التعلّم عن بعد والتعليم الطبّيّ في ظلّ جائحة COVID-19؛ الجزء الثاني
صناعة الباحثين >>>> الجامعات والتعليم العالي
يُعَدُّ استخدام التعلُّم عن بعد في المجال الطبيّ ناجحًا عندما يلبّي احتياجات الطلاب، ويتماشى مع البرنامج والسياق المستخدَم ضمنه (1). وجد استقصاءٌ أجرته الجمعية الأمريكية لكليات الطب في العام (2017) أنّ طلاب الطب في المرحلة قبل السريرية يميلون للمحاضرات المسجلة مسبقًا لشعورهم بأنها أكثر كفاءة من حضور المحاضرات شخصيًّا، مع تقييدات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، انتهت اللقاءات الشخصية للطلاب في مجموعات العمل الصغيرة والمخابر والمكتبات التي أُغلقت وأثّر ذلك في اكتساب الطلاب للخبرة وحُسْن تحضيرهم للمرحلة السريرية على نحوٍ مثيرٍ للقلق (2).
تتراوح تقنيات التعلّم الإلكتروني المستخدمة؛ بدءًا بالأجهزة اللوحية وتطبيقات الهواتف الذكية وصولًا إلى القطع التشريحية الثلاثية الأبعاد، وكان أداؤهم أفضل مع أنظمة الوسائط الرقمية لأنهم استخدموا أساليب فعّالة لإيصال أفكارهم بما يتماشى مع المواقف الجديدة. ومع ذلك؛ لاحظ الباحثون الدور الكبير للفروق الفردية في فعالية هذا النظام، وأشارت الدراسات على نحوٍ متكرر أنّ دور هذه الأدوات مكمّل في عملية التعليم والتعلّم وليست بديلًا عن دور المعلم في هذا السياق (1).
أما بالنسبة لطلاب المرحلة السريرية؛ فتعلّم الطب بشكله الصحيح يحدث بجانب أسرّة المرضى وليس ضمن القاعات الدرسية، إذ ينضم الطلاب في أثناء هذه السنوات إلى فرق متعددة التخصصات ليطبقوا المهارات السريرية المكتسبة حديثًا، في حين يرون مباشرة كيفية عمل نظام الرعاية الصحية، وهذا ما يساعدهم على تحديد تخصصهم النهائي في المرحلة اللاحقة. لذا يرى البعض أن الإجراءات المتخذة بعزل الطلاب في هذه المرحلة تقلّل من خبرتهم الطبية وتهمّش الأفراد الراغبين في تقديم الرعاية الصحية، على الرغم من اقتراح تجارب سريرية اختيارية، فهي قد تكون غير عادلة لأولئك الذين لا يختارون المشاركة (2).
وعلى الرغم من ذلك؛ أظهر النظام التعليمي عن بعد كفاءة في استمرارية العملية التعليمية بظلّ الوباء في عديد من البلدان، مثل البرازيل البلد ذي المساحة الكبيرة، وثبت أنها وسيلة فعالة لنشر المعرفة في عديد من القطاعات التعليمية (1). ومثالٌ آخر على ذلك هو إجراء تجربة لدورة اختيارية في علم الأشعة التشخيصي لطلاب طب في المرحلة السريرية المبكرة في كلية الطب في جامعة (Johns Hopkins) الأمريكية، اختُصرت الدورة إلى مدة أسبوعين مقابل 4.5 أسبوعًا في الدورة الحضورية التقليدية بعد مراجعته وإعادة هيكلة محتواه. استُخدمت منصة Zoom المدعومة رسميًّا من قبل الجامعة و(Microsoft Teams) لإعطاء المحاضرات وسجّل بعض الأساتذة محاضراتهم مسبقًا، وعقدت عديد من ورش العمل التفاعلية في الجلسات. إضافة إلى إجراء سلسلة استطلاعات إلكترونية عن طريق نماذج غوغل (Google Forms) لتقييم تذكُّر الطلاب للمحاضرة. وأما بالنسبة للاختبارات؛ فقد قدمت عبر موقع (Blackboard) مع مراعاة الظروف الجديدة واتباع نظام الكتاب المفتوح (open book). ولوحظت زيادة تُقدَّر بعشرة أضعاف في عدد الطلاب المسجلين للمواد الاختيارية، وأعرب الطلاب عن امتنانهم لفرصة التعلُّم عن بعد إذ يرون أنها ساعدتهم على الحفاظ على حسهم الاجتماعي بتواصلهم اليومي مع زملائهم في الحفاظ على صحتهم العقلية. وقد أبدى المدرسون رضاهم عن هذه الآلية وأكدوا على امتلاكهم الأدوات والموارد اللازمة لتحويل محاضرتهم التقليدية إلى التنسيق افتراضي. وبذلك ثبت لهم أنّ علم الأشعة مناسب للتعلم عن بعد عند توفُّر الأدوات الصحيحة (3).
وقد تناولت إحدى الدراسات استخدام تقنيات التعلُّم عن بعد في مجال علم الخلية (cytology)؛ باستخدام منصة (Zoom) لإعطاء المحاضرات عن بعد، ومنصة (Canvas) لعرض المحاضرات وإجراء الامتحانات، إضافة إلى تطبيق مفهوم التقييم السريع من الموقع (ROSE)؛ عن طريق ربط الجهاز المحمول بالمجهر لنقل فيديو مباشر للطلاب عن الساحة المجهرية المدروسة. ورأى الطلاب المشاركون أنّ هذه التجربة إيجابية وعبّروا عن رغبتهم في استمرار هذه الطريقة في التدريس حتى بعد العودة إلى نظام التعليم التقليدي في الفصل، وتُعَدُّ هذه الطريقة معقولة التكلفة ويمكن تطبيقها بسرعة في معظم البرامج التعليمية لعلم الخلية (4).
وفي دراسة سعودية عن مدى تقبُّل طلاب الطب في جامعة الملك عبد العزيز في جدّة للتعلُّم عن بعد، كانت منصّتا (Blackboard) و(Zoom) الأكثر تفضيلًا. ورأى نصف الطلاب أنّ التعلُّم عن بعد أقل فعاليةً من التعلُّم بالحضور الشخصي. وأحرزت الطالبات الإناث درجاتٍ أعلى بوضوح من الطلاب الذكور. ورأى معظم الطلاب أنّه من أهم العوامل المؤثرة في جودة التعلُّم ع بعد المهارات التعليمية للمدرّسين، والمحتوى التعليمي، والتفاعل وأنظمة إدارة التعليم (5).
وفي البرازيل ما يزال النقاش قائمًا عن عدم استخدام التعلُّم عن بعد في مرحلة الدراسة الجامعية للمجالات الطبية، على الرغم من أنّ الكثير من الدراسات أظهرت نجاحه ضمن المقررات النظرية والعملية والجراحية على حدّ سواء، عند استخدامه رافدًا ومتممًا للعملية التعليمية وليس بديلًا عنها (1).
فهل لديك تجربة مع التعلُّم عن بعد في إحدى الفروع الطبية؟ وهل ترى أنّها قد تكون طريقة ناجحة لتأهيل كوادر طبية ذات كفاءة عالية؟
للاطلاع على مقالنا السابق عن التعلُّم عن بعد يمكن الضغط على الرابط هنا.
المصادر:
2- Hilburg R, Patel N, Ambruso S, Biewald M, Farouk S. Medical Education During the Coronavirus Disease-2019 Pandemic: Learning From a Distance. Advances in Chronic Kidney Disease [Internet]. 2020 [cited 17 January 2021];27(5):412-417. Available from: هنا
3- Gomez E, Azadi J, Magid D. Innovation Born in Isolation: Rapid Transformation of an In-Person Medical Student Radiology Elective to a Remote Learning Experience During the COVID-19 Pandemic. Academic Radiology [Internet]. 2020 [cited 17 January 2021];27(9):1285-1290. Available from: هنا
4- Chiou P. Learning cytology in times of pandemic: an educational institutional experience with remote teaching. Journal of the American Society of Cytopathology [Internet]. 2020 [cited 17 January 2021];9(6):579-585. Available from: هنا
5- Ibrahim N, Al Raddadi R, AlDarmasi M, Al Ghamdi A, Gaddoury M, AlBar H et al. Medical students’ acceptance and perceptions of e-learning during the Covid-19 closure time in King Abdulaziz University, Jeddah. Journal of Infection and Public Health [Internet]. 2021 [cited 28 January 2021];14(1):17-23. Available from: هنا