تأثير أنظمة النقل في هيكلية المدينة
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> جغرافيا النقل
أدى تخطيط استعمالات الأراضي دورًا رئيسيًّا في وضع المعالم الأساسية للبنية الحضرية في العديد من المدن، واستنادًا إلى مبدأ تأمين سهولة الوصول إلى المرافق والخدمات للجميع كان لدى أصحاب الرؤى التخطيطية رغبة في إنشاء أماكن ذات جودة مرتفعة للعيش فيها تؤمن لقاطنيها شعور الراحة والأمان (1).
يعيش اليوم معظم الناس في أماكن سكنية تنفصل عنها مواقع العمل والتسوق والأنشطة؛ إذ ننجز أنشطتنا في مواقع مختلفة من أجل تلبية احتياجاتنا الفيزيولوجية والاقتصادية والاجتماعية. وتتلخَّص مهمة أنظمة النقل في نقل الناس والبضائع بين مواقع النشاطات المختلفة، وبذلك نلاحظ وجود ارتباطٍ أساسي بين أنظمة النقل واستعمالات الأراضي (2).
فهل أثر تغير أنظمة النقل وتطورها في امتداد المدن والزحف العمراني؟
كانت نسبة ملكية السيارات في المدن منخفضةً قبل العام 1950م، وقد اعتمدت الحركة والتنقلات على المشي وركوب الدراجات ووسائل النقل العامة، ممَّا حدَّ من الامتداد العمراني للمدن (1)، ولكن منذ السبعينيات في القرن العشرين ومع الملكية المتزايدة لوسائل النقل الخاصة، بدأ بعض الباحثين بتأييد الأساليب الجديدة في التخطيط العمراني من أجل تقليل الآثار الناتجة عن تزايد الملكية والتي تجسَّدت في الزحف العمراني للمدن (2).
فكيف يؤثر تطور أنظمة النقل في تغير استعمالات الأراضي؟ وكيف تتأثر هذه الأنظمة بالتغيرات التي تطرأ على هيكلية المدينة؟
يحدد التوزيع المكاني للخدمات والبنية التحتية لأنظمة النقل مستوى قابلية الوصول إلى المواقع المختلفة، ولا تتأثر قرارات تطوير الأراضي واستعمالاتها بأنظمة النقل فقط بل تتأثر أيضاً بعوامل أخرى؛ مثل مساحة الأراضي القابلة للتطوير وتوفر البنية التحتية (المياه والصرف الصحي)، والتوجه الاقتصادي الإقليمي، والقوانين المحلية الناظمة لتقسيم الأراضي.
وتؤثر المستويات المختلفة لقابلية الوصول (Accessibility) في قرارات تطوير واستعمالات الأراضي، وتؤدي التغيرات في استعمالات الأراضي بدورها إلى نشوء نشاطات جديدة مما يؤدي إلى ظهور أنماط جديدة للحركة، وتؤثر أساليب الحركة الجديدة في القرارات التي تتخذ في تخطيط وتصميم أنظمة النقل المستقبلية والتي تؤدي بدورها أيضًا إلى تغيرات في قابلية الوصول؛ مما ينتج دورة جديدة من التأثيرات المتبادلة بين أنظمة النقل واستعمالات الأراضي.
يحدث التفاعل بين أنظمة النقل وأنظمة استعمالات الأراضي بطريقةٍ معقَّدةٍ وديناميكية، على سبيل المثال يؤدي إنشاء خط جديد للسكك الحديدية إلى إحداث تأثيرات حول محطات السكك وعلى طول السكك أكبر من تلك التأثيرات التي تحدث في المنطقة الحضرية ككل (2).
ومن أجل تحليل ومعالجة أنماط أنظمة النقل واستعمالات الأراضي يجب فهم العلاقات المعقَّدة والمتشعِّبة بين أنظمة النقل والتفاعلات المكانية واستعمالات الأراضي؛ إذ يتشكَّل نظام النقل من مجموعة البنى التحتية ووسائل النقل التي تؤمن عملية نقل الركاب والبضائع، في حين تحدِّد التفاعلات المكانية طبيعة وأصل ومدى الوجهات في المناطق الحضرية لكلٍّ من الركاب والبضائع وتتأثَّر بمواصفات أنظمة النقل وعوامل استعمالات الأراضي التي تجذب وتولِّد الحركة، أمَّا استعمالات الأراضي فتحدِّد مستوى التجمع المكاني للأنشطة والمستوى اللازم لها من متطلَّبات التنقل، وترتبط استعمالات الأراضي بالخصائص الديموغرافية والاقتصادية (3).
فهل تُعد استعمالات الأراضي والتفاعلات المكانية المختلفة المؤثر الوحيد في أنظمة النقل واستثماراتها؟
أدَّى التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى تغيرات كثيرة؛ إذ أصبحت وسائل النقل الافتراضية أكثر جدوىً وملاءمة، ممَّا شجع العمل عن بعد والتجارة الالكترونية والتعلم عن بعد والحكومات الإلكترونية وغيرها، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى تغير أنماط النشاطات والسفر والتي لها أثر مباشر في مستقبل أنظمة النقل واستعمالات الأراضي (2).
ومع التغير في أنواع النشاطات والتفاعلات الذي شهدناه بعد انتشار جائحة كورونا المستجد في العام 2020م هل سيبقى لأنظمة النقل تأثير في هيكلية المدينة واستعمالات أراضيها؟ أم ستظهر أنماط جديدة من الأنشطة والرحلات أقل تأثيرًا في المدينة؟
المصادر: