موجاتُ الحرِّ القاتلة...إنَّها البداية فقط!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم الأرض
تستمرُّ معدَّلات درجات الحرارة في الارتفاع، ليس فقط صيفاً؛ إذ إنَّ دولاً مثل باكستان قد سجَّلت درجات حرارة قياسية وصلت إلى (50.2) درجة مئوية في شهر نيسان (إبريل) عام 2018، وكذلك سجَّلت إحدى المدن الهنديَّة في شهر أيَّار (مايو) عام 2016 درجة حرارة تقدَّر بـ (51) درجة مئوية محطِّمةً بذلك ما سُجِّل عبر التاريخ.
وفي العقدَين الأخيرَين من الزمن أصبحت موجات الحرارة التي يواجهها العالم أشدَّ فتكاً، وعلى عكس الكوارث المناخية الأُخرى -كالفيضانات، والحرائق، والأعاصير- فإنَّ موجات الحرِّ تنال اهتماماً أقلّ؛ نظراً لأنّ آثارها غير مرئيةٍ تماماً ولا تسبِّبُ التدمير، لكنَّها قد تكون قاتلةً بقدرِ الكوارث الأخرى، ولهذا تُسمَّى غالباً بـ "القاتل الصامت".
في عام 2015؛ حصدت موجة حرٍّ في الهند أرواحَ 2300 من السكّان، وكذلك حصدت موجةُ حرٍّ أُخرى في باكستان أرواح 1200 آخرِين. وقد تسبَّبت إحدى أعتى موجات الحرِّ التي واجهتها القارَّة الأوروبية عام 2003 - والتي استمرَّت أسبوعَين من الزمن- بموت قرابة 15000 فرد في فرنسا وحدَها، في حين وصل عدد الوفيّات الكلِّي في القارّة إلى 70000 حالة وفاة. وكذلك تُوفِّي قرابة 55000 فرد في روسيا في صيف عام 2010 الحارّ، مع أنَّه لا عهد لدولةٍ مثل روسيا بمثل موجات الحرّ هذه.
يتوقَّع الباحثون المزيد من موجات الحرِّ في المستقبل؛ إذ طوَّر بعض الباحثين طريقةً للتنبُّؤ بدرجات الحرارة المتطرِّفة المستقبلية. ووفقاً لتقديراتهم؛ فإنّ السنوات من 2018 حتى 2022، ستكون أشدَّ حرارةً من المتوقَّع، وفيما يأتي السبب الذي توصَّلوا إليه:
على الرغم من الارتفاع الواضح في درجات الحرارة؛ لكنَّ هذا الارتفاع قد تباطأ في الماضي القريب، ويرجع السبب في ذلك إلى كون الاحترار الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة غير خطيّ، وإنّما انخفضت حدَّته في بداية هذه الألفية بسبب ظاهرةٍ تُعرف بـفجوة الاحترار العالمي Global Warming Hiatus إذ تباطأ معدَّل ارتفاع درجة الحرارة العالميّة منذ عام 1998 وحتى عام 2012 لكنَّه حالياً متَّجهٌ نحو الارتفاع مجدَّداً، وذلك وفقاً لنموذجٍ مُناخيٍّ جديد لا يَعتمد في تطبيقه على تقنيَّات النمذجة التقليديّة؛ وإنّما على الطرائق الإحصائيّة عن طريق البحث في بيانات القرنَين العشرين والحادي والعشرين، لإيجاد أحداثٍ مُناخية مُشابهة للظروف المُناخية الحاليّة، وبذلك التنبُّؤ بما سيكون عليه المُناخ في المستقبل.
إنّ دقّة وموثوقيّة هذا النموذج تعادل الطرق الحاليّة المستخدمة، لا سيّما فيما يرتبط بمحاكاة ظاهرة فجوة الاحترار العالميّ في بداية هذا القرن.
ستثبت السنوات القليلة القادمة ما إذا كنَّا سنشهد فعلاً صيفاً أشدّ حرارةً أم لا؛ لا سيَّما أنّ هناك العديد من التكهُّنات البعيدة المدى التي تَعدُ بمستقبل ذي مناخٍ حارق. وببلوغ عام 2050؛ ستواجه أكثر من 970 مدينة متوسَّط درجات حرارةٍ في فصل الصيف يصلُ إلى 35 درجة مئويّة، إضافة إلى أنَّ بعض التوقُّعات تذهب أبعد من ذلك لتقول بأن التغيُّر المُناخيَّ قد ضاعف فعلياً من احتمالية حدوث موجات حرٍّ قاسية كالتي شهدتها القارّة الأوروبيّة عام 2003 مرّةً أخرى، حتى في المدن التي لم تَعْتَد على مثل هذا الحرِّ الشديد.
وفي هذا الصدد؛ انتشرت حملة #ShowYourStripes على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع؛ إذ يمكن لأيّ شخص في أيّ مكان في العالم الدخول إلى الموقع
هنا
وإدخال منطقته لتظهر له صورة على شكل Barcode بخطوط ملوَّنة بطيفٍ من تدرُّجات اللونَين الأحمر والأزرق، وتشيرُ إلى تغيُّرِ درجات الحرارة على مدى أكثر من قرنٍ من الزمن (بين عامي 1901 و2018). وقد حظي الموقع بزياراتٍ تزيد عن المليون منذ إطلاقه حتى الآن والأعداد في ازدياد.
ابتُكرت هذه الفكرة من قِبَل عالم المناخ ايد هوكينز Ed Hawkins – الباحث في جامعة Reading في المملكة المتحدة - والذي بحث عن طريقة جذَّابة تعتمد على الصورة دوناً عن الأرقام لمشاركة هذه البيانات على المستوى العالمي، فتوصَّل في نهاية العام المنصرم إلى خطوط الحرارة الملوّنة coloured warming stripes ومن ثمَّ جاء هذا العام بموقعه التفاعلي هنا الذي يسمح لأيٍّ كان بتحميل صورة خطوط الحرارة الملوَّنة الخاصَّة بمنطقته، ويستند إلى بيانات مُستمدَّة من مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، موقع بيركلي إيرث هنا والعديد من المصادر الأخرى.
تبيِّن الصورة (1) التباين الكبير في درجات الحرارة لمدَّة طويلة وفي مناطق عدَّة من العالم، فإذا ما دخلنا إلى الموقع وأدخلنا المنطقة والدولة ستظهر لنا صورةٌ تشبه الـ Barcode كالصورة (2) التي تبيِّن خطوط الحرارة في سورية؛ إذ يمثِّل كلُّ خطٍّ عموديٍّ متوسِّطَ درجات الحرارة في السنة الموافقة للخط، بينما تعطي مجموعة الخطوط الملوَّنة مجتمعةً صورةً عن ازدياد حدِّة الاحترار وخاصَّة في السنوات الأخيرة.
اعتُمد اللَّونان الأزرق والأحمر وتدرُّجاتهما لتكون الصورة واضحة تماماً دون أيِّ تشتُّت قد يصيب العين، وهي مشكلة قد تُصادَف في المخطَّطات البيانيّة العادية، وهنا يقول هوكينز " سيفسِّرُ نظامنا البصريُّ الصورة مباشرة دون أن نحتاج إلى التفكير فيها".
الصورة (1)
Image: https://i1.wp.com/ichef.bbci.co.uk/news/320/cpsprodpb/133A5/production/_107475787_climate_stripes_976-nc.png?ssl=1
الصورة (2)
Image: https://showyourstripes.info/stripes/MIDDLE_EAST-Syria--1901-2018-BK.png
نأمل أن ينحدر خطُّ الاحترار العالمي بالاتّجاه المعاكس وأن نجدَ خطوطاً زرقاء بدلاً من الحمراء في السنوات القادمة، ولكنَّ الأمل غير المقترن بالعمل لن يُغيِّر المستقبل أبداً، فلنعمل ونعدَّ العدّة إذن لمواجهة الأسوأ والتخفيف من وطأته.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا