بكاء الأطفال ليلًا يهدف إلى منع الحمل وتنظيم الأسرة
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
هذه الدراسة تقترح أن يكون السبب إزعاجاً مقصوداً!
كيف يستفيد الولد من إزعاج أهله المقصود؟ وماذا يعطيه ميزات؟
هل اعتقدنا يوماً أن هناك دوافع لبكاء الأطفال الليلي غير الجوع والعطش والتعب وعدم الراحة؟
هناك نظرية جديدة تولد اليوم من جامعة هارفرد لتخبرنا بأهداف تطورية دفينة يتضمنها هذا البكاء.
دعونا وإياكم نتعرف إلى هذه النظرية القادمة من الولايات المتحدة ونتناقش بمدى صحتها وما رأيكم بها؟؟
عندما يبدأ الرضيع بالبكاء ليلاً فإن والديه المرهقين يسعيان على معرفة السبب، هل هو الشعور بالجوع، أو البرد، أو الوحدة، أو البلل؟ اقترح علماء من جامعة هارفارد سبباً مثيراً؛ وهو أن الطفل الذي يطلب الرضاعة في منتصف الليل إنما يحاول منع والدته من الحصول على طفل مرة أخرى!
يطرح العالم David Haig فكرته الجديدة في مجلة Evolution، Medicine and Public Health مُعِدَّاً أنها منطقية؛ إذ تقول النظرية إن وجود طفل آخر يعني للطفل الأكبر مشاركته في أبيه وأمه، لذا فقد تبرمج الأطفال لإجراء كل ما يستطيعون فعله لمنع التقاء النطفة مع البويضة.
ببساطة فإنَّ الطفل الذي ينجب والداه أخاً صغيراً له سوف يحصل على منافس يجعله يخسر الكثير من رعاية والديه له، وقد يخسر فرصته في الرضاعة فترة كافية، وبهذا فإنه يكون أقل حظاً من الأطفال الذين تمتعوا بأطول وقتٍ ممكن من رعاية والديهم واهتمامهم دون منافسة من أخٍ جديد، وبهذا فإنّ الأطفال الذين استطاعوا -بآلية ما- منع آبائهم من إنجاب أخٍ هم الأطفال الذين انتشرت مورثاتهم في المجموعة أكثر لأنهم الأكثر حظاً بالحصول على طفولةٍ صحية ورعاية ونمو سليم..
ولأن الطفل لا يستطيع فرض حبوب منع الحمل على أمه فإنه سيفعل ما يمتلك القدرة على فعله، على فرض أن الإرضاع الليلي المتكرر يضعف الخصوبة عند الأم؛ إذ إن الرضاعة تؤدي إلى تغيرات هرمونية تمنع حدوث عملية الإباضة (على الرغم من أنها كما يحذر أطباء النسائية طريقة غير موثوقة لمنع الحمل).
وبالطبع فإن الأطفال لا يمتلكون الوسائل التي تعارض خصوبة أمهاتهم عن قصد، لكن في الماضي كان للأطفال الذين يبكون في الليل فرصة أكبر في ذلك.
يبدو توقيت البكاء في الليل عاملاً مؤثراً، فالأطفال ذوو الرضاعة الطبيعية يزيدون من احتياجاتهم الليلية في عمر الستة أشهر ويستغلونها رويداً بعد ذلك على وجه التحديد عندما يرغب الطفل في زيادة جهوده لمنع الحمل.
إن الاضطرابات الجينية الموروثة من الأب أو الأم تقدم دليلاً إضافياً؛ فالأطفال الذين يكتسبون جينات معينة من أمهاتهم ينامون فترة أطول في الليل، وهذا أقصى ما تهتم به المرأة التي ترغب في الحمل مجدداً. لكن الأطفال الذين يكسبون الجينات نفسها من آبائهم كثيراً ما يستيقظون في الليل ليمنعوا حدوث الإباضة عند أمهاتهم، وهذا يحمل منطقاً تطورياً لأنَّ الآباء لن يضمنوا أن الطفل التالي سيحمل جيناتهم، لذا فهم ليسوا مهتمين بحدوث الإباضة مجدداً.
استندت نتائج هيغ إلى اقتراح مشابه نُشر عام 1987، وإذا كان صحيحاً فهذا يعني أن الأطفال ذوي الرضاعة الطبيعية الذين يبكون في الليل يظهرون غيرة شديدة تجاه الأشقاء، وممَّا لا يثير الدهشة فقد تلقى هيغ الكثير من الاهتمام بنظريته من قبل عموم الناس ومن قبل علماء آخرين نشروا ردوداً في المجلة ذاتها.
وفي تعليقه أشار العالم James McKenna إلى أن الأطفال قد يكونون تطوروا ليستيقظوا في الليل لأسباب أخرى، فمن الممكن أن يشعروا بالحرارة أو الجوع أو أن يرغبوا في عناق أمهاتهم، ولا يجب أن يقع عليهم اللوم إن أيقظوا أهلهم.
ففي دراسة أخرى وجد مكينا وزملاء له أن 40 بالمئة من حالات استيقاظ الأطفال بالليل كانت نتيجة الضوضاء القريبة منهم، ولكن في الوقت نفسه يمكننا أن نعُدَّ استيقاظهم ورقة رابحة لمنع الحمل عند أمهاتهم.
يقول مكينا أيضاً: إن المشي المتكرر يمنع الطفل من الدخول في نوم عميق و يعدُّ هذا الأمر خطراً.
وإذا ما كان هيغ محقاً فإن الطفل الباكي يفعل كل ما بوسعه لمنع قدوم طفل جديد يفسد عليه حياته، وتتعارض هذه الأنانية مع غاية الأم التطورية التي تكمن في نقل مورثاتها لأكبر عدد ممكن من أطفالها.
إنه لمن المستحيل العودة إلى الماضي لاختبار فيما إذا ساعد بكاء الأطفال في نجاتهم في المراحل الأولى من التاريخ التطوري على عَدِّ أن الأطفال في وقتنا الحاضر يكبرون في عالم لا يماثل ذاك العالم الذي يمكن أن تكون فيه هذه الخدعة مفيدة.
إذ يعتقد هيغ أنه نوع من التأقلم مع عالم مختلف جداً عن عالمنا الآن، فوجود مانعات الحمل والأغذية الصلبة والصحة الجيدة قد أزال مخاوف الطفل من الحصول على أشقاء.
على الرغم من ذلك فلن نستطيع بالضبط أن نعرف لماذا تطور الأطفال ليبكوا في الليل، وتقدم فكرة هيغ تفسيراً مثيراً بغض النظر إن كان محقاً أو لا فهناك رسالة أخرى تكمن في هذه الدراسة وموجَّهة للآباء والأمهات في عصرنا:
الأطفال الذين لا يرضعون في الليل والذين يشربون من الزجاجة لا يستيقظون كثيراً في الليل، وهو أمر لا يبدو بهذا السوء ومنه نستنج أن الإرضاع ليلاً ليس ضرورياً؛ لذا لا يتوجب على الأم أن تلوم نفسها إن لم تستجب لنداءات طفلها في الليل.
هناك ميل لعدِّ الأطفال كائنات ضعيفة وهذا يتنافى مع نظرية التطور؛ إذ يتوجب عليهم بنظر هيغ أن يكونو أقوياء وقادرين على التعامل مع اختلاف ترتيبات النوم والإطعام.
يختم هيغ مقالته بوجهة نظرة أعتقد أن جميع الآباء يتبنونها: "في النهاية افعل ما يبدو مناسباً لك."