تحول الأرياف يهدد الحياة على كوكبنا
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الجغرافيا الريفية
يشير مفهوم تحول الأرياف (Rural transformation) إلى تحول الاقتصاد المعتمد على الزراعة والأنشطة الريفية إلى اقتصاد معتمد على الصناعة، ويساهم هذا التحول في عملية التحضر عن طريق الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية (1)، ويمكن أن يُعرَّف هذا المفهوم بأنه عملية تغير مجتمعي شاملة؛ إذ تبدأ المجتمعات الريفية بتنويع المصادر الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الزراعة، والاعتماد على التبادل التجاري مع المناطق الأبعد للحصول على السلع والخدمات المطلوبة، وتبدأ أيضًا بالتحول من قرى متفرقة إلى بلدات ومدن صغيرة وتصبح أكثر شبهًا بالتجمعات الحضرية الكبيرة. وتتلاشى في عملية التحول هذه الفروق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الريف والمناطق الحضرية، وتتداخل مع بعضها، وقد تظهر في القرى بعض المظاهر الريفية إلى جانب ميزات أخرى لم نعتد رؤيتها من قبل إلَّا في المناطق الحضرية (2).
فهل يمكن أن نطلق على هذه التحولات التي نشهدها "تحضر المناطق الريفية"؟
عند تناول مفهوم التحضر في المناطق الريفية؛ يجب أن ننظر إلى تحول هذه المناطق بوصفه جزءًا من التغيرات الهيكلية على المستوى الوطني والتي تتضمَّن إعادة توزُّع السكان في المراكز الحضرية البعيدة عن الريف والتي لا تُعدُّ جزءًا من القطاع الريفي. فعلى سبيل المثال؛ تشهد المناطق النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية انخفاضًا متزايدًا في التعداد السكاني في المناطق الريفية بنسبة بلغت (1-2)% في الفترة الممتدة بين عامي 1985م و2015م (2).
ويعيش 75% من الفقراء في العالم في مناطق ريفية وفقًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية عام 2013م، ويعتمد معظم سكَّان الأرياف على زراعة المحاصيل الغذائية في نطاق ضيق، إضافةً إلى الصيد وتربية المواشي والأعمال المأجورة في المزارع، ولكن كل ذلك لا يؤمِّن الدخل الكافي لسكان الأرياف لذلك يحاولون البحث عن مصادر دخل إضافية (3).
ولأنَّ المناطق الريفية تنتج الغذاء والمناطق الحضرية تنتج السلع الصناعية (1)؛ يمكننا القول أنَّ مستقبل المناطق الحضرية مرتبطٌ بمستقبل المناطق الريفية، وإهمال تنمية الريف يعني إهمال تنمية كوكبنا بالكامل، ووفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) عام 2019م؛ يُعَدُّ إنتاج الغذاء في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي -على سبيل المثال- مهمًّا جدًّا للأمن الغذائي العالمي ومن دونه سيصبح الأمن الغذائي العالمي أكثر هشاشة (4).
تنمية الأرياف:
تعتمد التنمية المستدامة لكوكب الأرض وسكانه على نحوٍ أساسي على تنمية القطاع الريفي وكل ما يتعلق به من مجتمعات واقتصاد ونظم بيئية وموارد طبيعية، وتحتاج هذه التنمية خطةً متكاملة تكافح الفقر والجوع وتحسِّن قطاعي الصحة والتعليم وتُعزِّز المساواة الجندرية (Gender equality) وتعتمد مصادر نظيفة للطاقة، إضافةً إلى إيجاد فرص عمل لائقة ودعم الابتكارات والأبحاث في عمليات الإنتاج الريفي وبناء مدن مستدامة وتحقيق الإنتاج والاستهلاك المستدامين والحفاظ على النظم البيئية وتعزيز التعاون الدولي في هذه المجالات.
ولذلك من أجل التأثير في طبيعة وتوجه عملية تحول الأرياف؛ لا بُدَّ من التركيز على الأهداف الأربعة الرئيسية التي طرحها تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) عام 2019م، وهي:
1- ضمان الحد الأدنى من الرفاهية والخدمات والفرص لجميع سكان الأرياف.
2- تحويل الاقتصاد الريفي.
3- بناء علاقة مع البيئة تختلف عما كانت عليه في القرون السابقة.
4- بناء هيكلية مؤسساتية جديدة مناسبة لمواجهة التحديات الراهنة (4).
فهل يمكن أن تحقق هذه التنمية استقرار المناطق الريفية وتعزّز دورها في استقرار المدن بما يضمن الحد من الهجرة الريفية - الحضرية وتطوير اقتصادها الريفي؟
المصادر: