الروابط الكيميائية؛ ماهيتها وخواصها
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
وينطلق فرق الطاقة بين هاتين الحالتين على شكل حرارة، وتدعى هذه الطاقة المنتشرة -أو الممتصة في حالة تفاعل ماص للحرارة- بالمحتوى الحراري (الإنتالبية Enthalpy).
وتسعى الذرات في أثناء تشكيل هذه الروابط إلى تحقيق مبدأ "الثمانية الإلكترونية"، وينص هذا المبدأ على أن الذرات تكون في حالتها الأكثر استقرارًا عند ملء الطبقة الإلكترونية التكافئية (الخارجية) بثمانية إلكترونات، وذلك عن طريق كسب إلكتروناتها التكافؤية (الخارجية) أو فقدانها أو مشاركتها.
المواد الكيميائية شأنها شأن البشر تحكمهم الروابط، هناك أنواع مختلفة للعلاقات، يمكنكِ أن تتشاركي مع أختكِ ثيابها، في هذه الحالة الرابطة مشتركة؛ إحدى الذرتين تشاركت مع الذرة الأخرى بإلكترون أو أكثر (التشبيه الدقيق سيتطلب منك وأختك أن ترتديا ذات السترة في الوقت ذاته).
أما لو أحضر لك أخوك الكبيرُ هديةً بمناسبة أول مرتبٍ له في هذه الحالة الرابطة أيونية؛ أي إنَّ إحدى الذرات منحت إلكترونات لذرة أخرى.
قبل أن نتحدث عن أنواع الروابط لنتعرف إلى بعض المصطلحات:
الشوارد (الأيونات): هي عبارة عن ذرات اكتسبت إلكترونًا أو أكثر، فتظهر عليها شحنة سالبة وتدعى أيونات، أو فقدت إلكترون أو أكثر فتظهر عليها شحنةٌ موجبةٌ، وتدعى كاتيونات.
وكما في العلاقات بين البشر، فإنَّ المسافات مهمة جدًّا، حين توجد مسافة كبيرة لا تجري عملية التواصل على نحو جيد، ومن ثم لن يكون هناك ارتباط جيد، وبالطبع الاقتراب الشديد مشكلة، فكل طرف يحتاج مساحته الشخصية .
هل تتخيل أن هذا الكلام يمكن تطبيقه حرفيًّا على الذرات، ويعتمد نوع الروابط بين الذرات على المسافة بينها، وذلك لتحقيق توازن بين قوى التجاذب والتنافر. لدى اقتراب الذرات من بعضها تنجذب إلكترونات إحدى الذرات إلى بروتونات الذرة الأخرى -الكهرباء الساكنة- لكن عندما تقتربان من بعضهما أكثر ممّا يجب تتنافر النواتان؛ لأنَّ الطاقة المتولدة بينهما تزداد، فتتباعدان بمسافة تتيح لكل منهما الاسترخاء، هذه المسافة المثالية هي ما يسمى طول الرابطة، وعندها تلغي قوة التنافر والتجاذب بعضها، وتصل فيها الذرتان إلى أدنى طاقة -حالة الاستقرار- وتقاس قوة الرابطة المتشكلة بمصطلح يعرف بطاقة الرابطة وهي الطاقة اللازمة لتحطيم هذه الرابطة.
مخطط يوضح الطاقة بدلالة المسافة بين الذرتين (في هذه الحالة ذرتي هيدروجين)؛ إذ تكون الطاقة عالية جدًّا عند اقتراب الذرتين على نحو كبير من بعضهما، ويوضح وجود مسافة مثلى تكون عندها الطاقة أقل ما يمكن (طول الرابطة)
Image: SYR-RES
للروابط بين الذرات ثلاثة أنواع رئيسة هي: المشتركة (التشاركية)، والأيونية، والمعدنية، ويختلف نوع هذه الرابطة حسب اختلاف قيم الكهرسلبية للعنصرين المكونين لهذه الرابطة، فالكهرسلبية بالتعريف: هي ميل العنصر الكيميائي لاكتساب الإلكترونات (إذ يكون الفلور أكثر العناصر كهرسلبية والسيزيوم أقلها كهرسلبية).
الرابطة المشتركة هي تشارك ذرتين بزوج إلكتروني أو أكثر؛ بحيث تدور هذه الإلكترونات المشتركة بالتساوي في مدارات كلا الذرتين المتشاركتين. أما الرابطة الأيونية، فهي تجاذب كهربائي ساكن بين ذرتين، تتشكل عن طريق منح إحدى الذرتين إلكترونًا أو أكثر إلى الذرة الأخرى على نحو كامل؛ للوصول إلى الثمانية الإلكترونية والتشكيل الإلكتروني للغاز الخامل الأقرب له.
نقاط التشابه بين الرابطة الأيونية والرابطة المشتركة:
· كلا الرابطتين تؤديان إلى تشكيل مركبات مستقرة كيميائيًا.
· كلا الرابطتين تتشكلان بتفاعلات ناشرة للحرارة.
· في كلا الرابطتين الإلكترونات التكافئية هي التي تدخل بالربط.
· في كلا الرابطتين يتشكل -في النهاية- مركب معتدل كهربائيًا.
نقاط الاختلاف بينهما:
· توجد الروابط المشتركة (التساهمية) في جزيئات الكائنات الحية (المركبات العضوية) على نحو أكبر من الروابط الأيونية.
· في الروابط الأيونية تكون الفروقات في الكهرسلبية بين الذرات عالية، مثال: ملح الطعام أو مايعرف بكلوريد الصوديوم NaCl، فإن الصوديوم من أشد العناصر كهروجابية، ويوجد في العمود الأول من الجدول الدوري، أما الكلور فهو من أشد العناصر كهرسلبية ويوجد في العمود السابع؛ لذلك نلاحظ أن الكلور لديه سبعة إلكترونات في الطبقة التكافئية 3S2 3P5؛ أي إنَّه يميل إلى اكتساب إلكترون؛ ليكمل الثمانية الإلكترونية، ويتحول إلى شاردة الكلوريد السالبة ويصبح له بنية الغاز الخامل الذي يسبقه، وهو الأرغون Ar، أما الصوديوم فلديه إلكترون واحد في الطبقة التكافئية 3S1، فيميل إلى أن يخسره، ويصبح شاردة موجبة لها بنية الغاز الخامل الذي يسبقها، وهو النيون Ne، وهنا الإلكترونات تتموضع لدى الكلوريد فترة زمنية أطول منها لدى الصوديوم، وذلك بسبب كهرسلبية الكلوريد العالية .
· أما في الروابط المشتركة يكون فرق الكهرسلبية بين الذرتين ضئيلًا جدًّا، كأن ترتبط ذرتا هيدروجين لتشكيل الغاز H2؛ إذ لدى كل ذرة هيدروجين إلكترون وحيد في الطبقة التكافؤية S، فتتشارك ذرتا الهيدروجين، وتمتلئ الطبقة التكافئية بإلكترونين.
وهنا فإن الإلكترونات تقضي وقتها في المنتصف بين الذرتين، وعلى نحو متساوٍ؛ لتساوي كهرسلبية الذرتين .
ذرة الهيدروجين (إلى اليسار)، جزيء الهيدروجين (إلى اليمين).
Image: SYR-RES
· الروابط المشتركة سهلٌ تحطيمها مقارنةً بالروابط الأيونية (طاقة الروابط الأيونية أكبر من طاقة الروابط المشتركة).
· غالبًا وفي درجة حرارة الغرفة العادية نجد الروابط الأيونية في المركبات الصلبة؛ لأنَّها تنتظم على شكل بلورات ببنى مختلفة، ومحاليلها ناقلة للتيار الكهربائي.
. الروابط المشتركة في المركبات السائلة والغازية، وتكون محاليلها غير ناقلة للتيار الكهربائي.
لكن لا يمكن تصنيف الروابط في المواد تصنيفًا قطعيًا؛ إذ لدينا نوعان من الروابط المشتركة:
1. الروابط مشتركة القطبية: لقد ذكرنا منذ قليل أنَّه لدينا نوعين من الروابط مشتركة القطبية، فكيف تكون هذه الروابط مشتركة القطبية في آنٍ واحد؟
حسنًا ببساطة لا تتشارك الإلكترونات تشاركًا عادلًا، والسبب مرة أخرى أن كهرسلبية إحدى الذرتين تكون أعلى قليلًا من كهرسلبية الأخرى، لكن هنا تظهر شحن جزئية (δ) كما في الماء H2O مثلًا: إنَّ الأوكسجين أكثر كهرسلبية من الهيدروجين، إذ تبلغ كهرسلبيته (3.44) أما بالنسبة إلى الهيدروجين (2.20)؛ لذلك تتوضع عليه شحن جزئية سالبة (δ-)؛ أما الهيدروجين فتظهر عليه شحنة جزئية موجبة (δ+) دلالة انخفاض كثافة الإلكترونات على ذرات الهيدروجين.
2. الروابط المشتركة غير القطبية: مثال عليها غاز الميتان: لدى الكربون أربعة إلكترونات تكافئية، ومن وجهة نظر ثرموديناميكية، فإنَّه من الصعب جدًّا أن يخسر الأربع إلكترونات كلها، أو يكسب أربعة إلكترونات أخرى؛ لأنَّه سيحتاج إلى طاقة هائلة، فيسعى ليشارك هذه الإلكترونات الأربعة مع أربع ذرات هيدروجين، لدى كل منها -كما ذكرنا- إلكترون تكافؤي وحيد، ويستقر محققًا مبدأ الثمانية الإلكترونية، ولأنَّ الكربون والهيدروجين متقاربان في الكهرسلبية لدى الكربون (2.55) تكون الرابطة مشتركة غير قطبية.
هل هناك أنواع أخرى للروابط؟
نعم، هناك الروابط الهيدروجينية و قوى تشتت لندن وتنطوي تحت اسم روابط فاندر فالس، وهي أضعف من الروابط السابقة، لا تحكمها مبادئ الترموديناميك، وتنشأ بنحو عام بسبب اختلال لحظي في تموضع الإلكترونات في الجزيئات، وقد تربط بين جزيئات، وليس فقط ذرات في جزيء.
تؤدي الروابط القوية منها والضعيفة دورًا مهمًا في كيمياء الخلايا، على سبيل المثال: الروابط القوية تربط البنى الأساسية المشكلة لشريط DNA، أما الروابط الهيدروجينية فهي تربط كل شريطين من الـDNA معًا بشكله الحلزوني، وتجعله مستقرًا وتتيح له بالوقت نفسه أن ينفصل لتنسخه الخلية وتستخدمه.
من الممتع حقًا معرفة أن مليارات التفاعلات الكيميائية بين هذه الروابط القوية والضعيفة والدائمة واللحظية تحدث في أجسامنا، وتبقينا متماسكين، وتجعل الحياة ممكنة!
المصادر:
هنا
هنا