الإدمان والعوامل المساعدة على حدوثه
الكيمياء والصيدلة >>>> الإنسان والإدمان
الإدمان هو مرض مُزمِن يتَّسم بالبحث عن المخدِّرات واستخدامها استخدامًا قهريًّا، أو صعوبة السيطرة على مدى استخدامها على الرغم من العواقب المُضرَّة.
يكون القرار الأول بتناول المخدِّرات قرارًا طوعيًّا لدى معظم الناس؛ ولكنَّ استخدام المخدرات المتكرِّر يمكن أن يؤدِّي إلى تغييرات في الدماغ تتحدَّى القدرة على ضبط النفس لدى الشخص المُدمِن، وتتداخل مع قدرته على مقاومة المحفِّزات الشديدة لتناول المخدِّرات.(3)
ويُساعد الأساس البيولوجي للإدمان على تفسير لماذا يحتاج الناس إلى أكثر من مجرَّد قوة الإرادة لكسر إدمانهم!
يذكر الطبيب (George Koob) مدير المعهد الوطني للإدمان على الكحول: "من الأفكار الخاطئة الشائعة أن الإدمان هو اختيار أو مشكلة أخلاقية، وأن كلَّ ما على المُدمِن فعله هو التوقُّف فقط؛ لكنَّ هذا أبعد ما يمكن أن يكون عن الحقيقة؛ إذ يتغيَّر الدماغ تغيُّرًا حقيقيًّا في حالة الإدمان، ويستغرق الأمر جهدًا كبيرًا لإعادته إلى حالته الطبيعية. وكلَّما ازدادت كمِّيةُ المخدِّرات أو الكحول التي تناولها الشخص؛ كلَّما ازداد تأثيرُها المشوِّش على الدماغ أكثر." (2)
· كيف يحدث الإدمان؟
تُؤثِّر معظم العقاقير في "دائرة المكافأة" في الدماغ؛ ممَّا يتسبَّب في الإحساس بالنشوة، فضلًا عن إغراقها للدماغ بالدوبامين الذي يُسبِّب وجوده في دائرة المكافآت تعزيزَ إعادة فعل السلوكيات المُمتعِة التي قد حفَّزت هذه الدائرة -مثل تعاطي المخدِّرات- ما يدفع الناس إلى تكرار هذا السلوك. (3)
وعلى النقيض من ذلك؛ فعند التعرُّض لخطرٍ ما؛ يدفع الدماغُ السليم الجسدَ إلى التفاعل سريعًا مع الخوف أو الإنذار بحيث يبتعد عن الخطر، وتساعد منطقة الدماغ الأمامي على اتِّخاذ القرار الأنسب. ولكن في حال الإدمان على مادةٍ ما؛ تبدأ عمليات الدماغ المفيدة هذه في العمل ضدَّ الشخص، فيمكن للمخدِّرات أو الكحول أن تُحفِّز مناطقَ المتعة (أو المكافأة) في الدماغ؛ ومن ثمَّ تجعل الشخصَ يرغب في المزيد والمزيد.
ويُسبِّب الإدمان أيضًا إفراطًا في إرسال رسائل استشعار الخطر العاطفية؛ ما يجعل المُدمِنَ يشعر بالقلق والتوتُّر عندما لا يستخدم المخدِّرَ أو الكحول، وفي هذه المرحلة غالبًا ما يصبح استخدامُ المخدِّرات أو الكحول بغرضِ منع هذا الشعور السيِّئ، وليس لتحفيز مناطق المتعة والمكافأة. (2)
ومع استمرار الشخص في تعاطي المخدِّرات؛ يتكيَّف الدماغ عن طريق تقليل قدرة الخلايا في دائرة المكافأة على الاستجابة لهذه المواد؛ الأمر الذي يُقلِّل من إحساس الشخص بالنشوة التي سبق واختبرها عند تناول المخدِّرات في المرَّة الأولى، وهو تأثير يُعرف باسم "التحمُّل"؛ إذ يعمد الشخص إلى تناول مزيدٍ من المخدِّر في محاولةٍ لتحقيق الشعور الأول نفسه.
وغالبًا ما تؤدِّي تكيُّفات الدماغ هذه إلى خفضِ قدرة الشخص على الحصول على المتعة من الأشياء الأخرى التي كان يستمتع بها في السابق؛ مثل الطعام أو الأنشطة الاجتماعية. (3)
ويمكن أن يتسبَّب استخدامُ المخدِّرات المتكرِّر أيضًا في إتلاف مراكز صنع القرار الأساسية في مقدِّمة الدماغ -المنطقة المعروفة باسم "قشرة الفَصِّ الجبهي"- وهي المنطقة التي تُساعد على إدراك مخاطر استخدام المواد المسبِّبة للإدمان، والمسؤولة عن اتِّخاذ قرار الإقلاع؛ لذلك يصعُب على المدمن اتِّخاذ هذا القرار. (2)
ويُذكَر أنَّ المراهقين معرَّضون -على نحوٍ خاص- للإدمان؛ ذلك لأنَّ أدمغتهم لم تتطوَّر تطوُّرًا كاملًا بعد، خاصَّةً المناطق الأمامية "قشرة الفَصِّ الجبهي" التي تساعد على التحكُّم بالاندفاعات وتقييم المخاطر. إضافةً إلى أنَّ حلقات المتعة (pleasure circuits) في أدمغة المراهقين تعمل على نحو زائد؛ الأمر الذي يجعل استخدامَ المخدِّرات والكحول أكثرَ جاذبيةً وإثارةً لهم. (2)
· لماذا يصبح بعضُ الناس مدمنين على المخدِّرات في حين البعض الآخر لا؟
لا يمكن لعامل وحيد التنبُّؤ بما إذا كان الشخص سيصبح مدمنًا على المخدِّرات، فهناك مزيج من العوامل المؤثِّرة في إمكانية حدوث الإدمان مثل نمط الحياة والجينات؛ إذ وُجِد أنَّ بعضَ الأشخاص أكثرُ استعدادًا للتحوُّل إلى مدمنين، وذلك اعتمادًا على عوامل عدَّة:
1- العمر: إنَّ تعاطي الأدوية -التي تحتاج إلى وصفة طبية والمُسبِّبة الإدمان- هي أكثر شيوعًا عند صغار البالغين؛ ففي الواقع 12٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة قد سبق لهم أن تناولوا أدويةً لأسباب غير مَرَضية، فالشباب هم الأكثر رغبةً في التجربة. (1)
2- العامل الوراثي: تقترح الأبحاث أنَّ نصفَ احتمال الإصابة بالإدمان -على الأقل- يرتبط بالعوامل الوراثية. (1)
3- الإدمان على الكحول أو التَّبغ، أو أيِّ إدمان دوائي. (1)
4- وجود تاريخ عائلي من الإدمان: ففي حال معاناة أحد أفراد الأسرة من مشكلة الإدمان على المخدِّرات أو الأدوية أو الكحول؛ فإنَّ ذلك يثير احتماليةََ إصابة أفراد العائلة بالإدمان أيضًا.(1)
5- يزداد احتمال إصابة الشخص بالإدمان في حال وجود شخص مُدمِن على دواء أو على الكحول في المنزل.(1)
6- الحالات العقلية/النفسية: الإصابة بحالات مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات ما بعد الصدمة يزيد من احتمالات الإصابة بالإدمان؛ وذلك لأنَّ بعض المخدِّرات أو الأدوية التي تستلزم وصفةً طبيةً -كمسكِّنات الألم الأفيونية- يمكنها أن تخفِّف من الشعور بالضيق العاطفي؛ إذ ترتبط هذه المواد بأجزاء دقيقة من الأعصاب وتمنع الشعورَ بالألم العاطفي؛ ما يمكنه أن يقلِّل من القلق أو الحزن. (1)
7- النمط الاجتماعي والعِرق ووجود اضطرابات عقلية أخرى تؤثِّر أيضاً في خطر حدوث الإدمان. (3)
8- عوامل أخرى؛ مثل التعرُّض للإيذاء الجسدي والجنسي، والضغط النفسي، والتعرُّض المُبكر لاستخدام المخدِّرات والعقاقير. وللتوجيه الأُسري أيضًا دورٌ كبيرٌ في حماية الشخص أو توجُّهِه إلى تعاطي المخدِّرات. (3)
9- إمكانية الوصول إلى المخدِّرات والأدوية التي تستلزم وصفةً طبية: فلكي يصبح الشخص مدمنًا؛ يجب أن تتوفِّر لديه هذه المواد المخدِّرة. وتُظهر الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين يعانون مشكلات صحيِّة وآلام حادَّة أو مزمنة هم الأكثر عرضةً لإساءة استخدام المخدِّرات والأدوية الموصوفة. (1)
· هل من الممكن علاج الإدمان؟
مثلما هو الحال مع معظم الأمراض المزمنة الأخرى مثل مرض السكري أو الربو؛ فإنَّ علاج إدمان المخدِّرات ليس بشفاء، ومع ذلك؛ يمكن أحيانًا إدارة الإدمان بنجاح. (3)
وقد حدَّد العلماء العديدَ من الأدوية والعلاجات السلوكية التي من شأنها أن تساعد الأشخاص على التوقُّف عن استخدام مواد معيَّنة ومنع الانتكاس. ولكن للأسف؛ لا توجد حتى الآن أدوية متاحة لعلاج الإدمان على المنشِّطات مثل الكوكايين أو الميتامفيتامين، ولكن يمكن للعلاجات السلوكية أن تساعد.
ويعتمد العلاج إلى حدٍّ كبير على شدَّة الإدمان وعلى الشخص ذاته؛ فبعض الناس يمكنهم إيقافَ تدخين السجائر بأنفسهم، في حين قد تتطلَّب الحالات الأكثر شدَّة شهورًا أو حتى سنواتٍ من العلاج والمتابعة وسحب المادة تدريجيًّا من الجسم. (2)
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. هنا