مراجعة الأقران- Peer review، الجزء الأول
البحث العلمي والمنهجية العلمية >>>> البحث العلمي
ويُعرَّف مفهوم مُراجعة الأقران بأنَّه عملية إخضاع أفكار المؤلف أو عمله البحثي أو الأكاديمي لتدقيق أقرانه من الخبراء في المجل نفسه أو نقدهم، ثمَّ إنها تعمل على تشجيع المؤلفين على تلبية المعايير العالية المستوى والمُصادَق عليها والتحكم في نشر البيانات البحثية، بغرض ضمان عدم انتشار المَزاعم غير المبررة أو التفسيرات غير المقبولة أو الآراء الشخصية دون مراجعة الخبراء (4).
تاريخ ظهور نظام مراجعة الأقران
طُوِّر مفهوم مراجعة الأقران قبل مدّةٍ طويلة من ظهور المجلات العلمية، ويُظَنَّ أنَّ العملية كانت تُتَّبع في تقييم الأعمال المكتوبة منذ أيام اليونانيين القُدماء، وقد أوردَ الوصف الأول لها طبيبٌ سوريٌّ يُدعى إسحاق بن علي الرحوي ( Ishaq bin Ali al-Rahwi) -الذي عاش في الفترة الممتدة بين 854-931 ميلادية- في كتابه "أخلاقيات الطبيب (Ethics of the Physician)"؛ إذ ذكر فيه أنَّ على الأطباء تدوين الملاحظات التي تصف الحالة الطبية لمرضاهم عند كل زيارة، من ثم تُفحَص الملاحظات -بعد العلاج- من قبل مجلس طبي محلي لتحديد مدى استيفاء الطبيب للمعايير المطلوبة للرعاية الطبية (4).
أتاحَ اختراعُ الطابعة في عام 1453م وصولَ الوثائق المكتوبة إلى العامَّة، فأصبح تنظيم جودتها أكثر أهمية و إلحاحًا، وفي عام 1620م؛ كتب فرانسيس بيكون (Francis Bacon) مؤلَّفه الفلسفي "الأُرغانو الجديد (Novum Organu)"، الذي كان له دورٌ فعالٌ في تشكيل المنهج العلمي، فقد وصف فيه ما أصبح يُعرَف في نهاية المطاف بأنَّه أول طريقة عالمية لإنتاج العلم الجديد وتقييمه (4).
بدأ نشر البحوث العلمية بأسلوب منهجي في عام 1665م، وتمثّلت أولى المجلات العلمية السباقة في مجلّتي (French Journal des sçavans) و(English Philosophical Transactions of the Royal Society)، ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتّى اتّسع نطاق تطبيق عملية مراجعة الأقران؛ إذ التزمت الجمعية الملكية لإدنبره (Royal Society of Edinburgh) بتطبيقها في الشكل الآتي: "تُوزَّع المذكرات المرسلة وفقًا للموضوع على أكثر الأعضاء خبرة ودراية به، ليكون تقرير هويتهم غيرَ معروف للمؤلف"، وقد نُشرت هذه الملاحظة في مقالاتها وملاحظاتها الطبية في عام 1731م، تلتها الجمعية الملكية في لندن (Royal Society of London)؛ إذ اعتمدت إجراءَها في عام 1752م وطورت "لجنة الأوراق- Committee on Papers" لمراجعة المخطوطات قبل نشرها في المعاملات الفلسفية (4).
ما فائدة مراجعة الأقران؟
تعد مرحلة مراجعة الأقران جزءًا لا يتجزأ من مراحل النشر العلمي، وأمّا المراجعون الأقران فهم خبراءُ يتطوعون بوقتهم للمساعدة على تحسين المخطوطات التي يراجعونها. ومع المرور في هذه المرحلة؛ تكتسب المخطوطات الميزات الآتية (2):
· قد يشير المُراجعون الأمهرُ إلى وجود ثغرات في الورقة البحثية؛ ما يتطلب مزيدًا من الشرح أو التجارِب.
· تُصبح قراءتها أكثر سهولة؛ فإذا كان من الصعب فهم بعض الفقرات يمكن للمراجعين اقتراح تغييرات مناسبة.
· تصبح أكثر فائدة؛ إذ ينظر المراجعون الأقران أيضًا في أهمية الورقة قيد الدراسة بالنسبة إلى الدارسين والمختصين الآخرين في المجال المعنيّ.
أنواع مراجعة الأقران:
إنَّ لمراجعة الأقران أنواعًا مُختلفة، لذلك؛ عليك التحقق من النوع المُتَّبَع في المجلة التي تعمل عليها حتى تكون على دراية بالقواعد المعنيَّة. ولكل نوعٍ مميزاته وعيوبه، وغالبًا ما يُتَّبع نوعٌ واحدٌ لدى الجهة المعنيَّة، لكنَّ هناك دعوة متزايدة نحو مزيد من الشفافية فيما يخصّ عملية مراجعة الأقران، وفي حال وجود أسئلة تتعلق بأنموذج المُراجعة المستعمَل في المجلة؛ يوصى عادةً بالرجوع إلى الصفحة الرئيسة للمجلة أو الاتصال بمكتب التحرير مباشرة (1).
مراجعةٌ مُفردةُ التعمية (Single-blind review):
في هذا النوع من المراجعة؛ يعرفُ المراجعون أسماء المؤلفين، لكن لا يعرف المؤلفون مَن راجَعَ المخطوطات الخاصة بهم إلا إذا اختار المُراجِع توقيع تقريرهم (2).
هذه هي الطريقة التقليدية للمراجعة وهي أكثر الأنواع شيوعًا (1)، وهناك بعض النقاط الواجب مراعاتُها فيما يتعلق بهذه المراجعة كما يأتي:
- يُسمح بإخفاء هوية المُراجِع بغية اتخاذ قرارات غير مُتحيزة؛ إذ لا يجب أن يتأثر المراجعون بالمؤلفين (1).
- قد يأخذ المؤلفون بالحسبان احتماليةَ تأخيرِ المراجعين للنشر، مما يعطي المراجعين فرصةً للنشر أولًا (1).
- قد يستفيد المراجعون من إخفاء هويتهم ليتمكنوا من التعليق على عمل المؤلف دون أخذ انتقادهم وقسوة صراحتهم على محمل الجد خارج الإطار (1).
مراجعةٌ مُزدوجة التعمية (Double-blind review)
يكون المُراجِع والمؤلف مجهولَين أحدهما إلى الآخر في هذا النوع، وتُدرج بعض مزاياها فيما يأتي:
- يحدّ إخفاء هوية المؤلف من تحيُّز المُراجِع، استنادًا إلى جنس المؤلف -على سبيل المثال- أو بلد المنشأ أو الحالة الأكاديمية أو تاريخ النشر السابق (1).
- تقييم المقالات التي كتبها مؤلفون مرموقون أو مشهورون على أساس المحتوى لا على أساس السمعة (1).
لكن؛ ضَعْ في حسبانك أنَّه على الرغم مما ذُكر؛ يمكن للمراجعين في كثير من الأحيان التعرُّف إلى المؤلف من خلال أسلوب الكتابة أو الموضوع أو الاستشهاد الذاتي أو أنماط الاقتباس أو عددٍ من منهجيات التنبؤ الأخرى، ومن الصعب للغاية الضمان الأكيد ألّا تُكشَفَ هوية المؤلف (1).
مراجعة ثلاثية التعمية (Triple-blind review)
في هذا النوع يكون المراجعون مجهولي الهوية للمؤلف الذي تكون هويته مجهولة أيضًا لكلٍّ من المُراجِعين والمحرر. وتُخفى هوية المقالات في مرحلة التقديم ويُتَعَامَل معها بتجريدٍ مُطلَق (1). ومع ذلك تجدر الإشارة إلى:
- التعقيداتِ الكبيرة التي تنطوي على إخفاء هوية المقالات والمؤلفين والمراجعين (1).
- كما هي الحال في المراجعة المزدوجة التعمية؛ لا تزال هناك إمكانية للمحرر و/ أو المراجعين أن يتعرَّفوا هوية المؤلف على نحوٍ صحيح (1).
مراجعة مفتوحة (Open review)
وهنا يعرف المؤلفون هوية المُراجِعين، ويعرف المراجعون هوية المؤلفين. وإذا قُبِلت المخطوطة تُرفق المقالة بأسماء المراجعين، وعليها العديد من الانتقادات(2).
وقد كان هذا أكثر التعريفات شيوعًا للمراجعة المفتوحة، وتوجد بعض الأنواع الأخرى من مراجعة النظراء المفتوحة كما يأتي (1):
- نشر أسماء المراجعين على صفحة المقالة.
- نشر تقارير مراجعة الأقران إلى جانب المقالة، سواء أكانت موقعة أم مجهولة.
- نشر تقارير مراجعة الأقران (موقّعة أو مجهولة المصدر) مع ردود المؤلفين والمحررين إلى جانب المقالة.
- نشر الورقة بعد فحص سريع، وفتح منتدى نقاش للمجتمع الذي يمكنه التعليق (مُسمَّى أو مجهول).
يظن كثيرٌ من الأكاديميين أنَّ هذه هي أفضل طريقة لمنع التعليقات الخبيثة، ووقف الانتحال، وتشجيع المراجعة المفتوحة والصادقة، في حين يرى آخرون أنَّها عملية أقلُّ صدقًا، وقد يؤدي فيها الأدب أو الخوف من الانتقام بالمراجِع إلى تخفيف حدة الانتقادات (1).
المراجعة الشفافة (Transparent peer review)
يعرف المراجعون أسماءَ المؤلفين؛ لكن لا يعرف المؤلفون من راجع المخطوطة، إلا إذا اختار المراجع توقيع التقرير. وإذا قُبِلت المخطوطة تُرفَق تقارير المُراجِعين غير المُحددي الهوية مع المقالة المنشورة (1).
ما دوافع الخُبراء لإجراء المُراجعة؟
عادة؛ لا يتقاضى الحكام أجرًا مقابل خدماتهم في المراجعة على الرغم من تطلُّبِ العملية جهدًا كبيرًا، لذلك من الوارد أن تتساءل عمّا يدفع بالخبراء إلى مراجعة الأعمال الأكاديمية والبحثية مجانًا!
يشعر بعضهم بواجب أكاديمي يحثُّهم على إجراء المراجعات، ثم إنْ كنت تنتظر أن يُراجَع عملك الأكاديمي أو البحثي فمن المنطقي أن تُراجِع بدورك أعمال أقرانك من الباحثين، وقد يكون للمراجعين اتصالٌ شخصي مع المحررين أيضًا ويرغبون في مساعدتهم قدر الإمكان (4).
ولمَّا كانت قراءة الأوراق العلمية الجديدة وسيلةً فعالةً لمواكبة آخر التطورات في المجال، يرى بعض الباحثين أنَّ للإسهام في المراجعة دورًا في تحقيق ذلك، ويجد بعض العلماء في مراجعة الأقران فرصةً للمضيّ قدمًا في أبحاثهم الخاصة؛ نظرًا لكونها تحفز إنتاجَ فِكَرٍ جديدة وتتيح لهم القراءة عن أحدث التقنيات التجريبية (4).
وإضافةً إلى ما تقدّم؛ يحرص بعض الباحثين على توطيد علاقات جيدة مع المجلات المُحكَّمة والمحررين المرموقين ليصبحوا جزءًا من مجتمعهم، أملًا في تعيينهم مُحررينَ في المجلة إذا أظهروا تفانيًا في العمل. ويرى آخرون أنَّ مراجعة الأقران فرصةٌ لتعرّفِ أحدث الأبحاث قبل غيرهم، وبذلك يكونون هم السابقين في تطوير رؤى جديدة من المادة قيد المُراجعة (4).
وتُسهِم مراجعة الأقران في التطور المهني والوظيفي للباحث أيضًا، فغالبًا ما يُشير إليها في سيرته الذاتية؛ نظرًا إلى أن العديد من المؤسسات تنظر في مشاركات الباحث في المراجعات عند تقييم أدائِه بغرض الترقية (4).
ما المدة التي تستغرقها مراجعة ورقة واحدة؟
يختلف هذا الرقم اختلافًا كبيرًا وفق اختلاف محتوى الورقة وطبيعة المُراجِع، وقد كانت نتيجة استطلاع الرأي "Sense About Science" أنَّ واحدًا من بين كل 100 مشارك احتجَّ على أنَّ مراجعة ورقته الأخيرة استغرقَ أكثر من 100 ساعة. ويُعرِب ثلث المُشاركين عن سعادتهم بمراجعة ما يصل إلى خمس أوراق في السنة، في حين يسعد ثلثٌ آخرون بمراجعة ما يصل إلى عشر ورقات. ثمَّ إنَّ الأكاديميين يرفضون -في المتوسط- ورقتَين كل عام؛ وذلك لأنها في الأساس خارج مجال خبرتهم، إضافة إلى أنَّ عبء العمل هو سبب آخر كثيرًا ما يُبرَّر به (5).
كيف تُحدد خضوعَ منشورات مجلة لمُراجعة الأقران؟
(Ulrichsweb)؛ دليلٌ يوفر معلومات عن أكثر من 300000 دورية، متضمّنةً المعلومات المتعلقة بالمجلاتِ التي تمر منشوراتها بمرحلة مُراجعة الأقران. وتحتاجُ إلى تسجيل الدخول إلى النظام (هنا) باستعمال بريد إلكتروني مؤسساتي (من جامعة على سبيل المثال)، إذ يمكنك إدخال مصطلحات البحث أو عناوين المجلات أو أرقام ISSN في شريط البحث. وتوفر قاعدة البيانات عنوان المجلة والناشر وبلد المنشأ، وتشير إلى ما إذا كانت المجلة ما زالت تنشر بنشاط. ويكشف رمزٌ صغيرٌ يشبه الكتاب الأسود (المسمَّى "مُحكَّم- refereed") أن منشورات المجلة تمر بمرحلة المراجعة.
المصادر: