سدُّ النهضة; ما زال الخلاف مستمرًّا
العمارة والتشييد >>>> التشييد
المراسلات المتبادلة التي حدثت بين حكومتي مصر وبريطانيا، والتي أقرَّت فيها بريطانيا حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وبأنَّ تقاسم الحصص المائية يجب أن يضمن حصول مصر على 48 مليار مترٍ مكعَّب من مياه النهر، أما السودان -التي كانت في فترة الانتداب البريطاني- فتحصل على 4 مليارات فقط، مع تجاهل حق إثيوبيا التي تمثِّل دولة المنبع لأكثر من (80%) من المياه الواردة إلى مصر، وقد أُلزِمت من قبل بريطانيا بعدم بناء أي سد على النهر. اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان المستقل والتي أُعيد التفاوض فيها بما يخصُّ اتفاق عام 1929؛ إذ زيدت حصص كلٍّ من البلدين بالنسبة نفسها غير المتوازنة مع تجاهل حقوق المنبع.
ويمكن لإثيوبيا استثمار مياه النيل الأزرق على نحوٍ كبير في مجالي توليد الطاقة الكهربائية والري، ممَّا سيحسن نموَّها الاقتصادي ويساهم في القضاء على المجاعة والفقر، وخصوصًا أنها لم تستفد من هذا المورد المائي الثمين من قبل في ظل الوضع السياسي والاقتصادي الهش الذي كانت تعاني منه، إضافةً إلى عدم توفُّر التمويل اللازم بتأثير معارضة دولة المصب الأساسية (مصر) لإنشاء مشاريع ضخمة في دولة المنبع (إثيوبيا)، لكنَّ هذه الظروف قد اختلفت الآن (2).
وقد بيَّنت العديد من الدراسات أنَّ بناء مثل هذا السد سيكون له آثار كبيرة تطال المياه السطحية والجوفية في مصر. لذا فمن المهم دراسة وتقييم الآثار المستقبلية للسد على مناسيب المياه السطحية والجوفية، وتغيُّر أنواع المحاصيل المزروعة، وملوحة التربة... إلخ. وقد بيَّنت إحدى الدراسات التي تناولت دراسة التأثيرات المتوقَّعة في دلتا النيل (3) أنَّ بناء السد سيؤثر بالفعل في الموارد المائية المصرية ممَّا سيؤدي إلى تأثُّر القطاع الزراعي، فسينخفض منسوب المياه السطحية وسيؤدي إلى انخفاض مناسيب المياه الجوفية – إذ تُعَدُّ المياه الجوفية المصدر الثاني للماء في مصر- وستزداد ملوحة التربة، وسيكون من الضروري دراسة تغيير الأنواع المزروعة الملائمة للظروف الجديدة (3). ويبين تحليل حالة لأحد الباحثين في جامعة عين شمس المصرية أنَّ تأثير ملء السد في المراحل الأولى لن يؤثِّر كثيرًا في مصر، وسيكون الخطر مرتبطًا بحالة ملء خزَّان السد بالكامل في أثناء فترات الجفاف الطويلة (4).
المفاوضات بين البلدان المتشاطئة قبل 2020 (5):
تستند مصر في أحقيتها بالحصة الأساسية من مياه النيل إلى ما يأتي:
في العقود اللاحقة رفضت كل من مصر والسودان التوقيع على أية اتفاقية قد تؤدي إلى تعديل الحصص المائية التي اتُّفِق عليها برعاية بريطانيا.
