علِّموا بناتكم الرياضيات
الرياضيات >>>> الرياضيات
فربما تستمتع بصنع بركان من الورق مع ابنتك، أو غيرها من الأنشطة الفيزيائية؛ لكنَّ الطريقة الوحيدة لتعليم ابنتك المواد العلمية المتقدمة على النحو الصحيح، هي بناء أساس قوي في مادة الرياضيات؛ لأنها لغة العلوم والهندسة والتكنولوجيا وتُكتَسب بالممارسة المعمَّقة والمطوَّلة.
وهو أمرٌ معقَّدٌ لدى الفتيات أكثر منه لدى الفتيان؛ لأنَّ ميلَ الفتيات إلى اللغة وتميُّزهنَّ بها قد يبعدهنَّ عن الرياضيات، إذ أظهرت الكثير من الدراسات أن للفتيان والفتيات متوسطَ قدرات متماثلاً في الرياضيات، لكنَّ للفتيات قدرات إضافية في الكتابة والقراءة، وغالباً ما يبرعنَ بها أكثر من الرياضيات، فما النتيجة؟
سيظن الفتى الصغير أنه أفضل في الرياضيات من العلوم اللغوية، في حين أن الفتاة تظنُّ أنها أفضل في اللغات من الرياضيات، وبوصفها نتيجة طبيعة عندما تجلس ابنتك لحل المسائل الرياضية، ستقول: "أنا لستُ جيدةً بهذا"، لكنها في الحقيقة جيدة في الرياضيات كأي فتى في عمرها، وكل ما في الأمر أنها أفضل في اللغات!
من الصعب بالطبع معرفة ما يدور في أذهان الأطفال، لكن الدراسات كشفت اختلافات في تطور قدرات الفتيات والفتيان اللفظية، إلى جانب التشابه في نمو قدراتهم في الرياضيات.
هذا وقد أظهرت دراسات أخرى أن نظرة الفتيات لأنفسهنَّ تؤثر في أدائهنَّ الأكاديمي، وهذا يحدث فعلاً.
ثم إن اعتقادنا أننا سيئون بشيءٍ ما سيأخذنا إلى الطريق السريع لكرهه، وبالطبع سنتجنبه حتى لو كنا نتمتع بالموهبة الطبيعية؛ لأنَّ عقلنا سيجد الأمر مؤلماً أكثر من تعلم شيءٍ جديد قد يكون أسهل.
ثم إن قلة الممارسة ستسبب نقصاً حقيقياً في الكفاءة، وطريقة التدريس الحالية تؤكد على الفهم النظري، وتقلل من التدريب الذي يجعل تعلم الرياضيات أسوأ لدى الفتيات.
من المهم أن تدرك أن دراسة الرياضيات تشبه العزف على الآلة الموسيقية، والآلة هي جهازك العصبي الداخلي، كآلة الغيتار على سبيل المثال، عليك تعلُّم بُنيَة الأوتار والتدريب عليها حتى تصبح قادراً على العزف على نحوٍ صحيح، وهذا ما يؤكده جميع المدرِّسين الموسيقيين؛ فالممارسة أسس الأنماط وهي طريق الإبداع.
لجملة (الحفظ عن ظهر قلب) سمعةٌ سيئةٌ في العصر الحديث، لكنها تعني في الحقيقة الممارسة التلقائية التي تركز على ما سيأتي قادماً، والذي سيكون أصعب لدى المتعلم.
يبدأ الإبداع بعد أن تصبح الأنماط التأسيسية متأصِّلة، وذلك ينطبق على كل العلوم ومنها الرياضيات، فكما يقول الباحث K. Anders Ericsson "عليك تطوير أنماط عصبية تُكتسب بعد الكثير من الممارسة والتكرار لتصبح خبيراً بأي شيء".
الفهم جزء من اكتساب الخبرة، لكنه بالتأكيد ليس كل شيء، ومفهوم اليوم لتعلم الرياضيات -الذي يجمع بين جهود جعل المادة ممتعة دون الكثير من التمارين والتدريب- يخنق عملية غرس الأنماط العصبية الأساسية لدى الأطفال ليكونوا ناجحين رياضياً، وقد تكون الفتيات أكثر تأثرا.
ستستفيد الفتيات على نحوٍ خاص من التمارين الإضافية التي ستكسر حلقة كراهية الرياضيات، وتبني شعور الثقة لديهم، وحتى لو قررت الفتاة اختيار مهنة غير علمية، فإن عالم اليوم يحتاج المهارات العلمية دائما.
ليس على التعليم أن يكون ممتعاً، ولا ينبغي أن يكون ممتعاً ولذلك يتعلم الأطفال أساسيات النوت الموسيقية، ويتدربون على الغيتار بدلاً من العزف بغيتار خيالي؛ ولهذا يتدربون على الرقص، ولعب كرة القدم، والكلمات الجديدة عندما يتعلمون لغة جديدة، وفي الحقيقة فمحاولتنا جعل العلم أكثر متعة تضرُّ بقدرات الأطفال على التعامل مع الموضوعات الصعبة وتعلمها، وكما أوضح روبرت بيورك وهو عالم نفسي بارز: (ينطوي التعلم العميق على صعوبات مرغوبة)، ويتطلب التعلم ممارسةً مُجدِية وخاصَّة في المراحل الأولى، فالممارسة تسمح للأنماط العصبية بأخذ شكلها.
وفي النهاية سأعطيك نصيحتي، كنتُ طفلةً تكره الرياضيات، واليوم أنا أستاذة في الهندسة، أعطِ طفلتك تمارين رياضية إضافية كل يوم، حتى لو وجدت ذلك مزعجاً، لكنها ستشكرك على المدى الطويل. وبالمناسبة ينطبق هذا الكلام على ابنك كذلك.
المصدر: هنا