الإجراءات الأولية لحماية الإرث الثقافي عقب الأزمات الجزء الثاني
العمارة والتشييد >>>> الترميم وإعادة التأهيل
بعد الانتهاء من تحليل الوضع وتقييم مخاطر وأضرار الموقع، ننتقل إلى الخطوة الأخيرة لتأمين المنشأة وتحقيق استقرارها لحمايتها من الانهيار وضمان ثباتها حتى البدء بعمليات الترميم.
الخطوة الثالثة - تأمين المنشأة وتحقيق استقرارها:
Image: ICCROM-ATHAR
صورة 1: ورشة عمل لتأمين استقرار منشأة أثرية في الشوف – لبنان عام 2014
تُعَدُّ هذه الخطوة مؤقتة، وتهدف إلى تأمين التراث المتأثر ومنع المزيد من الأضرار والخسائر، حتى تُنفَّذ عملية الترميم كاملةً، وتتضمَّن:
- تشييد سور حول الموقع المتأثِّر.
- تغطية المباني بغطاء مؤقَّت.
- التخلُّص من النفايات الخطرة كشظايا المتفجِّرات والمواد الكيميائية وغيرها.
- إخلاء القطع الأثرية ونقلها إلى مكان آمن مؤقَّتًا.
- فرز وتجفيف وتنظيف القطع الأثرية المتهدِّمة.
- تدعيم العناصر الإنشائية الحاملة كالجدران والأعمدة.
Image: Aparna Tandon, ICCROM
صورة 2:
تساعد الحواجز والشريط على تحذير الناس وتأمين الكنيسة التي تضررت بشدة في الفيليبين - 2013
من يمكنه تنفيذ إجراءات الأمن والاستقرار؟
أخصائيو الإسعافات الأولية للتراث الثقافي المدربون وأخصائيو التراث الثقافي المؤهلون الذين لديهم خبرة سابقة في تأمين التراث عند الأزمات وعلماء الآثار والمهندسون الإنشائيون والمهندسون المعماريون وغيرهم.
ويُدرَّب الأفراد العسكريون ورجال الإطفاء وفرق البحث والإنقاذ على تأمين الاستقرار الهيكلي الطارئ ويشارك المتطوعون وأفراد المجتمعات المحلية.
ومن الأمثلة عن إجراءات تأمين المنشأة وتحقيق استقرارها إخلاء متحف قصر هانومان دوكا Hanuman Dhoka Palace في نيبال Nepal؛ إذ أُعلِن بعد حدوث زلزال عام 2015 في "كاتماندو Kathmandu – نيبال Nepal" أنّ أجزاء من قصر "هانومان دوكا" غير آمنة للاستخدام بسبب الأضرار الإنشائية الكبيرة، ولذلك طلب الموظفون القائمون على القصر المساعدة من الجيش لإخلاء العرش الذهبي وغيرها من الأعمال الفنية المهمة، ولكن لم يكن هناك مخطَّط واضح يحدِّد مواقع هذه العناصر الفنية أو مواصفاتها، فقضى أفراد الجيش وقتًا أطول في الإخلاء معرِّضين أنفسهم لمزيدٍ من الخطر.
فلا بُدَّ من الاستعداد الدائم للإخلاء على أكمل وجه لتجنُّب أي تأخير، وذلك بإتاحة نسخ لمخططات الموقع تشير بوضوح إلى موقع وأبعاد كل عنصر، وتأمين التدريب اللازم للمسعفين وأخصائيي التراث حول كيفية التعامل مع القطع الأثرية.
Image: Aparna Tandon, ICCROM
صورة 3: إخلاء متحف قصر هانومان دوكا Hnuman Dhoka Palace من قبل الجيش في كاتماندو Kathmandu - نيبال
التقنيات المستخدمة لتأمين الموقع وتحقيق استقراره:
1. الغطاء المؤقت:
يهدف الغطاء المؤقت إلى حماية العناصر الحسَّاسة من الماء والرياح والانهيار المحتمل للعناصر المحيطة، ويُستخدم في ذلك القماش العازل مع شبكة معدنية لالتقاط الأجسام الساقطة، ويُشترط بالغطاء أن يكون مثبَّتًا جيدًا ويغطِّي كامل مساحة السطح المكشوف.
Image: Aparna Tandon
الصورة 4: باغان Bagan – مينانمار Myanmar
2. التدعيم الأساسي:
يُطبَّق على العناصر الإنشائية عندما يكون الهيكل معرَّضَا لخطر الانهيار، ويشبه الدعامات التي تنقل الحمولة إلى الأرض، وتُستخدم في كلٍّ من الجوائز الحاملة التي تستند إلى جدار أو عمود متضرر، والجدار المائل أو الموشك على الانهيار وغير المستقر إنشائيًّا، وعتب الباب أو النافذة المكسور.
ويتألَّف التدعيم الأساسي من أربعة مكونات:
1. العناصر التي تجمع الحمولة.
2. العناصر التي تنقل الحمولة.
3. الدعائم الجانبية المستخدمة لتحقيق استقرار المنشأة.
4. الصفائح التي تنشر الحمولة إلى الأرض.
Image: ICCROM
صورة 5: تدعيم بوابة معبد في كاتماندو Kathmandu - نيبال
3. ربط الهياكل:
يهدف ربط الهياكل و إعادة وصل الجدران المتعامدة إلى تحسين قدرتها على تحمُّل الأحمال الشاقولية ومنع حصول الانزياح الجانبي أو زيادته، وتُستخدَم أحزمة البوليستر أو الكابلات الفولاذية أو المقاطع الفولاذية الملحومة والمثبَّتة معًا.
4. حماية العناصر التزينية الثابتة في الموقع:
وهي المنحوتات الكبيرة أو الفسيفساء الجدارية أو الأرضية أو غيرها من العناصر التزينية الثابتة التي يجب تجنُّب ملامستها المباشرة للتدعيم المُنفَّذ أو الحزام المُستخدم في الربط، ولذلك يُمكن استخدام الشاش الأبيض أو أي نسيج خفيف آخر.
ويُمكن استخدام أكياس الرمل لمنع تلامس الجوائز أو الصفائح الجدارية مع العنصر الزخرفي، ولكن مع الانتباه إلى قابلية الأكياس الرملية للاحتفاظ بالرطوبة، لذلك يجب الانتباه كي لا تسبِّب أضرارًا إضافية.
وقد تكون إجراءات التأمين وتحقيق الاستقرار في حالات النزاع العنيف متطرِّفةً جدًّا، لتشمل ردم المواقع الأثرية المكشوفة حمايةً لها، أو وضع ألواح واقية على الجداريَّات الفسيفسائية.
ومن الأمثلة عن حماية ذلك ما حدث في متحف المعرَّة للفسيفساء في سورية؛ موطن إحدى أهم مجموعات الفسيفساء الرومانية والبيزنطية في الفترة الممتدة من القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي، والذي تعرَّض لأضرار جسيمة في أثناء النزاع الجاري في سورية، وواجه المبنى خطر الانهيار حتى تدخَّل أخصائيو الحفاظ على التراث ووضعوا خطةً تشمل إصلاح فتحات السقف لمنع المزيد من التدهور والانهيار، ثمَّ إنشاء طبقة من الغراء والقماش المصمَّم خصيصًا للحفاظ على قطع الفسيفساء مجتمعة.
ووُضعت بعد ذلك أكياس الرمل فوق الفسيفساء لحمايتها من المزيد من الأضرار، فحُفظت قرابة 148م2 من الفسيفساء.
Image: Smithsonian Institution
صورة 6: تغطية الفسيفساء في متحف المعرّة - سورية
ولمَّا كانت تدابير تأمين المباني في حالات الطوارئ مؤقتة فمن المهم مراقبة فعاليتها باستمرار حتى تبدأ عملية الترميم كاملة، ومن الممكن أن يصبح التدعيم خطيرًا عند توالي الانهيارات، لذلك يجب فحصه بانتظام؛ مرَّةً على الأقل كل 12 ساعة في الأيام الأولى بحثًا عن أية علامة تشوه أو تحميل زائد.
ولا بُدَّ من الانتقال إلى خطوةٍ مهمةٍ جدًّا بعد هذه الإجراءات لضمان سلامة المنشأة، وهي الإصلاح المبكِّر.
الإصلاح المبكِّر:
تنجح الإجراءات الأولية المذكورة فقط إذا تلتها جهود ترميم المبنى وإعادته إلى وظيفته المعتادة، وحالما تُنَفَّذ الإجراءات الأولية تكون الخطوة الآتية إعداد خطة الإصلاح وإعادة التأهيل والتي تتضمَّن الترميم وتخفيف المخاطر المستقبلية المحتملة واستعادة الخدمات وتحسين استخدام التراث الثقافي وفقًا لمبادئ التنمية المستدامة، وتُعرَف الفترة اللازمة لوضع هذه الخطة بفترة الإصلاح المبكر.
قد تجد أنَّ الممارسة الفعلية على أرض الواقع لاتطابق برنامج الخطوات الثلاث المُقترح، ولا سيِّما في حالات النزاعات المعقدة، لذلك من الممكن أن يُنفَّذ وفق مراحل أو أن تُكرَّر بعض إجراءاته.
ومن الضروري وجود التشريعات المناسبة و الكوادر المتدربِّة المهيئة دومًا لحالات الطوارئ، لجعل تراثنا مقاومًا للكوارث، وحفظ هويتنا الثقافية.
وقد أجابت د.م. أريانة أحمد -رئيس قسم نظريات وتاريخ العمارة في كلية الهندسة المعمارية في جامعة تشرين- عند سؤالها عن الإمكانيات المتاحة في سورية لإجراء عمليات الإسعافات الأولية للمباني التراثية عند تضررها عقب الأزمات، وعن الفرق والأخصائيين المؤهلين لتأدية مراحل هذا العمل، والخطوات التي يمكن اتباعها لتطوير هذه العملية في سورية، بقولها:
"تقع مسؤولية الحفاظ على المنشآت الأثرية في سورية على المديرية العامة للآثار والمتاحف، وهي تضمُّ أخصائيين قادرين على وضع خطط إسعافية لحماية المباني المتضرِّرة عقب الأزمات ومحاولة تنفيذها، ولكنَّ المعضلة الحالية هي حجم الدمار الذي طال مدنًا قديمةً كاملةً في سورية مثل مدينة حلب القديمة ومدينة حمص القديمة، ممَّا يجعل من الصعب جدًّا تأمين الكوادر الكافية والموارد المادية اللازمة. علمًا أنَّ أي تأخُّر بالإجراءات الإسعافية من إزالة الأنقاض بطريقة مناسبة وتدعيم الأجزاء التي لا زالت قائمةً مثل الجدران أو القباب أو المآذن، يؤدي مع الوقت إلى ازدياد الأضرار واحتمال فقدانها نتيجة تعرُّضها للعوامل الجوية. ولكنَّ الملفت للنظر أنَّ الاهتمام كبيرٌ على الرغم من قلَّة الموارد، وخاصَّةً من قِبل الجهات الأهلية والاختصاصيين في الجامعات بحماية هذا التراث، إذ بدأت حاليًّا وخاصةً في حلب حملات تطوعية تساهم في إزالة الأنقاض والبدء بعملية الصيانة الإسعافية، وكان من آخرها الاعمال التي جرت في جامع العادلية في حلب."
Image: المهندس محمود السيكت
صورة 7: جامع العادلية في حلب - سوريا، حقوق الصورة لـ المهندس محمود السيكت/ نيسان 2019
فهل سنتمكن عن طريق هذه الحملات التطوعية وتعاون المجتمع المحلي من إعادةِ مدننا القديمة وبث الحياة فيها لتظلَّ شاهدةً على حضارةِ وعراقة بلدنا؟
المصادر:
FIRST AID TO CULTURAL HERITAGE IN TIMES OF CRISIS Handbook
FIRST AID TO CULTURAL HERITAGE IN TIMES OF CRISIS Toolkit
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا