سويسرا؛ الحياد السياسي في قلب أوروبا
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الجغرافيا السياسية
تأسَّس الاتحاد السويسري في العام 1291م ليشكِّل تحالفًا دفاعيًّا بين ثلاثة كانتونات (Cantons) أو ثلاثة تقسيمات إدارية، ثمَّ انضمَّت كانتونات أخرى إلى هذا التحالف في السنوات اللاحقة (1)؛ ويُعرَّف الكانتون (Canton) بأنه منطقة سياسية أو منطقة الحكم المحلي في بعض البلدان (2).
نال الاتحاد السويسري استقلاله عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة (Holy Roman Empire) في العام 1499م (1)، وقد ضمت هذه الإمبراطورية الولايات الألمانية منذ العام 800 م واستمرت قرابة 1000 عام (3).
عُدِّل الدستور في العام 1874م للسماح للناخبين بإجراء الاستفتاءات على القوانين المقترحة، وتحول الاتحاد إلى (Centralized federal government) أو ما يُعرف بالحكومة الفيدرالية المركزية (1)، ويتألف هذا النظام الفيدرالي من مجموعة من المناطق تحكمها سلطة مركزية (4).
وقد حظيت سيادة سويسرا وحيادها باحترام القوى الأوروبية الكبرى، ولم تشارك سويسرا في أيٍّ من الحربين العالميتين، وعزَّز تكامل أوروبا السياسي والاقتصادي على مدى نصف القرن الماضي ودور سويسرا في العديد من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية علاقات سويسرا مع جيرانها، وعلى الرغم من ذلك لم تصبح البلاد عضوًا رسميًّا في الأمم المتحدة حتى العام 2002م، وما تزال سويسرا نشطة في العديد من منظَّمات الأمم المتحدة والمنظَّمات الدولية ولكنَّها تحتفظ بالتزامٍ قويٍّ بالحياد (1).
تقع سويسرا في قلب أوروبا، وتشترك في حدودها التي يبلغ طولها 1935 كم مع خمس دول؛ إيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا وإمارة ليختنشتاين، وتُقسم مساحة سويسرا البالغة 41285 كم2 إلى ثلاث مناطق جغرافية متميزة؛ جبال الألب التي تغطي قرابة 58٪ من مساحة البلاد والهضبة الوسطى التي تغطي قرابة 31٪ والجورا (Jura) التي تغطي قرابة 11٪، ولا يعيش إلا 11% من السكان في جبال الألب على الرغم من المساحة الواسعة التي تغطيها في سويسرا (5).
Image: The World Factbook 2021. Washington, DC: Central Intelligence Agency, 2021. https://www.cia.gov/the-world-factbook/
يوجد في سويسرا قرابة 1500 بحيرة تمثِّل إلى جانب المسطحات المائية الأخرى مثل الجداول والبحيرات 4٪ من مساحة البلاد، وتمتلك البلاد 6٪ من احتياطي المياه العذبة في أوروبا، ويقع مصدر الأنهار الأوروبية الرئيسية مثل نهر الرون (Rhone) والراين (Rhine) وإين (Inn) في جبال الألب السويسرية.
تغطي مناطق الاستيطان 7.5٪ من أراضي سويسرا، وتُستخدم قرابة 40٪ من الأراضي السويسرية للزراعة، في حين تغطي الغابات والأراضي الحراجية قرابة 30٪، وتشكِّل سويسرا موطنًا لـ 12 موقعًا من مواقع التراث العالمي لليونسكو (5)
Image: Tran Mau Tri Tam
تتمتع سويسرا بتنوع سكاني كبير تعكسه اللغات المستخدمة في البلاد التي تتنوع بين الألمانية أو السويسرية الألمانية (لغة رسمية) وتشمل ما يقارب 62.6٪ من البلاد، والفرنسية (لغة رسمية) وتشمل ما يقارب 22.9٪ من البلاد، والإيطالية (لغة رسمية) وتشمل ما يقارب 8.2٪ من البلاد، والإنكليزية التي تشمل ما يقارب 5.4٪ من البلاد، والبرتغالية التي تشمل ما يقارب 3.7٪ من البلاد، والألبانية التي تشمل ما يقارب 3.2٪ من البلاد، والصربية الكرواتية التي تشمل ما يقارب 2.5٪ من البلاد، والإسبانية التي تشمل ما يقارب 2.4٪ من البلاد، والرومانشية (لغة رسمية) تشمل ما يقارب 0.5٪ من البلاد، ولغات عدة أخرى تشمل ما يقارب 7.7٪ من البلاد، وذلك وفق تقديرات العام 2017م (1).
ويمكن القول أن موقع سويسرا الجغرافي وتنوعها الديموغرافي كانا من العوامل المهمة لاتخاذ قانون الحياد لحماية أمنها واستقرارها؛ إذ يشكِّل قانون الحياد جزءًا من القانون الدولي، والحقوق والواجبات الأساسية للدولة المحايدة منصوصٌ عليها في اتفاقيات لاهاي (Hague Conventions) للعام 1907م، وعلى المستوى الوطني ذُكِر الحياد في الدستور الفيدرالي بوصفه أداةً لحماية الاستقلال.
فبعد تأثر سويسرا بحرب الثلاثين عامًا، تقرَّر إنشاء جيش فيدرالي مشترك لحماية الحياد السويسري، وقد نال حياد سويسرا الدائم اعترافًا دوليًّا من القوى الأوروبية الكبرى مع ضمان سلامتها الإقليمية، وعُدَّ الحياد بالنسبة لواضعي الدستور الفيدرالي مجرَّد وسيلة لحماية الاستقلال ويجب على المجلس الفدرالي والجمعية الفدرالية مراقبة الامتثال للحياد ومراعاته، فأهم التزامات الدول المحايدة؛ عدم المشاركة في الحرب والدفاع عن النفس والحياد تجاه المتحاربين فيما يتعلق بتصدير المواد الحربية.
وقد وُصِف الحياد السويسري وفق مجموعة من النقاط كما يأتي:
- عُدَّ أداةً ناجحة لسياسة سويسرا الخارجية والأمنية أثبتت قيمتها في الحربين العالميتين.
- نال الحياد دعمًا كبيرًا من السكان، وقدَّم مساهمة كبيرة في الحفاظ على تماسك البلاد، وأصبح جزءًا من التقاليد والتاريخ والتصور الذاتي للبلد ولمواطنيه.
- أُكِّد على ضرورة تماشيه مع الحالة السياسية والأمنية المتغيرة للبلد ولا يمكن التخلي عنه إلا إن أمَّن التخلي عنه في الوضع الجديد مستوىً أعلى من الأمن.
- لا يسمح الحياد بالانضمام إلى أي تحالفٍ عسكري.
- يُمارس الحياد بطريقة ملائمة للموقف، ويمنع الانجرار في الصراعات الخارجية (6).
وأخيرًا يمكن القول أنَّ سويسرا استطاعت تجنُّب العديد من النزاعات وجعلتها هذه السياسة بلدًا آمنًا للحياة والمعيشة في ظل محيطٍ غنيٍّ من المناظر الطبيعية، فهل تعتقدون أنَّ اتخاذ هذا الموقف قد ساهم في تقدِّم سويسرا وتطورها؟
المصادر: