ما الفرق الذي يصنعه الحجم الجغرافي بين الدول؟
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الجغرافيا السياسية
يُعد الحجم أحد أهم العوامل لقوة الدول وسيادتها؛ إذ لطالما كان الامتداد والتوسع أحد الأسباب الرئيسية للحروب عبر العصور وحتى يومنا هذا، لما فيها من مكاسب وقوة ونفوذ على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي.
1. من الناحية السياسية والاقتصادية:
من الواضح أنه كلَّما كان البلد أكبر كلَّما انخفض نصيب الفرد من الضرائب، نظرًا لأنَّ المزيد من الأفراد يدفعون هذه الضرائب تكلفةً ثابتة، ونتيجة لذلك تصبح الخدمات العامة أرخص في الدول الأكبر حجمًا (1).
على سبيل المثال، تُستغلُّ هذه الضرائب في الانفاق على الدفاع، والنظام النقدي والمالي، والنظام القضائي، والبنى التحتية للاتصالات، والشرطة ومكافحة الجرائم، والصحة العامة، والسفارات والمتنزهات الوطنية وغيرها (2)، ولكنَّ الاستفادة من كبر حجم الدولة يعتمد على مدى انفتاحها؛ إذ تتأثر التعاملات الاقتصادية مع الدول الأخرى بالحدود السياسية (1).
ويؤثر حجم الدولة في حجم أسواقها أيضًا؛ إذ تزيد الاقتصادات والأسواق الكبرى من الإنتاجية مما يوفر فرصة لتصبح البلدان الكبرى أغنى (2).
تُقاس العلاقة بين حجم الدولة و النجاح الاقتصادي بالإنجازات على مستوى النمو الاقتصادي ومستوى دخل الفرد، وتعتمد على النظام التجاري؛ إذ يمكن للدول الصغيرة النجاح في عالم التجارة الحرة إن تبنَّت سياسات اقتصادية منفتحة، ولكنَّ وجود القيود التجارية يرجِّح الكفَّة لصالح الدول الأكبر حجمًا في الازدهار وذلك لامتلاكها الأسواق الأضخم من نظيرتها الأصغر حجمًا (1).
يُعد الاتحاد الأوروبي أفضل مثال عن أهمية عامل حجم الدولة ودوره؛ إذ شُكِّل الاتحاد المتجاوز للحدود الوطنية متضمنًا برلمانًا ومحكمةً ومفوضيات ومجموعة لجان متجاوزًا الحدود السياسية بين الدول، وهذا ما سرَّع عملية اندماج بلدان الاتحاد الأوروبي (1)، ولا يمكننا أن ننسى أيضًا حقيقة أنَّه كلَّما كانت البلاد أكبر صارت أكثر تنوعًا من ناحية الثقافة واللغة والهوية (2).
2. من الناحية العسكرية:
لطالما كانت التهديدات الخارجية تؤدي إلى توحيد الدول في عالم متزعزع لا يسوده الأمان؛ إذ توفِّر الدول الكبيرة حمايةً أكبر لمواطنيها من الدول الأقل حجمًا، وتفرض التحولات والتغيرات الدولية التي تحدث في العالم استخدام القوة على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، وهكذا فإنَّ الدول الأكبر حجمًا في هذه الحالة هي المستفيد الأكبر (1).
ويتأثَّر حجم الدول بضرورة قيام الحكومة بحماية مصالح مواطنيها في عالمٍ غير ودي، وحتى في حالة عدم وجود حروب معلنة، فإنَّ القوة العسكرية لبلدٍ ما تؤدي دورًا مهمًّا في تسوية النزاعات الدولية، وتعتمد القوة العسكرية بدورها على حجم الانفاق على الدفاع ومصادر الحماية الأخرى التي يمكن استخدامها لدعم مصالح مواطني الدولة؛ إذ تُعد قوة الدولة ودفاعها من الصالح العام الذي يجب توفيره لكافة المواطنين، لذلك قد توفِّر الدول الأكبر أمانًا أفضل لمواطنيها (1).
من الجدير بالذكر أنَّه كلَّما ازدادت مساحة البلد فإنَّ فرصة تعرضه للعدوان الأجنبي تقل، أي أنَّ هذا الأمان الذي يوفره الحجم منفعةٌ عامة تزداد مع ازدياده، أمَّا البلد الأصغر حجمًا فقد يُضطر إلى تخصيص أموال أكثر للانفاق على الدفاع مقارنةً بالدول الأكبر نظرًا إلى حجم الاقتصاد.
ومع ذلك يمكن للدول الصغيرة الدخول في تحالفات عسكرية، مع الإشارة إلى أنَّ هذا التحالف قد يوفِّر لها الحماية، ولكنَّه سيجعلها في الوقت نفسه تقدم تعويضات ما بالمقابل، ومن هنا نستنتج بأنَّ الحجم الكبير للبلد يوفر ميزة إضافية حتى مع وجود التحالفات العسكرية (3).
ختامًا، نرى أنَّ للحجم أهميةً كبيرة وتأثيرًا واضحًا في الدولة وحضورها التاريخي، خاصةً عند الحديث عن عوامل القوة؛ ممَّا لا يدع مجالًا للشك أنَّ الرغبة في توسيع النفوذ على الرقعة الجغرافية لم يأتِ من فراغ ولكن من رغبة الدول في زيادة قوتها وظهورها في المشهد العالمي.
إعداد: Abd Ulhamid Alhussien
المصادر: