المحركات الأيونية وسرها في الطائرات والمركبات
الهندسة والآليات >>>> المحركات
من وراء فاصل رقيق يفصل بين المختبر المؤقت ومسار الركض الداخلي لمعهد ماساتشوستس التكنولوجي؛ اختبر مهندس الطيران ستيفن باريت (Steven Barrett) -مؤخرًا- التحليق بالطائرة الأولى من نوعها وتعمل بمحرك يدفعها باستخدام رياح أيونية! 1- هنا
استخدام هذا المبدأ للتحليق بطائرة كان منذ فترةٍ طويلة، حتى في نظر باريت "غاية بعيدة المنال" وفكرةٌ لا تصلح إلا في أفلام الخيال العلمي! ولكنَّه قرَّر المحاولة على أية حال.
إذ يقول باريت: "في سلسلة ستار تريك (Star Trek) تتمكن الطائرات المكوكية من المرور بجانبك بصمت، ويجب أن يكون لدينا طائرات كهذه في حياتنا الواقعية".
وبالاعتقاد أنَّ مبدأ استخدام الأيونات للدفع يُمكن أن يحقِّقَ طموحه في صنع مثل تلك الطائرات؛ أمضى ستيفن ثماني سنوات في دراسة تكنولوجيا الرياح الأيونية، قبل أن يقرِّرَ محاولة بناء طائرة اختبارية مصغَّرة. وبالطبع؛ لم ينجح منذ المحاولة الأولى، وفشلت عدَّة نماذج سابقة؛ إذ استخدم ذات مرَّةٍ طلاء أسود يحوي الكربون ممَّا سبب احتراق أحد النماذج، لكنَّ باريت لم يفقد الأمل حتى وصل إلى التصميم الأخير (الإصدار 2 ) الذي يعتقد أنه سيعمل أخيرًا، فبحسب تعبير باريت:
"قبل أن نبدأَ الطيران الاختباري، اعتقدتُ أنَّ هناك فرصة 50 بالمئة للنجاح، في حين اعتقد زميلي أن نسبة النجاح هي 1 في المائة فقط".
وكما توقَّع باريت وعلى عكس التصاميم السابقة التي تساقطت على الأرض تباعًا؛ حلَّق الإصدار 2 قرابة 60 مترًا ( 200 قدم) عن طريق الهواء وبسرعة 11 ميل في الساعة (17 كيلومتر في الساعة) مع عدم وجود غازات منبعثة ولا محرك نفاث أو حتى مراوح، وكذلك لا توجد أجزاء متحركة على الإطلاق! في الواقع كانت الطائرة تبدو صامتة وكأنَّها تتحرك عن طريق الأثير.
إذ يقول باريت: "كان المشهد جميلًا للغاية قبل أن تصطدمَ الطائرة وتتحطمَ على أحد الجدران".
وعلى الرغم من ذلك؛ فإنَّ الإصدار 2 قد نجح في التجربة وطار! فنشر باريت وزملاؤه نتائجهما في مجلة Nature.
ما محركات الدفع الأيوني؟
إنَّ محركات الدفع الأيوني ليست تقنية جديدةً بعينها؛ فهي تُستخدم في دفع المركبة الفضائية بكفاءة عالية، ولكنَّها بعيدةٌ كل البعد عن كفاءة الصواريخ أو المحركات النفاثة، وعادة لا يُعتمَد عليها إلا لتوضيع المركبات الفضائية في مدارها، ثم إنَّ لها دورًا في دفع المسابر التي تُطلقها وكالات الفضاء في الفضاء العميق.
في الفضاء الخارجي حيث الفراغ الشبه الكامل وانعدام الاحتكاك؛ يجب على الناقلات الأيونية أن تحملَ على متنها إمدادات الغاز التي تأينها وتُطلق في الفراغ النسبي لتخلق قوة دفع صغيرة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالانتقال عن طريق الغلاف الجوي السميك للأرض حيث مقاومة الهواء أكبر بكثير يُصبح الأمر أكثر تعقيدًا، ولذلك ظن الجميع أن السرعة المتولِّدة من الدفع الأيوني لن تكونَ كافيةً لدفع الطائرات، ومن ثم لم يقدر أحد على المضي قدمًا.
لكنَّ باريت وفريقَه تغلبوا على ثلاثة أمور رئيسة جعلت من هذه الطائرة شيئًا ممكنًا، تمثَّل الأول في تصميم المحرك الأيوني ذاته الذي يتكون من صفَّين من الدعامات المعدنية الطويلة الموجودة تحت أجنحتها الزرقاء. يسري في أثناء الصف الأمامي نحو 40 ألف فولت من الكهرباء؛ أي ما يعادل 166 ضعف الجهد الذي يُوصَّل إلى المنزل العادي، وهذه طاقة كافيةٌ لتجريد الإلكترونات من ذرات النيتروجين المتوافرة في الغلاف الجوي.
وعندما يحدث ذلك؛ تتحول ذرات النيتروجين إلى أيونات موجبة الشحنة، ولأنَّ الصف الخلفيَّ من الخيوط المعدنية يحمل شحنةً سالبة؛ فإنَّ الأيونات تنطلق إليها مثل كرات البلياردو الممغنطة. على طول الطريق؛ تحدُث ملايين الاصطدامات بين هذه الأيونات وجزيئات الهواء المحايدة؛ ممَّا يحفز جزيئات الهواء باتجاه مؤخرة الطائرة، وهذا ما يخلق ريحًا تدفع بالطائرة إلى الأمام بسرعة وبقوة كافية للطيران.
أمَّا الابتكار الثاني من فريق باريت؛ جاء عن طريق تصميم نظام كهربائي قادر على توليد جهد كهربائي عالي (ما بين 20 ألف و 40 ألف فولط) ولكنَّه خفيف الوزن. قبل هذه الطائرة؛ لم يكن أحد قد أنشأ نظامًا يمكنه تحويل الطاقة من بطارية خفيفة الوزن بكفاءة كافيةٍ إلى توليد جهدٍ كافي لتأيين الغازات. هذه التكنولوجيا غير موجودة، ولكنَّ باريت أوجد طريقة ذكيةً للحصول على هذا التحويل الفعال.
وأخيرًا؛ استخدم باريت برامج محاكاة لإعادة تصميم كلِّ عنصر في تصميم الطائرة لتحقيق أقصى استفادة من كل شيء، بِدءًا من تصميم المحرك وتصميم الأنظمة الكهربائية إلى الأسلاك التي تمر بالطائرة، إذ يقول باريت: "لقد حُسِّن كلٌّ من محول الطاقة والبطارية وجسم الطائرة، وكانت المحاكاة تفشل باستمرار؛ ممَّا أوجب علينا إجراء مئات التغييرات، وفي النهاية كان الإصدار 2".
ما مستقبل هذه التكنولوجيا؟
صرَّح أليك جاليمور مهندس الطيران في جامعة ميتشيغان (غير مُشارك في العمل): أنَّ هذا الإنجاز يُقدِّم دليلًا عظيمًا على جدوى استخدام المحركات الأيونية وإمكانيتها على الأرض، لكن أي استخدام من هذا القبيل من المحتمَل أن يكونَ محدودًا؛ إذ لا تزال المراوح والمحركات النفاثة أكثر فاعلية من المحركات الأيونية التي أظهرها باريت، ومن غير المحتمل أن يطبقَ هذا المبدأ على الطائرات المدنية في أي وقت قريب، ومع ذلك؛ فإن المحركات الأيونية لها ميزة رئيسية، فهي لا تُصدر صوتًا؛ لذا فإنه من الممكن استخدامها في الطائرات المسيَّرة لعمليات التفتيش أو أشياء من هذا القبيل، أو حتى يُمكن أن تُستخدم في الطائرات الصغيرة التي تستخدم في خدمات إيصال البريد أو التصوير البيئي، ويتصور غضون 10 أو 20 سنة من الآن أن يكون لدينا طائرات دون طيار في كل مكان، فإذا كانت هذه الطائرات كلها تُصدر أصواتًا عالية؛ فإنها يُمكن أن تقودنا إلى الجنون.
إذًا محركات أيونية لا تصدر أصواتًا! يبدو أنَّه حُلم قيد التحقيق، وعندها لن تُزعجنا الطائرات الصغيرة أو الكبيرة بأصواتها، وكذلك ربما نتمكن من غزو الفضاء، لكنَّ هذا مرهون بما سيقدمه العلم مستقبلًا. فما رأيكم، هل سيتحقق هذا الأمر أم أنَّه سيبقى رهين أفلام ومسلسلات الخيال العلمي؟
المصادر :