لماذا تكون مسرعات الجسيمات كبيرة جدًّا؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
تُعَدُّ مسرعات الجسيمات مجاهر أيضًا؛ لكنَّ الفرق بينها وبين المجاهر هو أن الأخيرة تُستخدَم لرصد أجزاء المادة ومعرفة بنيتها الداخلية وسلوكها عن طريق تسليط إشعاع معين عليها مثل الضوء أو الإلكترونات للكشف عنها دون التأثير فيها؛ وتعمل المسرعات على الكشف عن البنية الداخلية للجسيمات وسلوكها عن طريق دراسة تصادم الجسيمات معًا، ونواتج عمليات الاصطدام هذه التي هي عادةً جسيمات جديدة.
وعندما نقول مُسرِّع، نحن لا نقصد الجزء الذي يُسَرَّع الجسيمات فقط؛ بل جميع الأجزاء التي تعمل على الإتيان بتفاصيل عن التفاعل الذي يحدث، مثل الكواشف والحواسيب المستخدمة لتحليل إشارات الكواشف وغيرها وصولًا إلى البيانات النهائية لعملية الكشف.
مسرع الجسيمات: هو الأداة التي تسمح لنا بدراسة الوحدات البنائية الأساسية في الطبيعة التي يتكون منها كل شيء آخر وأصل كل مادة وتطورها في الكون المرئي وغير المرئي، وكلما زادت قوة المسرع تمكنا من رؤية جسيمات وسلوكيات جديدة ورصدها التي قد تحاكي ما حدث في بداية نشوء الكون.
هنالك نوعان من المسرعات؛ المسرعات الدائرية والمسرعات الخطية (المستقيمة)؛ إذ تُسرَّع الجسيمات في المسرعات الدائرية تدريجيًّا، كما في حلبة سباق السيارات حيث لا تسير السيارة بسرعتها النهائية مباشرة، لحين إيصالها إلى أقصى سرعة ممكنة قبل حدوث التفاعل. وعلى سبيل المثال، تحتاج البروتونات في مصادم الهادرونات الكبير إلى إكمال 11000 لفة لكل ثانية مدة 20 دقيقة حتى يحدث التصادم.
ففي كلا النوعين تُستخدَم المجالات الكهربائية لتسريع الجسيمات، وتُستخدَم في المسرعات الدائرية المجالات المغناطيسية لتوجيه الجسيمات في المسار الدائري حتى وقت حدوث عملية التصادم.
ولا يخلو المسرع الدائري من العيوب -طبعًا-؛ فعند مرور الجسيمات بمنحنيات ضيقة أو إذا كانت المغانط ضعيفة فإن الجسيمات ستنحرف عن مسارها.
ومن ناحية أخرى؛ لاتعاني المسرعات الخطية هذه المشكلة، لكنها تواجه تحدٍ من نوع آخر فرحلة الجسيمات تنتهي بمجرد وصولها إلى خط النهاية؛ أي إنه لا تتوافر فيها مسافة كافية، ومن ثم زمن كافٍ، لتصل الجسيمات فيها إلى سرعة عالية جدًّا تُمكِّن الباحثين من تأدية التصادم المطلوب.
ولإنشاء مسرع خطي يؤدي مَهمة المسرع الدائري فسيتطلب هذا مسافات كبيرة جدًّا، وبناؤه سيكون أكثر كلفة من بناء المسرع الدائري بكثير. على سبيل المثال إذا أردنا أن نستبدل بمصادم الهدرونات الكبير مسرعًا خطيًّا، سيكون طول هذا المسرع (27 كم × 11000 لفة\ثانية × 20 × 3600 ثانية)؛ أي قرابة 21،384،000،000 كم.
إن الغرض الأساسي من بناء المسرعات هو توفير ظروف مشابهة لتلك التي كانت موجودة في الثواني الأولى من الانفجار العظيم؛ إذ كانت الجسيمات في تلك اللحظات تمتلك طاقة هائلة جدًّا تجعلها تتصرف بطريقة مختلفة كُليًّا عن الجسيمات الموجودة في الوقت الحالي، وهذا ما يتطلب توفير أداة عملاقة تعمل على خلق مثل هذه الظروف، فكلما كان المصادم أكبر زادت إمكانية إكساب الجسيمات طاقات أكثر قد تساعدنا في فهم كيف خُلِقَ الكون عن طريق الإنفجار العظيم.
والمساعي جارية حاليًّا لبناء مصادم جديد أكبر من مصادم الهادرونات الكبير، لعَلَّنا نصل يومًا ما إلى فهم أعمق للكون ووجوده..
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا