أقمت في نيروبي – كينيا مدة عام واحد تقريبًا، وجئت أوَّل مرة في (حزيران/ يونيو 2011).

أكثر ما أدهشني في نيروبي الحافلات الصغيرة ذات الألوان الزاهية التي تبدو في حالةِ عصيانٍ مدني والتي تربط أنحاء العاصمة الكينية معًا وتسمى الـ (ماتاتو Matatus)، وتُعَدُّ هذه الحافلات الصغيرة شبكةَ النقل الرئيسية غير الرسمية في المدينة، إذ يعتمد (70٪ من سكان نيروبي) البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة على هذه الحافلات للتنقُّل في المدينة. وتشقُّ موسيقا الماتاتو الصاخبة طريقها عبر الازدحام مزيَّنةً وملوَّنةً مع كتابةٍ على جدرانها تشبه "الغرافيتي" بتصاميمٍ مبدعةٍ وأضواء مبهرجة وأجهزة ترفيه على متن الحافلة لإغراء المستخدمين باختيارها.

هذا النظام رخيصٌ ومريحٌ ويملأ الفراغ الناتج عن عدم توفير البلدية أي نظامٍ للنقل العام، ولكنَّه نظامٌ فوضوي.

ومن المتاعب الحقيقية التي واجهتها في المدينة أوَّل وصولي (عام 2011) البحث عن كيفية الوصول إلى أيِّ مكانٍ باستخدام الـ"ماتاتو".

يملكُ القطاع الخاص هذه الحافلات وخطوطها ويشغِّلها، ممَّا يعني أنَّ المواعيد والأسعار قد تتغير في أيِّ وقت؛ عندما تمطر أو في ساعة الذروة أو عندما تكون بعض الطرقِ مغلقةً،  وحتَّى العثور على الموقف الصحيح يمكن أن يكون مربكًا، ومن الممكن أن تضيع نصف يوم في رحلة طويلة إن اخترت خطًّا خاطئًا لأنَّ معظم الطرق تمرُّ عبر وسط المدينة قبل العودةِ إلى رأس الخط، ويملأ الـ"ماتاتو" المدينة بالازدحام.

لم يكن هناك خرائط لخطوط الـ"ماتاتو" في ذلك الوقت، لكن وجِدت هذه الخريطة اليوم، إذ أطلق تعاون "الماتاتوات الرقمية" خريطةً لنظام الماتاتو بأكمله (عام 2014)، وأصبح أوَّل شبكةٍ غير رسمية تُطلَقُ بواسطة خرائط جوجل، ومثل خطوط مترو الأنفاق في نيويورك الذي يستطيع ركابه تتبُّعها على محرِّك البحث يستطيع سكَّان نيروبي الآن تتبُّع نظام الماتاتو بواسطة هواتفهم الذكية، فكيف أُنجِزَ ذلك؟

قضى عشرة طلابٍ جامعيين أربعةَ أشهرٍ يركبون الماتاتو في كل أنحاء المدينة مستخدمين هواتف ذكية ومشيرين إلى اسم وموقع كلِّ موقفٍ في تطبيقٍ بُني لهذا الغرض يستخدم (نظام GIS) لتتبُّع الطريق، وسجَّل الطلاَّب قرابة (3000 موقف) في أكثر من (130 خطًّا) في النهاية.

ولم يكن عدد الخطوط معروفًا بدقَّة قبل هذه المبادرة، وقد وضِعت كلُّ تلك البيانات على نحوٍ قابلٍ للاستخدام، ورُبِطت خريطة "الماتاتوات الرقمية" مع خرائط جوجل بعد أن وافقت جوجل على تحديث المعيار العالمي لاستيعاب شبكات النقل المرنة مع الجداول والخطوط والمواقف المتغيِّرة باستمرار.

اعتمدت مدينةُ نيروبي الخريطة رسميًّا، وأطلق المجتمع التكنولوجي خمسة تطبيقاتٍ لبحث أنسب الخطوط والمواقف لرحلةٍ معينة، وغطَّت الصحافة المحلية ذلك على نطاقٍ واسع، إلى جانب مناقشاتٍ تتعلَّق بسياسة النقل العام، وبدأت مبادرة الماتاتوات الرقمية محادثاتها مع أربع مدنٍ أخرى في أفريقيا؛ كمبالا وأكرا ولوساكا ومابوتو لاستخدام نفس الأساليب لتخطيط نظم النقل الجماعي غير الرسمية فيها.

فهل تعتقدون أنَّ تطوير أنظمة النقل ووسائل النقل غير الرسمية في المدينة قد يسهم في تقدُّمها؟

#نيروبي #Nairobi #النقل_غير_الرسمي #أكتوبر_الحضري #31_يوم_حضري #ثلاثون_مدينة_ومدينة

بطاقة تعريف:
راما النمري: مهندسة عمارة وتخطيط مدن، تحمل درجة الماجيستير في التخطيط الحضري وتصميم التشريعات، وتعمل مع منظّمات الأمم المتّحدة منذ عام 2014 في مجال الاستجابة الإنسانية الحضرية،والسياسات الحضرية الوطنية، والتخطيط الإقليمي والتنمية المستدامة، وحاليًا تعمل مع مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في مخيّمات اللاجئين والعمليات الحدودية، إذ تقدّم دعمًا متخصصًا في تصميم مستوطنات اللاجئين وتطويرها.
فيسبوك:
هنا
انستغرام:
هنا

عيسى بدور: مهندس معماري ومصمم بصري، يحمل درجة الماجيستير في التصميم المعماري، ويعمل في ميلانو مخرجًا فنيًّا لأعمال التواصل الرقمي والترويج المجتمعي.
فيسبوك:
هنا
انستغرام:
هنا