في كل الأمور مُعاتِـبًا
اللغة العربية وآدابها >>>> شمس القصيد
"لماذا لم تُجب رسالتي؟!".. "ما الكلام الذي تقوله؟!".. "لِمَ لا تزورني؟!"..
أسئلة كهذه وغيرها قد تسمعها من صديق أو خِلٍّ تُغضِبه بعضُ زلّاتك أو معظمها؛ إذ يُكثِر بعضُ الناس العتاب، فيُثقلون على أخلَّائهم.
والعِتاب لغةً: اللوم على الإساءة، ويرى الأزهري أن التعتُّبَ والمُعاتبة والعِتاب ما هي إلا مخاطبة الإدلال (التغنُّج)؛ إذ يعاتب المُدِلُّون أحبَّتهم أو أصدقاءَهم "طالبين حُسنَ مراجعتهم"، ويُذكِّرون بعضهم بعضًا بما كرهوه من أفعال. ويتواتر في المصادر التراثية وغيرها أنَّ العتابَ دليلُ ودٍّ واهتمام أيضًا؛ ومنها: "ويبقى الودُّ ما بقيَ العتابُ"، وقول أحدهم: "كثرة العتاب إلحاف، وتركه استخفاف". والإلحاف: شدّة الإلحاح في المسألة، والمبالغة.
إذًا؛ يتنوّع مفهوم العتاب بتنوّع المواقف الإنسانية، وتتعدَّدُ آراء الناس فيه، وهنا يرى الشاعر بشار بن برد أنَّ الإنسان إذا كان يلوم صديقه على كلِّ فعلٍ أو زلَّةٍ منه؛ فإنّه لن يتوانى عن لوم الناس كلّهم، ولن يجد منهم من لا يذكِّره بإساءة؛ أي إنَّ بشار يذمُّ كثرة العتاب لأنَّها قد لا تبقي للإنسان صديقًا ولا جليسًا.
ويقول الكاتب سعيد بن حميد في هذا المعنى:
"أَقـــلِلْ عــتابَك فالزَّمـــان قليلُ.. والدَّهــر يعدِلُ مـــرَّةً ويميلُ
لم أبكِ من زمنٍ ذممتُ صروفه.. إلَّا بكـيتُ علــيه حين يزولُ
ولعلَّ أيـــــام الحـــياةِ قصـــيرةٌ.. فعَلامَ يكــثر عَـتبُنا ويطـولُ؟"
…….
فما رأيكم أعزَّاءنا؟
المصادر:
[1] ابن برد، بشار. (1981). الديوان. جمعه وحققه العلوي، بدر الدين. (د. ط ). بيروت: دار الثقافة. ص 44.
[2] ابن برد، بشار. (2007). الديوان. جمعه وشرحه وكمّله وعلق عليه بن عاشور، الطاهر محمد. (د. ط). (ج. 1). الجزائر: وزارة الثقافة. ص ص 16. 326. (ورد البيت في هذا الكتاب: إذا كنت في كل "الذنوب" معاتبًا؛ بدلًا من "الأمور").
[3] ابن منظور، محمد بن مكرم. (د. ت). لسان العرب. (ط. 2). بيروت: دار صادر.
[4] التوحيدي، أبو حيّان. (1996). الصداقة والصديق. عني بتحقيقها والتعليق عليها الكيلاني، إبراهيم. (ط. 2). ص ص 102-104.