وفي عام 2010، أثار إعلان إثيوبيا عن خططها بإنشاء سدٍّ على النيل الأزرق قلق بلدان الحوز السفلي (مصر والسودان)، والتي استعانت بالخبراء لبيان أثر السد السلبي، ثمَّ توصَّلت الأطراف في العام 2015 إلى اتفاقٍ يضمن عدم إلحاق الضرر بأي بلدٍ من البلدان الثلاثة، ولكنَّه أغفل النقاط الخلافية الأساسية المتعلِّقة بزمن ملء السد وحالات الجفاف. أمَّا ما تبع ذلك (في العام 2020) فهو يتعلق على نحوٍ أساسي بالخلاف الذي يخصُّ ملء السد وسنوات الجفاف، وقد أعددنا مقالًا سابقاً يتناول السد والخلاف الذي يخصُّ زمن الملء، ويمكنكم الاطلاع على هذا المقال وفق الرابط الآتي: هنا
ملء السد في فترة الصيف من عام 2020:
بدأت إثيوبيا ملء خزان السد فعلًا مستفيدةً من الأمطار الغزيرة التي تهطل عادةً في فصل الصيف (4)؛ إذ ترى الحكومة الإثيوبية أنَّه لا بُدَّ من استغلال فترة الصيف للبدء بملء السد، وإلَّا فإن العملية ستُؤجَّل إلى سنةٍ أخرى. وعلى الرغم من فشل المفاوضات التي توسَّطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، اتُّفِق على بعض الأمور الخلافية المتعلِّقة بتشغيل السد برعاية الاتحاد الإفريقي. ويُفتَرضُ أن يبلغ حجم التخزين 18 مليار مترٍ مكعَّب بعد سنتين من الملء، ثمَّ ستخصِّص إثيوبيا قرابة 10 مليار متر مكعَّب من هذا الحجم سنويًّا لتشغيل محطَّةِ السد الكهرومائية، وذلك في حالة الظروف المناخية الطبيعية إلى الرطبة. أمَّا في حالة الجفاف فستمتدُّ فترة الملء حتى 7 سنوات. وإنَّ مناقشة الإجراءات الواجبة في حالة سنوات الجفاف ما تزال نقطة خلاف أساسية في المفاوضات الجارية (1).
وعلى الرغم من أنه لا يوجد تعريف متَّفق عليه لـ "الجفاف"، لكنَّ البلدان ذات الصلة اتفقَّت على أنَّ حالة الجفاف توافق انخفاض الحجم المائي لتدفُّق النهر إلى أقل من (35-40) مليار مترٍ مكعَّب. ويقتضي ذلك أن تقوم إثيوبيا بتحرير بعض الحجم التخزيني للسد إلى بلدان الحوز السفلي (مصر والسودان)، في حين تفضِّل إثيوبيا امتلاك المرونة الكافية لتحديد كمية المياه التي ستُحَرَّر في أثناء ظروف الجفاف، كونها تريد تقليل خطر وصول خزَّان السد إلى مستويات منخفضة، إضافةً إلى أنَّ امتلاك الخزان للمزيد من المياه يزيد قدرتها على تأمين المزيد من الطاقة (1).
وعلى الرغم من ذلك وبغض النظر عن عدد المفاوضات وجهود الوساطة الجارية، فمن أجلِ الوصول إلى حلٍّ دائم لهذه الخلافات المائية في حوض النيل وضمان استمرارية النيل الأزرق بتلبية الاحتياجات المائية على المدى الطويل، يجب أن تدخل مصر إصلاحات كبيرة لسياسات استخدام المياه؛ إذ اقترح الخبراء العديد من الخطوات التي يمكن أن تتَّخذها مصر لتحسين إدارة المياه للزراعة والاستهلاك المحلي، واقترح البعض إعادة استخدام المياه العادمة للري لزيادة الإمداد وتقليل التلوث في النيل وقنوات الري (5).
خاتمة:
ما يزال الخلاف قائمًا بين بلدان النيل الأزرق حول بناء سد النهضة الكبير الذي سينهض بالاقتصاد الإثيوبي، ولكن ربما سيسبِّب تدهورَ الاقتصاد المصري وسيؤثِّر في السودان، ولكنَّ التجارب المماثلة في هذا السياق تبيِّن أنَّ التفاوض سيِّدُ الموقف في ظل النتائج الكارثية التي قد تجلبها حربٌ حول المياه قد لا تُحمَد عقباها. يمكنك الاطلاع على إمكانية قيام حروب المياه عن طريق قراءة مقالنا وفق الرابط الآتي: هنا
المصادر:
2- Disputes over the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) | ECC Factbook [Internet]. ECC Library. 2015 [cited 2020 Aug 1]. Available from: هنا
3- Aziz SA، Zeleňáková M، Mésároš P، Purcz P، Abd-Elhamid H. Assessing the Potential Impacts of the Grand Ethiopian Renaissance Dam on Water Resources and Soil Salinity in the Nile Delta، Egypt. Sustainability. 2019 Jan;11(24):7050. [cited 2020 Aug 1]. Available from: هنا
4- SciDev.Net. Ethiopia dam filling impact ‘limited’ – if no drought [Internet]. SciDev.Net. [cited 2020 Aug 1]. Available from: هنا
5.- Egypt and Ethiopia: The Curse of the Nile | Wilson Center [Internet]. [cited 2020 Aug 1]. Available from: هنا