أبشِرْ بطولِ سلامة
اللغة العربية وآدابها >>>> شمس القصيد
يُعدُّ هذا البيت من الأبيات التي ذهبت مثلًا بين النَّاس، وكثيرًا ما نجد كتَّابًا وإعلاميين ومفكّرين يتمثلون به في كتاباتهم وأحاديثهم، وهو ينتمي إلى قصيدة من شعر النقائض الذي بلغ ذروته في العصر الأموي على أيدي شعراءَ ثلاثةٍ اشتُهروا به؛ جرير والفرزدق والأخطل.
تتفرّع النقائض من شعر الهجاء وتمثّل صورة حيّة للعصبيّة القبلية والصراع السياسي، ولكنَّ لها خصائصَ تقيّدها، فهي تكون -عمومًا- بين شاعرَين يقول أحدهما قصيدة يفخر فيها بنفسه وقومه ويهجو الآخر وقومه، فيردُّ عليه الآخر معانيه وينقضها بقصيدةٍ توافقها في الوزن والرَّويّ؛ سمَّاها اللغويون بالنقيضة.
وقد كثر في نقائض جرير والفرزدق الكلام المقذع والسخرية، واستمرَّ هذا الفن بينهما قرابة ثمانية وأربعين عامًا حتّى توفيا في العام نفسه (114هـ/ 732م).
وكان لجرير راويةٌ يروي شعره لقبه مَربع (أو مِربَع)، وكان الفرزدق ناقمًا عليه فهدده بالقتل، فسخر جرير من تهديد الفرزدق بأسلوبٍ بلاغي حاذق معتمدًا الالتفات (الانتقال من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب) والمفارقة بقصد التهكُّم، فعندما يُهدَّدُ إنسان بالقتل لا بدَّ من أن يكون خائفًا حذرًا، ولكنَّ جرير يبشّر مربع بدوام السلامة والأمن مستخِّفًا بوعيد الفرزدق مكذِّبًا إيَّاه، فكأنّما يقول له: إنَّ الفرزدق أجبنُ من أن يفعل ذلك، فافرحْ بوعيده.
وهكذا ذهب البيت مثلًا لكلِّ من يهدّد ويتوعَّد وهو غير قادرٍ على تنفيذ وعيده، وقد يُستعمَل لكل من يدّعي شيئًا لا يستطيع فعله.
المصادر
[2] ابن المثنى، أبو عبيدة معمر. (1998). شرح نقائض جرير والفرزدق (براوية اليزيدي). تحقيق وتقديم: حور، محمد إبراهيم وخالص، وليد محمود. (ط. 2) (ج. 3). أبو ظبي: المجمع الثقافي. ص 1057.
[2] ابن منظور، محمد بن مكرم. (د. ت). لسان العرب. (ط. 2). بيروت: دار صادر.
[3] جرير (د. ت). الديوان بشرح محمد بن حبيب. تحقيق طه، نعمان محمد أمين. (ط. 3). (ج. 3). القاهرة: دار المعارف. ص ص 12. 14. 916.
[4] الفحام، شاكر. (1977). الفرزدق. راجعه النفاخ، أحمد راتب. (ط. 1). دمشق: دار الفكر. ص ص 277- 285.
[5] مطلوب، أحمد. (1983). معجم المصطلحات البلاغية وتطورها. (د. ط). (ج. 1). بغداد: المجمع العلمي العراقي. ص ص 294- 303.