جدران الجليد في القطب الجنوبي تحمي المناخ
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
ولكون الجليد الداخلي في القطب الجنوبي يحوي كميات كبيرة من المياه التي يمكن أن ترفع مستوى سطح البحر العالمي عدة أمتار، ولأنه يمكن للمحيط تخزين حرارة أكثر بكثير من الجو، وكما تخزن أعماق البحار حول القارة القطبية الجنوبية طاقة حرارية تعادل تسخين الهواء فوق القارة بمقدار 400 درجة مئوية (3)؛ لذلك كان من الضروري إجراء دراسات جديدة لتفادي وقوع الكوارث في المستقبل، وهذا ما حفَّز على التركيز حديثاً على العمليات التي تتحكم بالنقل الحراري للمحيطات (عبر قاع البحر في الجرف القاري للقطب الجنوبي) نحو الجليد (2).
فقد أظهرت دراسةٌ جديدةٌ نُشرت في المجلة العلمية (Nature) أنَّ الجدران الثلجية المتجمدة ضرورية للمناخ كونها تمنع ارتفاع درجات حرارة المحيطات وذوبان جليد الأنهار المتجمدة (3)، وبذلك تؤدي الجروف الجليدية العائمة في القطب الجنوبي دوراً أساسياً في منع ارتفاع منسوب مياه البحر على نحو كارثي؛ وهذا ما أثبتته الدراسة (1).
ومن المعروف منذ فترة طويلة أن الجروف الجليدية العائمة تُنظِّم تدفقَ الجليد في القطب الجنوبي إلى المحيط، وأن ترقق هذه الجروف الجليدية يسرع عملية تدفق هذا الجليد إلى المحيط (1) وخصوصاً كونها تستجيب بسرعة لظاهرة الاحتباس الحراري في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، فخلال نصف القرن الماضي؛ ارتفع متوسط درجات حرارة الهواء بمقدار 2 إلى 4 درجات مئوية (4). وبذلك فإن التيارات المحيطية الدافئة في أعماق البحار المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية لديها القدرة على إحداث ارتفاعات في مستوى سطح البحر تبلغ عدة أمتار في حالة ملامستها الجروف الجليدية مسببة ذوبانها بسرعة أكبر (1). وفي حال ترقق الجليد؛ فإن المزيد من الحرارة المحيطية ستدخل وتذيب الجرف الجليدي الذي سيصبح أرقَّ وهكذا تتكرر العملية. وهذا الأمر مقلق لأن الجروف الجليدية آخذة في الترقق بالفعل بسبب الاحترار العالمي للهواء والمحيط (3).
لغز استقرار الجليد
يتحرك الجليد الداخلي للقطب الجنوبي تدريجياً نحو المحيط، وعلى الرغم من كون الجليد في غاية الأهمية؛ فإن استقراره لا يزال لغزاً، وكذلك السبب المحتمَل لذوبانه بسرعة أكبر (3). فقد كان استقرار الجليد أمراً متوقعاً منذ فترة طويلة وهو يُفسِّر سبب عدم حدوث ذوبان أكبر حتى الآن، إذ تمنع الجدران الجليدية كميات كبيرة من الماء الدافئ من ملامسة الجانب السفلي للجرف الجليدي (1).
تعرقل حافة الجليد مياه البحر الدافئة
تنتهي الأنهار الجليدية بحافة عمودية، وهي جدار من الجليد يمتد إلى عمق 300-400 متر في المحيط، حيث تتدفق مياه البحر الدافئة أسفل هذه الحافة نحو القارة والجليد العميق باتجاه الجنوب (3).
وللمرة الأولى تمكن العلماء من محاكاة هذه الظروف في بيئة مخبرية؛ إذ إن هذه المحاكاة -إضافة إلى جميع البيانات الميدانية المجموعة- ألقت ضوءاً جديداً على أهمية هذه الجدران الجليدية العائمة (1)، وبدراسة البيانات المقاسة من الأجهزة؛ وُجد أن تيارات المحيط محجوبة بحافة الجليد، وهذا يحدُّ من مدى وصول الماء الدافئ إلى القارة (3).
كذلك تشير النتائج إلى أن الجروف الجليدية العائمة تحمي جليد القاع المعرض للخطر عن طريق منع جزء كبير من التيارات المحيطية الدافئة من الوصول إلى التجويف (5).
وبذلك تمنع جدرانُ الجليد الواقعة على حافة الجروف الجليدية العائمة كثيراً من هذه التيارات الدافئة؛ وهذا ما يتسبَّب بدورانها وتدفقها مرة أخرى إلى البحر مع مرور كمية صغيرة فقط تحت الجرف الجليدي (1). وهكذا فإن قرابة ثلثي الطاقة الحرارية التي تنتقل نحو الجرف القاري من عمق البحر لا تصل أبداً إلى الجليد (3).
كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى أفضل تكهن؟
زودت نتائجُ هذه الدراسات الباحثين بفهم أكبر لكيفية عمل هذه المناطق الجليدية؛ فقد قيس النقلُ الحراري في المحيط وهو الذي يترافق مع ذوبان الجليد المقاس بالأقمار الصناعية (3).
وهذا يعني أن الأنهار الجليدية العائمة (واجهات الجليد على وجه الخصوص) هي المناطق الرئيسية التي يجب مراقبتها عن كثب. ففي حال اختفاء الجدران الجليدية، فإن مستويات أكبر بكثير من الطاقة الحرارية ستُطلَق نحو الجليد الموجود على الأرض (3).
ويعتقد الباحثون أن الدراسات قد وفرت لهم أدوات أفضل بكثير لتكون قادرة على التنبؤ بمستويات المياه في المستقبل وتوقُّع المناخ بدقة أكبر (3)، وخصوصاً بعد أن سُلِّط الضوءُ على أهمية هذه الجروف الجليدية العائمة ودورها في تنظيم تدفق الجليد من القارة القطبية الجنوبية، ولذلك نحن بحاجة ماسة إلى معرفة كيف يمكن أن يتغير ذلك في المستقبل (1).
فهل من المتوقع أن تتمكن هذه الجدران الجليدية من إنقاذ المناخ حقاً؟.. نأمل ذلك.
الجرف القاري: هو جزء من قاع المحيط الذي ينتمي إلى الصفائح التكتونية، يقع الجرف القاري على عمق 0-500 متر وينتهي بمنحدر قاري (3).
الجروف الجليدية: هي عبارة عن ألواح عائمة دائمة من الجليد تتصل بالكتلة الأرضية، وتعانق معظم الجروف الجليدية في العالم ساحلَ القارة القطبية الجنوبية، ويمكن أن تتكون الجروف الجليدية أيضاً أينما يتدفق الجليد من الأرض إلى مياه المحيط الباردة، متضمنة بعض الأنهار الجليدية في نصف الكرة الشمالي (6).
المصادر:
2. Darelius E, Fer I, Nicholls K. Observed vulnerability of Filchner-Ronne Ice Shelf to wind-driven inflow of warm deep water. Nature Communications. 2016 Aug 2;7:12300.
DOI: هنا
3. Antarctic ice walls protect the climate [Internet]. ScienceDaily. [cited 2020 May 29]. Available from: هنا
4. King JC, Comiso JC. The spatial coherence of interannual temperature variations in the Antarctic Peninsula. Geophysical Research Letters [Internet]. 2003 [cited 2020 May 29];30(2).Available From: هنا
5. Wåhlin AK, Steiger N, Darelius E, Assmann KM, Glessmer MS, Ha HK, et al. Ice front blocking of ocean heat transport to an Antarctic ice shelf. Nature. 2020 Feb;578(7796):568–71. هنا
6. Quick Facts on Ice Shelves | National Snow and Ice Data Center [Internet]. [cited 2020 May 29]. Available from: هنا