مراجعة كتاب (سيدات القمر): سلطنة عمان: تحوُّلات قرن كامل
كتاب >>>> روايات ومقالات
وقد صدرت روايتها "سيدات القمر" عام 2010، وفازت عام 2019 بجائزة المان بوكر الدولية «Man Booker International»**، فكانت (الحارثي) بذلك أول شخصية عربية تفوز بالجائزة متفوقةً على منافسيها الخمسة في القائمة القصيرة من فرنسا وألمانيا وبولندا وكولومبيا وتشيلي.
وتقاسمت الحارثي الجائزةَ مناصفةً مع مُترجمة الرواية إلى الإنكليزية (مارلين بوث)؛ فالقائمون على جائزة المان بوكر يَعدُّون المُترجِم شريكًا أساسيًّا في العمل الأدبي.
إنَّ "سيدات القمر" رواية تحكي عن سلطنة عمان وتاريخها ومجتمعها وناسها، وتسلط الكاتبة الضوءَ على عدة موضوعات: لمحات من تاريخ عمان السياسي خلفيةً للأحداث، والتغيرات الاجتماعية التي حصلت على مدى قرن من الزمن، والعوالم الداخلية لشخصيات من طبقات عدة وهموم شتَّى.
"هل ترين حركة الناس الظاهرية في الحياة؟ إنَّها الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم، الجزء الغاطس، الجزء الأعظم هو حركتهم الداخلية، عوالمهم الخاصة وخيالهم."
تدخل الكاتبة إلى بلدةٍ في أرياف عمان تُسمَّى (العوافي)، فتجمع قصصًا متنوعة من مجتمع هذه البلدة بصغارها وكبارها وشيوخها، وتتنقل الشخصيات ما بين العوافي والعاصمة مسقط، مُظهِرةً في تنقُّلها الفروق بين القرية والمدينة، ومُعلنةً مدى تأثير الجغرافيا في حياة الأفراد بوضوح.
"وتصبَّبتُ عرقًا وخوفًا من أن أقول إنَّ أبي تاجر، بدا لي أنَّ كلمة تاجر تعني شخصًا قبيحًا سمينًا تتدلَّى كرشه أمامه وهو يكدِّس الذهب ويعذب الفقراء، وأنَّ سرِّي كابن رجلٍ غني سينكشف وسأكون عُرضة للسخرية."
تحكي الرواية عن بنات عائلة عزَّان وسالمة أساسًا: ميا وأسماء وخولة، وعن صباهنَّ وأحلامهنَّ ومن ثم عن حياة كل منهنَّ بعد الزواج، وكيف تعاملن مع مسؤولياتهنَّ وأيَّة السبل اخترن في مواجهة مصاعب الحياة.
وتتشابك القصص، وتتقاطع مصائر الشخصيات، وتظهر التحوُّلات ظهورًا جليًّا في طيات هذا السرد في أنماط الحياة وأساليب التفكير ما بين أربعة أجيالٍ متوالية، منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى أواخر القرن الماضي.
"يا ولد.. ربطت العبد سنجر السارق في العمود الشرقي؟" أمسكتُ بيده أقبِّلها فأزاحني: "يا أبي الحكومة حرَّرت العبيد وسنجر.. الحكومة يا أبي"، زمجر كأنَّما سمعني أخيرًا: "ما لها الحكومة؟ سنجر عبدي أنا وليس عبدها حتى تحرِّره."
وتتطرَّق الرواية إلى موضوع تجارة الرقِّ، فتُظهر كيف كانت عمليات بيع العبيد وشرائهم سائدة حتى بدايات القرن العشرين، ثم تُرينا كيف أثَّر منعُها وتجريمُها في تُجَّار العبيد وفي العبيد أنفسهم حسب ما كانوا يسمُّونهم وقتذاك، فما بين إنكار التجار وتمرُّد العبيد وتمسُّكهم بقرارات الحكومة، تظهر فئة ثالثة وهي العبيد الأوفياء لأولياء نعمتهم -حسب ما يقولون- الذين لا يرغبون في إعتاق أنفسهم، ولا يستسيغون تغيير نمط حياةٍ اعتادوه مذ فتحوا أعينهم على الحياة.
"نحن أحرار، سرقونا وباعونا" يصرخ في قلب الليل، وفي أول الفجر... عبثًا يا ظريفة تشرحين لهذا الرجل أنَّ أحدًا لم يسرقك، أنت وُلدِت عبدةً لأنَّ أمك كانت عبدةً وهكذا، العبودية تتبع الأم من جهة النسب، ولم يسرقك أحد، والعوافي بلدك، وناسها ناسك."
استطاعت (جوخة الحارثي) أن تختصر حقبةً طويلة من تاريخ سلطنة عمان بأسلوب سلس ورشيق ومُتقن في رواية تُقارب المئتي صفحة فحسب! لقد قدَّمت (الحارثي) تجربةً أدبية تستحق التأمل والقراءة المتأنية.
** جائزة «مان بوكر Man Booker» مُخصصة للأعمال المكتوبة باللغة الإنجليزية والمنشورة في بريطانيا فحسب، أما جائزة «مان بوكر العالمية Man Booker International» فتُمنح إلى أعمال كُتِبت بلغة أخرى غير الإنجليزية وتُرجِمت إلى اللغة الإنجليزية، ونُشِرت في بريطانيا أو أيرلندا.
معلومات الكتاب:
الكتاب: سيدات القمر.
الكاتب: جوخة الحارثي.
دار النشر : دار الآداب.
تاريخ النشر: الطبعة الأولى 2010.
عدد الصفحات: 224 صفحة.