لماذا تحدث الآثار الجانبية عندما نتوقعها؟!
الكيمياء والصيدلة >>>> الآثار الجانبية
إنّ الأدوية جميعها تسبب آثاراً جانبية، ولكن اتضح أن الدواء الوهمي/الغُفل (Placebo) يسببها أيضاً، وهذا أمر محير؛ لأن حبوب الدواء الوهمي عادة ما تكون مصنوعة من السكر أو بعض المواد الخاملة الأخرى، ما يعني -من الناحية النظرية- أنه ينبغي ألّا يكون لها أي تأثير بيولوجي! والأكثر إثارة للاهتمام؛ هو أن طبيعة الآثار الجانبية التي يسببها الدواء الوهمي تختلف باختلاف المادة الفعالة للدواء الجديد الذي يُختبَر مع الدواء الوهمي، فعلى سبيل المثال؛ في الدراسات التي قيَّمت فعالية مضادات الالتهابات اللاستيروئيدية (NSAIDs) كأدوية للصداع النصفي؛ اشتكى المرضى الذين تناولوا الدواء الغفل -في أغلب الأحيان- من غثيان وإقياء ومشكلات هضمية أخرى؛ وهي الآثار الجانبية ذاتها التي يمكن أن تحدث عند تناول مضادات الالتهابات اللاستيروئيدية!
وقد خَلُصَ تحليل آخر لتجارب مضبوطة بدواء غُفل إلى أن 23% من المرضى الذين تناولوا دواء وهميَّاً اشتكوا من آثار جانبية غير مريحة (1).
إنّ هذه التأثيرات هي دليل على وجود تأثير الـ (nocebo) وهو الجانب المظلم لتأثير الدواء الغُفل، وتعني كلمة (nocebo) في اللاتينية "سأؤذي"، بينما تعني كلمة (placebo) "سأُرضي"، وهكذا؛ فتأثير الـ (placebo) يمكن أن يعزز الشفاء أو يخفف الألم، في حين أن للـ (nocebo) تأثيراً معاكساً يسبب للمرضى شعوراً سيئاً (1).
ماهو تأثير الـ (nocebo)؟
تأثير الـ (nocebo) هو عكس تأثير الدواء الوهمي (placebo)؛ فهو يَصِفُ الحالة التي تحدث فيها نتيجة سلبية بسبب الاعتقاد بأن هذا العلاج سيسبب ضرراً، وهي ظاهرة تُنسى أحياناً في مجال سلامة الدواء.
ويشير بعض الخبراء إلى أن الـ (nocebo) قد يكون أكثر تأثيراً في النتائج السريرية من الـ (placebo)؛ إذ تتشكل التصورات السلبية بسرعة أكبر بكثير من تلك الإيجابية. وقد يؤدي الانتشار الواسع للمخاوف بشأن رد فعل عكسي لدواء ما إلى زيادة عدد التقارير عن هذا التفاعل؛ كما حصل في عام 2013 عندما سلَّطت وسائل الإعلام البريطانية الضوء على الآثار الضارة للستاتينات statins (أدوية خافضة للشحوم) بما فيها آلام العضلات بعد مقال نُشِر في مجلة "British Medical"، وفي غضون ستة أشهر من نشر القصة؛ توقف ما يقارب 200,000 مريض عن تناول الستاتينات، كان معظم هؤلاء قد أوقفوه بسبب ردود الفعل السلبية، وقد أُعزي هذا الحادث إلى تأثير الـ nocebo(2).
ويمكن أن يؤدي تأثير الـ (nocebo) دوراً في تجربة المرضى مع الأدوية المشابهة (الجنيسة generic) أيضاً، فقد تكون الشكوك الموجودة مسبقاً فيما يتعلق بالأدوية الجنيسة سبباً للآثار الجانبية التي يعانيها بعض المرضى عند التغيير من منتج مبتكر "يحمل علامة تجارية" إلى منتج جنيس، وقد أظهر تقرير فنلندي صدر عام 2015 أن قرابة ربع المرضى قد توقفوا عن تناول دواء مماثل حيوي مُعتمَد للـ (infliximab) بسبب قلة فعاليته أو زيادة آثاره الجانبية، وأظهرت دراسات أخرى أن تصور التكلفة (الاعتقاد بأن الأدوية الجنيسة أقل تكلفة ما يعني أنها أقل فعالية) يمكن أن يزيد تأثير الـ (nocebo) (2).
ولكن ما هو التفسير العلمي لهذه الحوادث؟
تساهم عوامل عدة في تأثير الـ (nocebo):
1- الحالة النفسية: يزيد القلق والاكتئاب وتَوَهُّم المرض من قابلية الإصابة بتأثير الـ (nocebo)؛ إذ تقترح إحدى النظريات أنّ هذه الحالات النفسية قد تسبب الجَسدَنة (somatization)؛ أي التعبير عن الاضطرابات العاطفية على هيئة أعراض جسدية (1).
2- التكيُّف: إذا اختبر المرضى تجربة سلبية أو ظهرت عليهم آثار جانبية في السابق؛ فمن المحتمل أن يُظهروا الاستجابة السابقة ذاتها مرة أخرى بتحريض من مشاهد أو أصوات أو إشارات أخرى مرتبطة بهذا العلاج؛ على سبيل المثال؛ يشعر واحد من كل ثلاثة مرضى بالغثيان أو يتقيأ عند دخوله غرفة تلقى فيها العلاج الكيميائي مؤخراً (1).
3- السياق: يمكن أن يكون للأدوية والعلاجات التي تمتلك خصائص رمزية (مثل لون معين) تأثيرات الـ (nocebo)؛ فقد وجدت الدراسات أن المشاركين الذين يتناولون حبوب دواء وهمي زرقاء اللون يزيد لديهم احتمال التعبير عن الشعور بالنعاس بعد أخذهم الدواء أكثر من أولئك الذين يتناولون حبوباً وردية؛ إذ ترتبط بعض الألوان مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر بالتحفيز، على عكس الأزرق والأخضر اللذين يوحيان بالهدوء (1).
4- انتقاء الكلمات: يمكن للكلمات التي يستخدمها الطبيب لوصف الآثار الجانبية المحتملة للعلاج، أو النماذج المُستخدمة لتقديم الموافقة المستنيرة أن تُعطي توقعات عن النتائج؛ فقد أُدرِج في أحد نماذج الموافقة المستنيرة في دراسة عن استخدام الأسبرين للذبحة الصدرية غير المستقرة جملة "تهيُّج الجهاز الهضمي" كأثر جانبي محتمل، وكانت النتيجة أن المرضى الذين وقعوا على هذه الاستمارة تحديداً كانوا أكثر عرضةً لهذا الأثر، حتى أنّ بعضهم انسحب من الدراسة نتيجة لذلك (1)!
ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟
يبدو أنّ بعض المرضى أكثر عرضة للإصابة بتأثيرات الـ (nocebo)؛ فقد يحتاج مرضى القلق والاكتئاب وذوي النظرة المتشائمة إلى مزيد من المشورة الدقيقة لتجنب البدء غير المقصود لتأثير الـ (nocebo)، ويمكن تقليل مخاطره عن طريق:
1- ضمان توازن جيد في شرح كلٍ من الآثار الإيجابية والسلبية للعلاج، والتأكّد من فهم المريض للأساس المنطقي للعلاج.
2- قد يساعد تأطير الآثار الضارة للدواء مساعدة إيجابية في تقليل تأثير الـ (nocebo)؛ فمثلاً يمكن القول: "يلاحظ معظم الأشخاص الذين يستخدمون العلامة التجارية الجنيسة X عدم وجود اختلاف عن العلامة التجارية المبتكرة Yباستثناء عدد قليل من المرضى الذين يجدون فرقاً بالفعالية بين العلامتين".
3- يمكن -أيضاً- توفير معلومات للمرضى عن الآثار الضارة للدواء في سياق المعالجة، والتأكد من فهمهم لها (2).
لا يزال لدينا الكثير من التساؤلات!
تشكل استجابات الدواء الغُفل (placebo) والغُفل الضائر (nocebo) تحديَّاً، وهي مبهرة ومربكة في آن معاً؛ فهي تعد ظواهر اجتماعية وثقافية ونفسية بيولوجية يمكن أن تغير نتيجة العلاج الكُلي تغيراً ملحوظاً، فضلاً عن أنَّ ظاهرة بلاسيبو-نوسيبو تمثل نموذجاً جيداً لفهم دور سياق العلاج فهماً أفضل، وكيف تؤثر الكلمات والمؤشرات والرموز والأيقونات في أدمغتنا (3).
وعلى الرغم من أنَ العديد من الأسئلة لا تزال قائمة فيما يتعلق بالآليات؛ فوجود تأثير الـ (nocebo) هو تذكير مهم بضرورة أخذ السياق الذي يُعالج به بالحسبان.
ومع استمرار البحث؛ فإنّنا نأمل أن يكون لدى الأطباء إرشادات أفضل فيما يتعلق بكيفية استدعاء (تحفيز) استجابة الدواء الغُفل وتجنّب ظهور تأثير الغُفل الضائر؛ لضمان حصول المرضى على كل فرصة ممكنة للشفاء وتخفيف الألم (1).
أخيراً؛ وعلى الرغم من وجود العديد من النظريات والبحوث المتنامية فيما يخص الاستجابة للعلاج الوهمي وتأثيراته الضائرة، فإن تطبيق معرفتنا الحالية لخدمة الأبحاث الأساسية والتجارب والممارسات السريرية لا يزال نادراً جدَّاً (3).
المصادر: