مراجعة رواية أطياف كاميليا؛ هل وجودك أو اختفاؤك يؤثر في الآخرين؟
كتاب >>>> روايات ومقالات
تدور أحداث هذه الرواية في مدينة (طنطا)، طنطا مدينة صغيرة قد تنتشر فيها أية قصة عن أي من ساكنيها بسرعة وسهولة كأية مدينة صغيرة أو قرية، فنرى انتشار قصة العمة (كاميليا) بعد اختفائها المفاجئ في المدينة كلها. تتمسك (كاميليا) الصغيرة بقصة مختلفة عن قصة اختفاء عمتها وتقول إنها رأتها أمامها تذوب وتختفي في المرآة، وعلى الرغم من كبر عمرها نسبيًّا فإنها تؤمن بذلك إيمانًا تامًّا وقت اختفاء العمّة.
كلما كبرت (كاميليا) أشبهت عمتها ملامحًا وطباعًا؛ ما جعل والدها يعاملها بقسوة خوفًا عليها من مصير عمتها المجهول لكنها لا تفهم ذلك فتزداد اغترابًا عن أسرتها ونفورًا منهم، فتلجأ إلى الشرفة التي احتوت المجلات التي كانت تكتب فيها عمتها، فتقرؤها مجددًا وتعثر على مذكرات عمتها بين تلك المجلات؛ ما يثير فضولها لتعرف أكثر عن عمتها صديقة طفولتها ومنقذتها من الموت.
كان التعمّق في قراءة مذكرات العمة يزيدها تعاطفًا معها، وكرهًا لأهلها؛ ويقع في رأيها أن أهلها السبب في اختفاء عمتها وتؤكد لها ذلك معرفتها القصة من وجهة نظر والديها.
تعرض الرواية في طيّاتها الجوانب النفسية لكل فرد من أفراد تلك الأسرة والحواجز التي بُنيت بينهم بسبب سوء التصرف أو سوء الفهم فيما بينهم.
فكما تعرّضت كاميليا الصغيرة لسوء معاملة من والدها لسبب لا تعلمه، تعرّض والدها لسوء معاملة من جدها تمثل في التفريق بينه وبين أخته من ناحية الامتيازات التي ينالها كل منهما، فكاميليا دائمًا مدللة، وهي أكثر مهارة وتحظى بمحبة أكثر من الجميع؛ ما يثير في نفسه بعض الغيرة من أخته بعد أن كانا صديقين.
ونرى من خلال الرواية صراع كل فرد في تلك الأسرة داخل عالمه الخاص، فالجد يشعر بعدم أهميته بعدما فقد ساقه في الحرب ويعوّض عن ذلك بتحكمه في ابنه مرة وفي معاكسته للبائعات في السوق مرة أخرى، والوالد غارق في البحث عن أخته المختفية ويلازمه شعور بالذنب لأنه سبب من أسباب اختفائها، ثم يسلّم بموتها ويبحث عن جثتها، ويغرق في الخوف على ابنته من مصير عمتها كلما رأى شَبَهًا بينهما، والوالدة التي تشعُر بانعدام أية أهمية لوجودها في حياتهم، فلا دور لها سوى الخدمة، فنراها غارقة في الأعمال المنزلية لا تتحدث مع بناتها إلا فيما يخص دراستهما أو المساعدة في شؤون المنزل. كل تلك العوامل جعلت كاميليا الصغيرة تتقوقع داخل عالمها المتمثل في مذكرات عمتها أكثر فأكثر، وتتصرف بحماقة المراهقة أكثر فأكثر، فتتغيب عن دروسها مرة وتسافر إلى مدينةٍ ما مرة أخرى، وتستمر على هذه الحال إلى إن تتعرض لبعض المواقف التي تعرِّفها وتفهِّمها أن كل تلك الحماقات تضرها وتؤثر في مستقبلها الدراسي وحياتها كلها.
تعطي الكاتبة نورا لشخصيات روايتها الصفات البشرية من خير وشر لا تجد أحدًا منهم يتصف بالملائكية، ومع ذلك فالقارئ لا يكره أيًّا منهم لكن قد يكره تصرفًا ما حينًا وقد يتعاطف مع آخر أحيانًا أخرى. تعرض الكاتبة نظرة المجتمع لأية امرأة قد تتصف تصرفاتها ببعض الجرأة والتحرر، وسلطة ذلك المجتمع في فرض القيود على حياتها؛ ما يحولها إلى نقيض ما كانت عليه من نشاط وحيوية فتذبل وتترك طموحها وحياتها مع أسرتها ومتعلقاتها الشخصية وتختفي بلا أثر وبلا ندم.
معلومات الكتاب:
المصادر: