الحلقة الخامسة- النسبية العامة2
الفيزياء والفلك >>>> النظريات الأساسية في الفيزياء
قرأنا في المقال السابق عن تكافؤ تأثيرات الجاذبية مع تأثيرات الحركة المتسارعة واستنتجنا من هذا التكافؤ بعض تأثيرات الجاذبية التي لم تكن معروفة سابقا مثل انحناء أشعة الضوء بسبب الكتلة الضخمة جدا كالنجوم او الأضخم كالمجرات. لنعد الأن إلى تجربتنا حيث يوجد شخصان في الغرفة التي تتحرك بحركة متسارعة في الفضاء نحو سقف الغرفة وبحيث يوجد على ارضها شخص يصدر اشارات ضوئية متتالية (نبضات) باتجاه الشخص الأخر الموجود على ارتفاع عدة أمتار. في الزمن الفاصل بين استقبال الشخص في الأعلى للنبضة الأولى والنبضة التالية ستزداد سرعة الغرفة وبالتالي ستتأخر النبضة التالية قليلا ، والتي بعدها قليلا وهكذا. وبالتالي فإن الشخص في الأعلى سيقيس ترددا (عدد النبضات في الثانية) أقل من التي يصدرها الشخص في الأسفل. وبسبب تكافؤ تأثيرات الحركة المتسارعة مع تأثير الجاذبية سنستنتج ان الجاذبية تقوم بنفس التأثير على النبضات الصادرة فإذا اصدر نجم بعيد ضوءا باتجاهنا ستتسبب جاذبيته في تخفيف تردد الضوء مما يجعل تردد الضوء يقترب من تردد الضوء الأحمر ( الأقل ترددا بين الوان الضوء المرئي) وتعرف هذه الظاهرة بالانحراف الثقالي نحو الأحمر. لنفترض الآن ان هذه النبضات هي تكات عقارب الساعة، فبالتالي سنرى هذه التكات ابطأ وكأن الشخص في الأعلى يرى الزمن عند الشخص في الأسفل يمر ابطأ وبالتالي بحسب مبدأ التكافؤ أيضا فالجاذبية لها نفس التأثير على مرور الزمن . فكلما ازداد حقل الجاذبية اصبح الزمن يمر ابطأ. وندعو ذلك تباطئ الزمن الثقالي. بعد عدة محاولات لسنوات متعددة تمكن اينشتاين في النهاية من صياغة مجموعة معادلاته للحقل وهي مجموعة من عشر معادلات غير خطية1 تصف تأثيرات الجاذبية كنتيجة لانحناء الزمكان بوجود الكتلة أو الطاقة حيث وجدنا أن الكتلة والطاقة متكافئتين كاحد نتائج مبدأ النسبية الخاصة. ونشر الصيغة النهائية لها في عام 1915 .
إن كل ما سبق ليس أكثر من نظرية جميلة الصياغة ومتناسقة ، ولكن الفيزياء والمنهجية العلمية لا تعمل بهذا الشكل. فكل نظرية يجب أن تستطيع تفسير الظواهر القديمة وتتنبأ بظواهر جديدة يمكن رصدها لكي يتم قبول النظرية. ولذلك بقيت النسبية العامة بانتظار التحقق منها. وفي عام 1919 قاد الفيزيائي الانكليزي ادينغتون بعثة علمية للتحقق من تنبؤ النظرية بأن الشمس تحرف ضوء النجوم التي خلفها وذلك خلال قياس مواقع النجوم خلال كسوف الشمس. وهنا كان النجاح الساحق للنظرية باتفاق النتائج التجريبية مع القيم المتوقعة نظريا .كما تنبأت النظرية بشذوذات بسيطة في حركة عطارد بشكل خاص وهو ما تم التحقق منه.وجرى التحقق من بقية الظواهر كالتباطئ الزمني الثقالي والانزياح نحو الأحمر وكانت النتائج متفقة مع النظرية. كما تتنبأ النظرية بوجود امواج تنتشر كاضطرابات في بنية الزمكان تدعى أمواجا تثاقلية. وقد رصدت عدة دلائل غير مباشرة سابقا على وجودها. وفي 17 آذار 2014 أعلن فريق تجربة BICEP2 اكتشافه لوجود إشارات في إشعاع الخلفية الكوني الميكروي تعطي دليلا قويا على وجود الأمواج الثقالية ولكن فريق تجربة بلانك وضح لاحقاً في أيلول من العام نفسه أن الغبار الموجود بين المجرات قد يكون مسؤولاً بشكل كبير عن هذه الإشارة وسيتضح ذلك أكثر بعد صدور التحليل المشترك من فريقي BICEP2و بلانك . تعتبر النسبية العامة نظرية كلاسيكية بمعنى أنها لا تأخذ بعين الاعتبار ما يسمى الطبيعة الكمومية لعالمنا والتي سنتعرف عليها في مقالنا القادم .ولكنها تعد اليوم النظرية الأبسط والأكثر قبولا لشرح منشأ قوة الجاذبية والتي تنسجم مع النتائج المرصودة. وهي الدعامة الأساسية في علم الكونيات حاليا والذي سنفرد له قسما في مقالاتنا القادمة لنعرف نتائج تطبيق النسبية العامة على مقياس الكون كاملا ونتعرف على مفاهيم هامة كالمادة المظلمة والطاقة المظلمة والانفجار الكبير والانتفاخ الكوني والعديد من المفاهيم التي ستتعرفون عليها معنا. 1- في المعادلات الخطية أي تغيير بسيط في أحد القيم يوافق تغييرا بسيطا في القيم الأخرى أما في المعادلات غير الخطية فأي تغيير بسيط في قيمة ما سينتج عنه تغييرات كبيرة متفاوتة في القيم الأخرى. تتميز هذه المعادلات بصعوبة حلها. مراجع للاستزادة: - النسبية وجذورها- بانيش هوفمان - موجز تاريخ الزمن- ستيفن هوكينغ مراجع متقدمة: - Spacetime and geometry: and Introduction to General Relativity- Sean Carol
إن حل هذه المعادلات من اجل حالات معينة هي مهمة صعبة وغير ممكنة في كثير من الأحيان حاليا.والحلول الموجودة تصف بعض الحالات البسيطة لعل اشهرها وأولها حل شوارتزشيلد الذي يصف حالة النجوم والكواكب بفرض ان دورانها حول نفسها معدوم او بطيئ نسبيا. وقد قدم كارل شوارتزشيلد صورة لوصف ما يحدث للأجسام الكبيرة الكتلة عندما تنكمش بسبب قوة الجاذبية فيما ندعوه "الانهيار الثقالي" حيث تصبح كثافتها عالية جدا وجاذبيتها شديدة وعندما يصبح قطرها اقل من حد معين يدعى "حد شوارتزشيلد" تصبح الجاذبية شديدة بحيث لا يمكن للضوء نفسه أن يهرب من هذا الجسم الذي ندعوه في هذه الحالة ثقبا أسود. حيث تتمثل هذه الثقوب السوداء في حل شوارتزشيلد بحالات كثافة لا نهائية ندعوها "متفردات".