التعلم النُّهامي (Bulimic Learning)، هل ندرس كي نتعلم أم لنحصِّل درجة عالية؟
التعليم واللغات >>>> التربية والتعليم
إذا كنتم قد أجبتم بـ"نعم" فأنتم تتعرضون أو قد تعرَّضتن لما يُعرف بالتعلم النُّهامي (Bulimic Learning)، المُصطلح الذي اشتُق من المصطلح الطبي (Bulimia Nervosa) والذي يُعرف باللغة العربية بالشره المرضي العصبي أو النُّهام العُصابي، لذا دعونا نتعرف أكثر على هذا الاضطراب بالمعنى الصحي والطبي قبل الخوض فيه تعليميًّا.
يظهر الشره المرضي العصبي على شكل نوبات متكررة من الإفراط في تناول الطعام، وقد تحدث على سبيل المثال مرة واحدة في الأسبوع أو أكثر على مدى شهر على الأقل. يصاب الشخص الذي تعتريه نوبة شراهة الطعام بفقدانٍ للسيطرة على الأكل، إذ يتناول الطعام على نحو ملحوظ أكثر من المعتاد. يتصاحب الأكل بنهم بسلوكيات تعويضية غير ملائمة ومتكررة تهدف إلى منع زيادة الوزن كتحريض القيء ذاتيًّا وإساءة استخدام المُسهلات وممارسة التمارين الشاقة. وينشغل الأفراد بشكل جسدهم أو وزنهم مما يؤثر بشدة على تقييمه لذاته (1).
لنتخيل أن هناك طالبًا قد قضى حياته في العملية التعليمية ونمت لديه العقلية التي تُعزز ضرورة التقييمات والاختبارات للنجاح اليومي. وعلى الأرجح أنه هذا السلوك تعزَّز في المدرسة من خلال الدرجات (العلامات) وفي المنزل عن طريق تقديم مكافآت للأطفال في حال حققوا نجاحًا أكاديميًّا، وفي المجتمع من خلال منح الفرص لأولئك الذين يكونون بارعين في عملية تخزين المعلومات واسترجاعها. ونتيجة لذلك يصبح المتعلم مدفوعًا بالحاجة إلى الإنجاز في المدرسة مهووسًا بالسعي للوصول إلى الدرجة الأفضل، فيؤدي الأمر إلى نهاية مؤسفة لا يكون الطالب قد تعلم في أثناء تلك العملية التعليمية الكثير في أي مجال كان (2).
لذلك ما إن تُستحضر المعلومات في الامتحان وتُستخدم فلن يعود لها حاجة بالنسبة للطلبة مرة أخرى وسيعملون على إخراجها أو "قيئها" عمدًا من أدمغتهم، ليسترجعوها عن طريق "نهم" المادة في حال احتاجوا إلى المعلومات مرة أخرى (2). تترافق حاجة الطلبة إلى حفظ المعلومات من أجل الحصول على تقييمات عالية باضطرابات قلق وإحباط، وما إن يتخلصوا منها حتى يشعروا براحة وحرية (2).
والأمر المُثير للاهتمام هو أنَّ الصفات والخصائص التي يمتلكها المتعلم النَّهِم غالبًا ما يكون من ضمنها الكمالية والحافز العالي والنجاح الأكاديمي أو المهني. إن الاختبارات التي تمتحن الصياغة المعرفية أو الأساليب والمناهج الوطنية في التقييم -في أي مكان- وتهدف إلى تحقيق النجاح في المدرسة تُشير إلى أن النظم التعليمية المُتبعة تشجع التعليم النَّهِم (2).
ولترسيخ وتعزيز التعليم بطريقة صحية يجب إعادة كتابة وتحديد الأهداف المنتظرة من المناهج الحالية لتتضمن التعليمَ النفسي الحركي الفعال كأحدها، ولهذا ينبغي أن تشمل أساليبَ تقييم المادة المُتعلَّمة وتضع في الحسبان العواملَ الذاتية والنوعية والأنماط الحياتية (2).
وهنا حاول بعض العلماء خلال السنة الأولى من برنامج دراسي في تكنولوجيا المعلومات استخدام نهج أكثر تركيزًا على الطالب معتمدين أساليب التدريس التي تهدف إلى تعزيز التعلم النشط على نحو أكبر، الذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه حجر الزاوية في المناهج التي تتمحور حول الطالب. ومن ثمَّ اعتُمدت العروض التقديمية للطلاب والاختبارات القصيرة وإجراء التقييمات دوريًّا بدلاً من المحاضرة التقليدية والامتحان النهائي. وعلى الرغم من أن التحول إلى هذا النهج لم يحصل بدون مشاكل -كالزيادة في أعباء العمل على الموظفين والنقص في الموارد- فقد لوحظ أن الدورة تزيد من مشاركة الطلاب وتحفيزهم بالإضافة إلى أن درجاتهم قد تحسنت أيضًا. أكد نحو 94٪ من الطلاب الذين شاركوا في البرنامج أنهم يفضلونه وينصحون به بديلاً من الدورة التقليدية (3).
لكن ما الأساليب التقليدية؟
الأهداف التعليمية التي تجعل المُدرسين يلجؤون إلى استخدام أساليب معينة في تقييم الطلبة -مثل اذكر وسمِّع وسجل ووضح- هي ما تؤدي إلى حدوث المشكلة المتمثلة بالتعليم النَّهِم. فعلى الرغم من أن التدريس المعرفي (Cognitive Instruction) لا يُعد منهجًا غير مقبول لطرح وإيصال الأفكار للمتعلمين فإنه يصبح كذلك عندما يكون الأسلوب الوحيد المتبع. فما الذي سيمنع الطالبة من التخلص من كل المعلومات التي حفظتها بعد الامتحان مباشرة؟ فهي الآن قد حققت ما تريد من خلال دراستها وهو الحصول على درجة عالية، لذلك ينبغي على الأهداف التي يضعها مصممو المناهج أن تحث المتعلمين على صياغة آرائهم الشخصية عن الموضوع المطروح وتعزيز المبادئ وتشجيعهم على الاكتشاف في أثناء حصول العملية التعليمية (2).
قد يكون اتباع اختبارات وتقييمات مستوى تعتمد على المشاهدة ومعاينة السلوكيات أمرًا صعبًا أو حتى مستحيلًا في القاعة الصفية، لكن بالإمكان الاعتماد على أنشطة عملية تبعد كل البعد عن التعليم النَّهِم، كمشاريع تتضمن استكشاف كل وحدةٍ في الكتاب على حدة أو المجلات الشخصية أو الأوراق التحليلية أو مقاطع الڤيديو التفاعلية (2).
في الحقيقة، يتعامل الجزء الأيمن من الدماغ مع كل ما هو تجريبي وحدسي وغير لفظي ومع الصور والأنماط الكلية. لذلك وفي حال تطبيق التعليم بطريقة معرفية صارمة -على سبيل المثال تلك التي تستخدم فقط أسئلة الاختيار من متعدد معيارًا تقييم لقدرة الطالب- عندها سيكون المعلمون يحثون الطلبة على استخدام الجزء الأيسر من أدمغتهم.
لكن هل لهذا الأمر ذلك التأثير المهم؟
نعم له بالغ الأثر، للأسف. فيما إن 87 في المئة من التواصل غير اللفظي يحدث في الجزء الأيمن من الدماغ فإن اعتماد التعليم النَّهِم يشير إلى أننا نستخدم جزء الدماغ الأيسر، ما يعني أننا نتواصل على نحو فعال بنسبة 13 في المئة فقط. ومن ثمَّ نحن نصل فقط إلى المتعلمين الذين يُعدُّون ممن يستخدمون الجزء الأيسر من دماغهم أو لأولئك الذين ينخرطون انخراطًا محدودًا اجتماعيًّا أو عاطفيًّا في الموضوع المطروح، ما يؤدي إلى أن هؤلاء الطلبة إما يفشلون في الحصول على علامة مقبولة في امتحاناتهم أو يحاولون التأقلم مع نوع التدريس الذي يُطبق عليهم مما يزيد مخاطر انخراطهم في حلقة التعلم النَّهِم (2).
إذا كان المعلمون والمدرسون يؤمنون بتعريف كامل وكلي للصحة فعليهم عندها التخلي عن الممارسات التعليمية التي تتنافى مع إيمانهم هذا، كأن يُطلب مثلًا من المتعلمين قراءة النص والإجابة عن الأسئلة أو يُطلب منهم مشاهدة فيلم ما فقط لأنه جيد دون الحديث عنه أو النقاش في محتواه أو إعطاء محاضرة ما دون إرفاقها بمحتوىً داعم، لأن جميع هذه الأساليب تشجع حشو ونهم المعلومات ومن ثم إفراغها أو تقيؤها (2).
المصادر:
2- Bensley RJ, Ellsworth T. Bulimic learning: a philosophical view of teaching and learning. Journal of School Health [Internet]. 1992;62(8):386–7. Available from: هنا
3- Lea SJ, Stephenson D, Troy J. Higher Education Students’ Attitudes to Student-centred Learning: Beyond “educational bulimia”?. Studies in Higher Education [Internet]. 2003;28(3):321–34. Available from: هنا