كيف نخاطب أنفسنا؟ المونولوج الداخليّ
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
يتبع دماغنا آلية تربط ذاكرتنا الصوريّة بوظائفنا الإدراكية وتسمح لنا بسماع حديث داخلي مع أنفسنا دون أي إصدار صوتي.
يبدأ تشكل هذه الآلية في الطفولة قرابة عُمر السابعة، إذ يميل الأطفال في سن السابعة إلى خلق ترجمة لغوية لكل ظاهرة بصرية يرونها، أيّ أن أدمغتهم تشفر المرئيات إلى كلمات ومعارف.
لا تتضمن هذه الاستراتيجية التي يشار إليها بوصفها «تحت صوتية Subvocal» لفظًا حقيقيًّا للكلام، وتمثل نواة مونولوجنا الداخلي بعد البلوغ (1).
لا توجد حتى الآن نظرية مثبتة على وجود ارتباط بين الدارة اللغوية التي تولّد الكلام الخارجي ضمن الدماغ وآلية توليد المونولوج الداخلي، لكن حالة لرجل بالغ من العمر 54 سنة تذكُرُ فقدانه القدرة على خلق أي مونولوج داخلي مع نفسه بعد إصابته بشلل نصفي أيمن أدى إلى تعطل باحة دماغه الكلامية على الرغم من استعادته لاحقًا القدرة على القراءة (1).
ما شكل هذا الخطاب؟
يمكن للمونولوج الداخلي أن يأخذ شكل حديث تجربه مع نفسك، كأن تضع قائمة للأشياء داخل رأسك وتعيد تكرارها حتى لا تنساها.
أو شكل «أداء» كأن تراجع خطابًا تريد تقديمه، أو حديثًا تريد قوله.
أو أن تحل مشكلة ما ضمن نقاش مع نفسك.
حتى الأغاني التي تعلق داخل رأسك أو ترديد ما تقرؤه هو مونولوج داخلي (2).
هل نمتلكه جميعًا؟
إن لم تكن تستطيع سماع صوتك الداخلي، لا تخفْ، هناك كثير منّا يعجز عن ذلك، وهو لا يعني عدم قدرتك على توليد الأفكار.
يصدر دماغك إشارات تساعدك على تمييز التجربة الحسية التي تعايشها دون ترجمة هذه التجربة لغويًّا، وهذا هو عنصر الاختلاف بين الأفراد الذين يمتلكون مونولوجًا والذين لا يمتلكونه (2).
هل من الممكن أن يتداخل صوتنا الداخلي مع الأصوات الخارجية؟
تقترح النظريات وجود ما يسمى ب«التفريغ التلقائي»، يعزل التفريغ التلقائي الإشارات الحسية القادمة من المحيط، والإشارات الصادرة عن دماغنا فنتمكن من التوقف عن سماع صوتنا الداخلي حينما لا نرغب في ذلك (2،3).
ما أهمية المونولوج الداخلي؟ ولِمَ نفعله؟
اختبرت إحدى الدراسات دور اللغة التي يستخدمها الفرد لمخاطبة نفسه في أداء المهام المتعلقة بالتفكير المجرد والتخطيط واختبار الفرضيات ومراقبة الذات (4) لدى مجموعتين من المرضى، عانت الأولى ضعف القدرة اللغوية الناتجة عن سكتةٍ دماغية، والثانية من عيوب في النطق والسمع رغم سلامة الدماغ، كانت نتائج المجموعة التي لم تقدر على توليد أي مونولوج داخلي أسوأ سواء بوجود إعاقة سمعية لفظية أو بدونها، وكانت النتائج مشابهة عند إعادة التجربة مع أشخاص يعانون من العمه البصري (عدم القدرة على تفسير ما يرونه) (1).
كما ذكرت دراسة حالة أخرى إصابة امرأة بسكتة دماغية أدت إلى حبسة كلامية فقدت معها القدرة على توليد مونولوج داخلي ووصفت ذلك بوجود «صمتٍ مطبق داخل رأسها» (1).
تربط النتائج السابقة بين تدخل مونولوجنا الداخلي في أدائنا للمهام، وإدراكنا لذاتنا وقدرتنا على التصرف في الحاضر والمستقبل ووعينا تجاه المشكلات (1).
تختلف كثافة توليد المونولوج الداخلي من شخص لآخر، وعلى الرغم من أهميته فإنه يمكن أن يدخل في دوامة «الحديث السلبي مع الذات» (2)، إذ يُعد مزعجًا أن تمتلك صوتًا ينتقد باستمرار كل ما تفعله، ويخبرك أنك لست جيّدًا كفاية!
إذا واجهتك تلك المشكلة، ما عليك إلا أن تعاكس هذا الصوت السلبي بصوتٍ إيجابي كأن تذكّر نفسك على الدوام أنك «قادر على فعل ذلك» وأنك «جيد بما فيه الكفاية»، يبدو ذلك مضحكًا، ولكنه ينجح في كثير من الأوقات! (لقراءة مزيدًا عن الأفكار التلقائيّة هنا )
المصادر:
1. Alderson-Day B, Fernyhough C. Inner speech: Development, cognitive functions, phenomenology, and neurobiology. Psychological Bulletin. 2015;141(5):931-965. هنا
2. Internal Monologue: What It Is, What It Means, and More [Internet]. Healthline. 2020 [cited 18 March 2021]. Available from: هنا
3. Scott M. Corollary discharge provides the sensory content of inner speech. Psychological Science. 2013;24(9):1824-30. هنا
4. Barceló F. Does the Wisconsin Card Sorting Test measure prefontral function?. The Spanish Journal of Psychology. 2001;4(1):79-100. هنا