العشوائيات؛ ملاذٌ أخير
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الجغرافيا الحضرية
تعرَّف العشوائيات بأنَّها مستوطنات غير آمنة تنتج بسبب النمو الحضري السريع الذي يسبق وتيرة وصول الخدمات إلى هذه المناطق، وتتَّسم بالفقر والاكتظاظ السكاني ونقص الخدمات، إضافةً إلى الإقصاء الاجتماعي والتعرض للمخاطر البيئية؛ إذ يندرج تحت هذه التسمية كل ما يتمتع بسمة أو أكثر من السمات الآتية:
- نسبة بطالة مرتفعة أو عدد كبير من ذوي الدخل المنخفض بالنسبة إلى عدد السكان.
- مستويات مرتفعة من التلوث والأمراض.
- انتشار المنازل غير الآمنة معماريًّا (1).
ومن الضروري التمييز بين العشوائيات التي تقع في ضواحي المدن والعشوائيات التي تقع بالقرب من المركز؛ إذ يؤدي القرب من مراكز النشاط الاقتصادي أو المهني وخدمات البنية التحتية إلى نشوء عشوائيات ذات كثافة سكانية أعلى ولكنَّها محدودة مساحيًّا بسبب استحالة امتدادها بعد تمدد المنطقة الحضرية للمدينة من حولها. أمَّا العشوائيات التي تنتشر في ضواحي المدن؛ فإنَّ بعدها عن المراكز يجعلها أقل اكتظاظًا بالسكان وذات مساحة أكبر أيضًا، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه المساحة قد تُستَثمر زراعيًّا من قبل سكان العشوائيات أحيانًا (2).
ليست العشوائيات مشكلةً طارئةً أو حديثة العهد، ولكنَّ المفارقة اليوم أنَّ حركة ما نسبته قرابة 60% من المهجَّرين داخليًّا في كل أنحاء العالم اتجهت نحو الأرياف؛ إذ اتَّخذت غالبية هذه الحالات من المخيمات الإنسانية مسكنًا مؤقتًّا لها في العام 2008م، وعلى النقيض من ذلك؛ انعكست هذه النسبة في العام 2015م وأصبح ما نسبته 60% من حالات التهجير الناتجة عن الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الفقر وما إلى ذلك من سكَّان المناطق الحضرية ونسبة 1% فقط ممَّن يعيشون في مخيمات اللجوء الإنساني، وذلك يعني بشرٌ أكثر متنافسون على أراضٍ أقل، وقد تسبَّبت هذه الظواهر في زيادة أعداد العشوائيات وتفاقم مشكلاتها (3).
إضافةً إلى ذلك، وصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في العشوائيات حول العالم إلى أكثر من مليار شخص يتركَّز قرابة 80% منهم في جنوب شرق وشرق ووسط وجنوب آسيا والجزء الذي يقع جنوب الصحراء الكبرى من القارة الإفريقية، ومن المتوقَّع أن يصل هذا العدد إلى 3 مليار شخص بحلول العام 2030م (4).
الجريمة والمكان:
وأما عن المشكلات التي تشهدها العشوائيات؛ فقد طرحت إحدى الدراسات التي تناولت أربع مناطق عشوائية في أربع مدن رئيسية في كينيا؛ نيروبي (Nairobi) ومومباسا (Mombasa) وكيزيمو (Kisumu) وناكورو (Nakuru)، مشكلة انتشار الجرائم في هذه المناطق، إذ وجد الباحثون أنَّ نسبة الأشخاص الذين شهدوا حالات مختلفة من الجرائم قد تجاوزت 98% من عدد المشاركين في الدراسة (5).
ولكن ما الذي يغيِّر معدل الجريمة من مكان إلى آخر؟
ما يزيد الأمر سوءًا أنَّ رداءة أو غياب التخطيط لهذه الأحياء الفقيرة التي تميِّزها الممرَّات الضيِّقة ونقاط الدخول والخروج الأحادية تشكِّل تحديًا أمام قوى القانون لضبط المنطقة، وتُعَدُّ البطالة المسبِّبَ الأكبر للجرائم بنسبةٍ تصل إلى 61% وفق المشاركين في هذه الدراسة، والتي تعود أسبابها إلى الفقر وتعاطي الممنوعات متسبِّبةً في أنماط عدَّة من الجرائم من أهمها السرقة والسطو، ويبدو هذا منطقيًّا عندما نعلم أنَّ أسباب معظم الجرائم في العشوائيات تعود إلى الفقر والدخل المنخفض(5).
وفي الختام لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ أسباب الجريمة متنوعة، ومكان حدوثها لا ينحصر في الأحياء الفقيرة أو العشوائية، ولكن ممَّا ذُكِر سابقًا يمكننا القول أنَّ عشوائية المكان وغياب التنظيم يرفع حالة الفوضى الاجتماعية المؤدية بدورها إلى مزيد من المشكلات.
المصادر: