الديموغرافيا؛ أنت لست مجرد رقم!
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الديموغرافيا والجغرافيا الاجتماعية والثقافية
الديموغرافيا كلمة يونانية تتألف من مقطعين؛ ديمو (demos) أي السكان وغرافيا (graphia) أي الوصف أو الكتابة، وتُترجم الكلمة إلى العربية بمعنى علم السكان؛ وهو أحد العلوم الاجتماعية، وتتناول الديموغرافيا على نحو أساسي معرفة حجم وتوزيع سكان منطقة ما في نقطة زمنية محددة، وتركيبة هذه الفئة من الناس وتوزعها المكاني، وكيف تتأثر هذه العوامل الثلاثة بأحداث الولادات والوفيات والهجرات، وما يطرأ على كل ذلك من تغيرات، ومكونات هذه التغيرات (1).
ما هي الخصائص الديموغرافية الأساسية؟ وما الذي يستهدف هذا المجال دراسته عند السكان؟
خصائص السكان التي تدرسها الديموغرافيا متعددة، ولكن أبرزها الفئة العمرية والجنس والعرق والانتماء الديني والحالة الاجتماعية، وكذلك العدد والتركيبة السكانية، وتوزع هؤلاء السكان في منطقة ما كالريف أو المدينة (1).
كيف تؤثر فينا الديموغرافيا؟ وكيف نؤثر فيها؟
مهما بدت بعض السلوكيات الفردية خاصةً بنا وحدنا فإنها قد لا تكون كذلك، وهي ذات تأثير أبعد وأعم مثل قرار والديك بإنجابك أو عدم إنجابك، فوجودك أدى إلى رفع عدد السكان الإجمالي على كوكب الأرض، كما ذكر سابقًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القرارات البسيطة التي تخص حياتك اليومية؛ مثل قرارك باتباع أو عدم اتباع نظامٍ غذائيٍّ صحي، أو إيقاف التدخين وغيرها من القرارات (1).
إذًا أنت هدف أساسي للديموغرافيا ومؤثرٌ في بياناتها، ولكن ما تأثير الديموغرافيا فيك؟
أحد الأمثلة التي تظهر تأثير الخصائص الديموغرافية في التركيبة السكانية لمنطقة ما نجده في حادثة تقسيم الهند وباكستان؛ فبعد تقسيمهما عام 1947م، انتقل معظم مسلمي الهند إلى باكستان وبالعكس انتقلت الغالبية الهندوسية وتركزت ضمن حدود الهند (1)، ونجد من هذا المثال أنَّ الاعتقاد الديني -وهو أحد الخصائص الديموغرافية- قد ساهم في تحديد من هم السكان الذين سينتقلون إلى الهند والسكان الآخرين الذين سيقطنون باكستان منذ ذلك التاريخ دون الحاجة إلى اتّخاذ اعتبارات أخرى؛ إذ شكّل اللاجئون المسلمون القادمون من الهند في أثناء عملية تبادل السكان على أسس دينية أكثر من ثلثي عدد سكان منطقة البنجاب في باكستان (1).
من أين يجمع مختصو الديموغرافيا بياناتهم؟
يوجد العديد من المصادر لجمع البيانات الديموغرافية ثم تحليلها للحصول على الإحصائيات المطلوبة ومنها:
1. تعداد السكان: مع الأخذ بالحسبان إن كان هذا العدد متغيرًا باستمرار أي ما يُعرف بالتعداد المفتوح (Open Population) أو مغلقًا في حال عدم وجود عمليات حيوية ضمن مجموع السكان أو عدم حدوث تغيرات كبيرة في عدد الأفراد باستثناء حالات الولادة والوفاة ويُعرف بالتعداد المغلق (Close Population).
2. السكان بحكم الواقع وبحكم القانون (De Facto and De Jure Populations): يشمل مصطلح السكان بحكم الواقع السكان المقيمين فعلًا والسكان الموجودين مؤقتًا الذين يقيمون في مكان آخر، في حين يشمل مصطلح السكان بحكم القانون السكان المقيمين الحاضرين والغائبين.
3. التعدادات وسجلات السكان (Censuses and Population Registers): ويُقصد بالتعدادات عدد سكان منطقة ما في فترة زمنية محددة، في حين تقدم السجلات معلومات مستمرة عن جميع السكان، وتتمتع السجلات عادةً بتاريخ طويل.
4. تسجيل إحصائيات الأحداث الحية وتصنيفها حسب العمر ومرور الوقت.
5. الاعتماد على العينات والتقديرات.
6. بيانات الدراسات الوبائية (2).
أهمية الديموغرافيا
1. في مجال الدراسات البحثية:
تساعد البيانات الديموغرافية في مجال الأبحاث الكمية في إعطاء معلومات أقرب إلى القيم الحقيقية وأكثر دقة من سحب عينات عشوائية، على الرغم من أنَّ الأخيرة واسعة الانتشار ومجدية في كثير من الأوقات، ولكن سيُوضح الفرق في المثال الآتي:
شملت دراسة أُجريت في أمريكا عام 2013م 77 ممرضًا، وتعمَّد مُعدّو البحث حصر أعمار المشاركين بين 22 و62 عام، فكان متوسط أعمار العاملين في مهنة التمريض 45 عامًا، وفي الوقت نفسه كان متوسط أعمار الممرضين على المستوى الوطني 45.5 بحسب إدارة الخدمات والموارد الصحية (HRSA)، وعلى الرغم من أنَّ نتيجة الدراسة كانت قريبة من هذا الرقم لكنها لم تكن دقيقةً بالكامل (3).
2. الديموغرافيا في الأوبئة:
كيف تساعد الديموغرافيا في الدراسات الخاصة بـ (COVID-19)؟
نُشرت دراسة في نيسان (أبريل) من العام 2020م أوضحت أنه بالإمكان الاستفادة من البيانات الديموغرافية للمرضى، وخصوصًا التركيبة العمرية واختلافها من منطقة إلى أخرى في تحديد حجم ونوعية الرعاية المقدّمة؛ فمثلًا ارتفاع عدد الوفيات في إيطاليا يعود إلى ارتفاع نسبة المسنين والتي تصل إلى 23.3 % من نسبة السكان مقابل 12% فقط في الصين، إضافةً إلى نمط الحياة لدى الإيطاليين القائم على التقارب الاجتماعي والذي يشمل التعامل بين الأشخاص من أجيال مختلفة كالأطفال والمسنين أو الأشخاص البالغين الذين يتعاملون مع الأطفال والمسنين على حد سواء، ويفيد ذلك في تحديد الحالات الأكثر خطورة وتحسين نوعية الرعاية المقدَّمة من توفير الأسرَّة في المشافي وغيرها (4).
أي من الضروري الاعتماد على الديموغرافيا من أجل مقارنة الماضي مع الحاضر والحاضر مع المستقبل، أو مقارنة مكانٍ ما مع مكانٍ آخر.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الديموغرافيا قادرة على التنبؤ بالأرقام المستقبلية اعتمادًا على الأرقام الحالية، ومن الأمثلة على ذلك المسح الذي قام به مشروع المسوح السكانية والصحية (Demographic and Health Survey) في دولة زامبيا شرق أفريقيا حول الخصوبة لدى النساء، والذي بيَّن أنَّه مع بقاء المستويات الحالية للإنجاب ستبلغ أعداد الأطفال للمرأة الواحدة من 5 إلى 6 أطفال في فترة خصوبتها.
وفي مثالٍ آخر من الدولة نفسها؛ أوضحت المسوحات أن 20% من الأطفال لا يكملون عامهم الخامس، وانخفضت هذه النسبة بين العامين 2013م و2014م لتصل إلى 3.3 %؛ أي يموت طفل من بين كل ثلاثين طفلًا، وهذه النسب بعيدة جدًّا عن معدلات الحوادث المشابهة في الدول الأكثر تطورًا أو تكاد تختفي تقريبًا في الدول المتطورة (1).
وبذلك نرى أنَّ الدراسات الديموغرافية والبيانات التي تقدمها مهمةٌ جدًّا في مختلف المجالات، وتساعد المختصين في وضع الخطط الحالية والمستقبلية، فتابعونا لنتعرف أكثر إلى هذه الدراسات ونستعرض جوانبها المختلفة.
المصادر:
2- Alho J, Spencer B. Statistical Demography and Forecasting [Internet]. New York: Springer; 2005 [cited 8 February 2021]. Available from: هنا
3- Connelly LM. Demographic data in research studies. Medsurg Nursing [Internet]. 2013 [cited 9 February 2021];22(4):269-270. PMID: 24147328. Available from: هنا
4- Dowd J, Andriano L, Brazel D, Rotondi V, Block P, Ding X et al. Demographic science aids in understanding the spread and fatality rates of COVID-19. Proceedings of the National Academy of Sciences [Internet]. 2020 [cited 8 February 2021];117(18):9696-9698. Available from: هنا