نظرية الأرز - المحاصيل الزراعية والنفس البشرية
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
هل تختلف شخصيات الأفراد بحسب المحاصيل التي يزرعونها؟ لعل المثال الأقرب لمخيلتنا هو الاختلاف بين شخصيات سكان المدن و سكان الريف. ولكن هل سبق و فكرت بأثر المحاصيل التي يزرعها كل إقليم في طبائع أهله! المصدر: المصدر: هنا
هذا المقال يلقي الضوء على ما يدعى بـنظرية الأرز.
هل تختلف شخصيات الأفراد في الصين تبعاً للمناطق انتاج الرز و القمح؟
لطالما كان سكان الأقاليم الشمالية في الصين مختلفين عن سكان الجنوب. ولربما يعود السبب إلى الزراعة.
تعتبر الصين في عقول الكثيرين من الأمريكيين كيان مؤلف من١.٣ مليار شخص متماثلين فيما بينهم و مختلفين عن نظرائهم الأمريكيين.لكن توماس تالهلم يمتلك معلومات أكثر دقة.
ذهب تالهلم- طالب دكتوراه في علم النفس في جامعة فيرجينيا- إلى الصين للمرة الأولى في عام ٢٠٠٧. حيث عمل هناك كمدرس للغة الإنكليزية في مدينة قوانغتشو الجنوبية المزدهرة. كان أول ما لاحظه حينها هو وجود نفور واضح من المواجهة بين طلابه. يقول تالهلم: في إحدى زياراتي الأولى لمتحف ،أشارت أمينة المتحف إلى زميلي في الغرفة و قالت له أن لغته الصينية جيّدة. ثم أشارت إلي بعد ذلك و قالت أن لغتي الصينية أفضل.
لاحظ تالهلم بأن سكان بكين أكثر فظاظة كما وجد كذلك فروقات في اللهجة، وكان الخط الفاصل هو نهر اليانغتسى الذي يفصل بين شمال و جنوب الصين. إذ إن إحدى الكلمات تعني “يد” في المنطقة الواقعة شمال نهر اليانغتسى بينما تعني “ذراع” جنوبي النهر.
لم تكن هذه السمات الإقليمية مطلقة الدقة .فقد كان هناك شماليون ينفرون من الصراع وجنوبيين يميلون للصراخ بشكل شديد. ولكن يبدو أن الاختلافات كانت مشتركة بما فيه الكفاية بالنسبة لتالهلم بشكل جعلها جديرة بالاستكشاف.
اتضح بعد ذلك أن نهر اليانغتسى ليس مجرد فاصل بين شمال و جنوب الصين .فهو يمثل أيضاً الحدود الوعرة بين المناطق المنتجة للأرز تحت النهر والمناطق المنتجة للقمح فوقه. الاختلاف في الجهد المطلوب لزراعة القمح و الأرز جعل تالهلم يفكر بأنه السبب في الإختلاف بين طبائع أهل الشمال و الجنوب. حيث يتطلب إنتاج الأرز الكثير من التعاون و العمل المجهد و هو ما يمثل حوالي ضعف عدد ساعات العمل التي تتتطلبها زراعة القمح وحصاده. كما يزرع الأرز في معظمه في الأراضي المروية، الأمر الذي يتطلب تعاون جماعات لبناء القنوات والسدود ثم تتقاسم المياه بعدها. لذلك فإن زراعة الأرز توفر حافزا اقتصاديا للتعاون. على النقيض من ذلك فإن الشيء الوحيد الذي يحتاجه مزارعو القمح هو المطر، مما يسمح لهم بقدر أكبر من الاستقلال و الاستغناء عن التعاون.
أطلق تالهلم على تفسيره السابق لاختلاف طبائع شمال الصين عن جنوبه بنظرية الأرز. إذ تقدم هذه النظرية تفسيرا- ولو جزئيا- للاختلافات الشخصية بين شمال الصين وجنوبها و تعزيه إلى نوع الزراعة التي تمارس في تلك المناطق. وفي بحث علمي جديد نشر في عدد اليوم من مجلة العلوم ، يختبر تالهلم نظرية الأرز بتجربة ناجحة.
أجرى تالهلم و زملاؤه دراسات نفسية على 1162 طالب من طلاب الجامعات الصينية في الشمال والجنوب، وكذلك في البلدان التي تنتشر على حدود الخط الفاصل بين زراعة الأرز والقمح. أظهر سكان شمال الصين ميولا فردية وتحليلية عالية - بما يشبه الميول الغربية- في حين كان الجنوبيون أكثر تكافلا و ميلا لشمولية التفكير وأكثر ولاء لأصدقائهم.
كانت هناك محاولات سابقة لشرح الفروق النفسية داخل الصين . حيث تقول "فرضية الحداثة" بأنه كلما ازدادت المجتمعات ثراء ورأسمالية كلما تحولت إلى الفردية والتفكير التحليلي . ولكن ذلك ليس الحال في الصين أو حتى في كثير من المدن الصينية الجنوبية ومدن شرق آسيا مثل قوانغتشو التي شهدت تحرراً اقتصادياً في وقت أبكر من المدن الشمالية. ورغم ذلك فلا يزال الشماليون أكثر استقلالاً . و في محاولة أخرى لتفسير الفروقات النفسية داخل الصين،تقول نظرية "انتشار مسببات الأمراض" بأن ارتفاع معدلات انتشار الأمراض المعدية في بعض المناطق يجعل من الصعب التعامل مع الغرباء ، وهذا بدوره يمكن أن يجعل المنطقة أكثر انعزالية وأكثر تكافلية . إلا أن الدراسة التي قام بها تالهلم وجدت أن الطلاب الصينيين الذين يعيشون الى الجنوب مباشرة أو الى الشمال مباشرة من خط الفاصل بين زراعة الأرز والقمح يختلفون عن بعضهم البعض بنفس الدرجة التي يختلف بها طالب من أقصى الجنوب عن طالب أقصى الشمال. و أشارت الدراسة أيضاً بأن اليابان المنتجة للأرز حصلت على درجات مرتفعة ،و بشكل موحد، على مقياس التفكير الجمعي التكافلي ، على الرغم من أن كونها أكثر ثراء من معظم مناطق الصين.
لا تقدم نظرية الأرز تعليلا مضمونا. من شبه المؤكد أن أحد من طلاب الجامعات الصينية المشاركين في دراسة تالهلم لم يملك أي خبرة مباشرة في زراعة القمح أو الأرز، مما يثير تساؤلاً حول كيفية انتقال هذه القيم النفسية.
إن وتيرة التغيير الهائل في الصين الحديثة، التي تحولت من دولة شيوعية مغلقة إلى قوة رأسمالية عالمية في جيل واحد، تجعل من الصعب الوصول الى استنتاجات حقيقية عن المجتمع. يقع الاختبار الحقيقي لنظرية الأرز خارج آسيا ،لذلك يخطط تالهلم لدراسة غرب أفريقيا لاحقاً، لما لهذه القارة من تقاليد متميزة في زراعة الأرز .
لا شك بأن أثر الممارسات الزراعية على شخصيات مئات الملايين من الناس هو أمر لا يبعث بالطمأنينة. فنحن لسنا تمثيلاً لما اختار أسلافنا زراعته في أراضيهم . ولكن تالهلم يلاحظ أنه في الصين تعتبر الاختلافات النفسية تبعا للأقليم أمراً مفروغاً منه. يقول تالهلم : “إن الكلمة الصينية التي تعني 'شماليّ ' تعني حرفياً 'مباشر' أو ‘صاخب‘ .لكنهم لم يفكروا أبداً أن ذلك الاختلاف قد يرجع إلى زراعتهم للأرز أو القمح."
------
ما رأيك بنظرية الأرز؟ وهل تنطبق على بلدك؟
شاركنا وجهة نظرك بتعليق.