على ماذا تدل ولادة طفلٍ أزرق اللون؟
الطب >>>> طب الأطفال
يظهر اللّون الأزرق -غير الطبيعي- على الجلد والأغشية المخاطيّة أو ما يعرف بالزرقة (cyanosis) لدى الأطفال الذين يعانون تشوهات قلبية. كما قد تظهر الزُّرقة بسبب وجود مشكلات تنفّسيّة. سنتحدث في هذا المقال عن الأسباب القلبيّة التي تؤدّي إلى الزُّرقة.
إن أمراضَ القلب الخلقيّة هي عبارةٌ عن تشوّهاتٍ تؤثّر في بنية القلب أو الأوعية الكبيرة الخارجة من القلب في أثناء تطوّر الجنين، وتُعدُّ من التشوهات الأكثر شيوعاً عند الولادة والسّبب الأساسيّ لوفيّات الأطفال الذين يعانون تشوّهات خلقيّة.
وهناك أنماطٌ كثيرةٌ لهذه التّشوّهات، وقد لا يُرافق بعضها الزُّرقة، لكن في حال وجود الزُّرقة حينها تُسمّى أمراض القلب الخلقيّة الحرجة (critical congenital heart disease).
تصيب أمراض القلب الخلقية 8-9 أطفال من كلِّ 1000 طفلٍ مولود، ويُعدُّ قرابة 25% منها حالات أمراض قلب خلقيّة حرجة (مزرّقة).
في البداية ولكي نفهم أسباب الآفّات المزرقة سنتحدث باختصارٍ عن تشريح القلب، وممَّ يتكوّن قلب الإنسان الطبيعي؟
يُوجد القلب في التّجويف الصّدري بين الرّئتين، ويتكوّن من أربع حجرات: اثنتان علويّتان (الأذينتان) واثنتان سفليّتان (وهما الحجرتان الأكبر حجماً ويُدعيان البطينان). ويُقسم القلب أيضاً إلى القلب الأيمن والقلب الأيسر. ويخرج من البطين الأيسر شريانٌ رئيسيٌّ كبير يُسمّى: الشريان الأبهر؛ وهو الذي ينقل الدم الغنيّ بالأوكسجين من القلب إلى باقي أنحاء الجسم ليعود هذا الدم -الذي أصبح قليل الأوكسجين- إلى القلب الأيمن عبر وريدين كبيرين. يذهب بعدها الدم من البطين الأيمن إلى الرّئة عبر شريانٍ كبيرٍ أيضاً يُسمّى الجذع الرّئوي ليصبح غنياً بالأوكسجين مرّةً أخرى، ثمّ يعود إلى القلب الأيسر لاستكمال دورته عبر الجسم.
الأمراض الخلقيّة القلبيّة المؤثّرة في مسير الدم من القلب إلى الرّئتين تجعل الدم أقلّ إشباعاً بالأوكسجين؛ ونتيجةً لذلك تُسبب الزُّرقة.
الآفة القلبيّة الأكثر شيوعاً والتي تتظاهر بالزُّرقة مباشرةً في فترة الولادة هي: تبادل منشأ الأوعية الكبيرة (Transposition of the Great Arteries) أو اختصاراً (TGA)؛ إذ يحدث في هذا التّشوّه تبادل في منشأ الأوعية الرئيسيّة الخارجة من البطينات وهي الشريان الأبهر والشريان الرّئوي، فيكون الأبهر فيه متصلاً بالبطين الأيمن بدلاً من الأيسر، ويكون الشريان الرّئوي بدوره متصلاً بالبطين الأيسر بدلاً من الأيمن. وتظهر أعراض هذا التّشوّه بتلوّن الشّفاه والجلد والأظافر بلونٍ أزرق وبصعوبة إطعام الطفل مع تسرّعٍ في التّنفّس.
يحتاج الطفل في هذه الحالة إلى تدخلٍ سريعٍ في خلال بِضع ساعاتٍ من الولادة فيما يُقارب ثلث الحالات؛ إذ تكون مستويات الأكسجة لديهم منخفضة جداً. أيضاً يحتاج جميع الأطفال المولودين بتبادل منشأ الأوعية الكبيرة إلى عمل جراحي لإصلاح هذا التشوه، وعادة ما تجرى هذه العملية في خلال الأيام التالية للولادة. فبدون إجراء الإصلاح الجراحي، لن يتمكن معظم هؤلاء المرضى من تجاوز عامهم الأول.
من الأسباب الأخرى التي قد تسبب الزُّرقة: تشوّهٌ يُدعى رتق مثلث الشّرف (Tricuspid atresia)؛ وهو تشوّهٌ قلبيٌّ يُوجد عند الولادة، ويحدث بسبب رتقٍ في منطقة الدسّام (مثلث الشّرف) الذي يسمح بمرور الدم من الحجرة العلويّة اليُمنى إلى القلب (الأُذينة اليُمنى) إلى البطين الأيمن، ونتيجة هذا الانسداد لا يتدفّق الدم إلى البطين الأيمن -الذي يضخُّ الدم إلى الرّئتين- وبذلك لا يتطوّر البطين الأيمن؛ إذ يعاني المصابون بهذا التّشوّه صعوبةً في التّنفّس، إضافةً إلى التّعب السّريع وخاصّةً عند الأكل، وبطءٍ في النّمو وضعفٍ في اكتساب الوزن.
وهناك تشوّهٌ آخر يُعدُّ من أكثر التّشوّهات القلبيّة المزرقّة شيوعاً، لكن قد لا يتظاهر بزرقةٍ عند الولادة مباشرة؛ بل قد تتأخّر مظاهر الزُّرقة في الظهور، ويُسمّى رباعي فالوت (Tetralogy of Fallot)، وقد سُمّيُ بهذا الاسم لأنّه يَضمُّ أربع آفاتٍ مجتمعةٍ تُصيب بنيةَ القلب. ونتيجةً لهذه الآفات ينتقل الدم القليلُ الأوكسجين من البطين الأيمن إلى الأيسر عبر فتحةٍ في الحاجز بينهما لينتقل الدم القليل الأكسجة إلى باقي الجسم عبر الشّريان الأبهر.
عادةً ما يُشخَّصُ هذا التّشوّه في سِنّ الرّضاعة، لكن في الحالات الخفيفة قد لا يُكتشف إلا بعد فترةٍ طويلةٍ من الحياة، وهذا يعتمد على شدّة الآفّة والأعراض السّريريّة. وفي حال التّشخيص المبكّر الملحق بعلاجٍ جراحيٍّ مناسب يعيش معظم الأطفال والبالغين المصابين برباعي فالوت حياةً طبيعيةً نسبيّاً، ولكن بالطبع يحتاجون إلى المتابعة الطبيّة على نحوٍ منتظم في حياتهم.
لما كان من الممكن ألا يُكشَف بعد الولادة مباشرةً؛ فقد يُطوّر الطفل ازرقاقاً تالياً للولادة في حال تَرافُق هذا التّشوّه مع رتق الدسّام الرّئوي (انسداد مخرج الشّريان الرّئوي).
ما الحالات الطبّيّة التي قد تزيد احتمالية حدوث التّشوّهات القلبيّة؟
إنّ تعرّض الأمّ للمواد الكيماويّة أو إصابتها بعدوى الحصبة الألمانية في فترة الحمل يزيد من فرص حدوث التّشوّهات القلبيّة. كذلك عدم ضبط سُكّر الدم لأمٍّ مصابةٍ بالسّكريّ في خلال الحمل أو تعاطي المخدرات وبعض الأدوية في الحمل؛ كلُّ هذه العوامل تزيد من فرص حدوث التّشوّهات.
إضافةً إلى بعض المتلازمات الجينيّة كمتلازمة داون والتّثلّت الصبغي 13 ومتلازمة تورنر إلخ…
العلاج:
إنّ العلاج المناسب لمعظم تشوّهات القلب هو الجراحة، وهناك أنماطٌ عديدةٌ من الجراحات حسب نوع التّشوّه الموجود. فقد تجرى الجراحة مباشرةً بعد الولادة أو قد تُؤخّر أشهراً أو حتى سنوات وفق شدّة الحالة. ويُمكن أن يُعطى الطفل بعض الأدوية كالأدوية التي تطرح السّوائل الزائدة، وأدوية تُساعد القلب على ضخّ الدم على نحوٍ أقوى، وأدوية تُبقي أوعيةً قلبيّةً محدّدةً مفتوحة، وأدوية تُعالج اضطرابات النّظم القلبي التي تحدث.
ثمّ إنّ معدل بقاء الطفل المصاب بأمراض القلب الخلقيّة الحرجة على قيد الحياة مدّة سنةٍ بعد الولادة في تحسّنٍ مستمر؛ إذ تُقدّر نسبة الأطفال الذين يعيشون سنة بـ (75%)، ونسبة بقائهم على قيد الحياة مدة 18 سنة (69%). لكن يبقى الطفل معرضاً لخطر الإصابة بتأخّر النّمو وقصورِ القلب واضطراباتِ النّظم.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا
8- هنا