ع) أن (س) سيُنتخب؛ إذ إن الضمير في (أنه) يعود إلى (س) أي ساركوزي. ويصبح المعنى معاكسًا عندما نعدُّ الضمير عائدًا إلى (ع) أي أوباما.
ومن اللافت للنظر في لغة الإشارة أن المتغيرَين (س) و(ع) يمكن إدراكهما بوضوح بواسطة المواضع في الهواء؛ فعلى سبيل المثال: في لغة الإشارة عند التأشير إلى كلمة ساركوزي باتجاه اليسار وإلى كلمة أوباما باتجاه اليمين؛ فإن الضمير يُدرَك حسب جهة التأشير. وإن كانت الإشارة نحو اليسار فالمقصود هو ساركوزي وإن كانت الإشارة نحو اليمين فالضمير يعود إلى أوباما. يُمثِّل اليمين واليسار الإدراكَ المرئيَّ للمتغيرين غير المصرَّح بهما (س) و(ع).
ولكن لا تظهر لغة الإشارة البِنية المنطقية الخفية فقط؛ بل تُسلِّط الضوء على محدوديتها أيضًا؛ إذ يمكن تمثيل بعض الكلمات المنطوقة بالإشارة لتشابه المعنى المقصود (كأن تقول كلمة طوييييييييل يقصد بها طويل جدًّا؛ وذلك بامتداد صوت الياء في الكلمة)؛ وهذا أمر نادر الحدوث.
ويضيف شلينكر: "على النقيض من ذلك؛ فإن التضمين الأيقوني Iconic Modulation شائع تمامًا في لغة الإشارة". ويُشير الباحث إلى فعل (ينمو) في لغة الإشارة الأمريكية؛ مثال جملة: (مجموعتي كانت قد نمت). وهي التي يمكن تمثيلها بلغة الإشارة بنهاية واسعة بالتفريق بين اليدين أو الأصابع للدلالة على نمو أكبر، أو يمكن أن تُدرَك بمعنى أسرع للدلالة على نمو أسرع.
ويضيف شلينكر الذي سبق أن شارك في تأليف عمل مع استشاريين وباحثين في مجال الصمِّ: "التعبير نفسه يمكن أن يكون منطقيًّا وأيقونيًّا في آن معًا، كما هو الحال مع الضمائر". ويُضيف أيضًا: "في حال استخدام ضمير يرجع إلى شخص طويل واقف على قدميه؛ فيمكن للمرء الإشارة نحو الأعلى لأن رأس الشخص مرتفع. ولكن في حال كان الشخص الطويل معلقًا رأسًا على عقب؛ فإن الإشارة ستكون نحو الأسفل بدلًا من الأعلى". وبذلك يكون الضمير المستخدَم للإشارة إلى الرجل الطويل بطريقتين مختلفتين.
ويختم شلينكر قائلًا: "لغة الإشارة أكثر تعبيرًا من اللغة المحكية على عدة مستويات؛ وذلك لأنها تجمع النوع نفسه من المصادر المنطقية بمعانٍ أيقونية أكثر غنى"، ويُضيف: "إنها لغات عظيمة تساهم في فهمنا المعاني الإنسانية".
المصدر:
هنا