عن "أبجدية" ما قبل الحياة وأصل مادتنا الوراثية
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
وعلى الرغم ممَّا تقترحه هذه النظرية من أنَّ الـRNA أول مادة ناقلة للمعلومات الوراثية على الأرض؛ فإنَّ أدلةً أخرى تشير إلى احتمالية أنَّ الحياة قد بدأت بنظام وراثي ضمَّت أبجديته الحمضين النوويين DNA وRNA كليهما. (2)
وفي مقال نشره باحثون من معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية بألمانيا في مجلة Nature لعدد شهر حزيران/يونيو، وُضِّحت هذه الفرضية المحتملة لعمليات تشكُّل الحمضين النوويين DNA وRNA من "أبجدية" ضمَّت وحدات بناء مختلطة لكل منهما. (3)
وبتفصيل أكبر، فقد اقترح الباحثون عدة تفاعلات مُحرَّضةً بالأشعة فوق البنفسجية، وقد انطلقت هذه التفاعلات من مركب سيانيد الهيدروجين ومشتقاته (على أساس أنَّه كان متوافرًا بكثرة في بيئة الأرض البدائية)، أدت بنتيجتها إلى تشكيل اثنين من نكليوزيدات بناء الـRNA: اليوراسيل (U) والسيتيدين (C).
وبإعادة النظر إلى المركبات الوسيطة في سلسلة التفاعلات هذه (التي أدت إلى تشكيل كلٍّ من اليوراسيل والسيتيدين)، لاحظ الباحثون أنَّ اثنين من المركبات يمكن أن يتحولا إلى بيورينات مكونة للـDNA، وهما دي أوكسي أدينوزين (dA) ودي أوكسي إينوزين (dI)، مع ملاحظة أنَّ الأخير ليس موجودًا في الـDNA الحالي. (2، 3)
وبذلك شكَّلت هذه النكليوزيدات الأربعة U وC وdA وDi "أبجدية" قد تكون هي المرمِّزة لعالم الـDNA-RNA ما قبل الحيوي! (2)
وقد لوحظ تزامن وجود هذه المكونات الأربعة معًا؛ أي إنَّه تحت ظروف معينة لا يمكن أن يوجد أيٌّ من اليوراسيل أو السيتوزين دون طلائع المركبين الآخرين dA وdI.
وتطرقت الفرضية إلى جانب مميز آخر أيضًا؛ إذ نعلم أنَّ عديدًا من المركبات الحيوية توجد بشكل مصاوغات؛ (أي مركبات يمينية أو يسارية البنية الكيميائية)، وأنَّ النكليوتيدات الحديثة كلها لها الشكل المصاوغ نفسه؛ ممَّا أثار التساؤل دومًا عن كيفية تشكلها بالتصاوغ نفسه من مركبات سلائف من العالم ما قبل الحيوي لم تكن بنيتها موجَّهةً حتى.
ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ فرضية الباحثين هذه -بالتفاعلات المقترحة فيها- تدعم انتقائية عالية لكل المصاوغات الموجودة في البيولوجيا الحديثة؛ إذ اقترح الباحثون حدوث تفاعلات كيميائية محرضة بالأشعة فوق البنفسجية تخرِّب انتقائيًّا المركبات التي يرتبط فيها الأساس النكليوزيدي بالسكر في الاتجاه الخاطئ كلها، ليتبقى منها مركبات نظائر البيورينات الموجودة في البيولوجيا الحديثة فحسب. (3)
مع ملاحظة أنَّ الباحثين استندوا في هذه النظرية إلى تفاعلات وشروط بيئية معينة كانت موجودة على الأرض البدائية قبل الحياة كالحلمهة (أو التحلل المائي؛ إذ تقترح عديدٌ من النظريات أنَّ الأرض البدائية كانت مغمورة بالمياه) ووجود الأشعة فوق البنفسجية.
ولكن؛ نظرًا لعدم وجود "أحافير كيميائية" أو معلومات دقيقة عن كيمياء الأرض وبيئتها قبل مليارات السنين فمن الصعب التحديد والجزم بدقة أيَّة تفاعلات كيميائية قد حدثت فعلًا؛ أيُّها انتُقيت وأيُّها استُبعِدت تطوريًّا، وإن كانت الحياة قد تطورت حقًّا من الـRNA وحده أم من مزيج من الـRNA والـDNA.
المصادر: