هل يُثبت التكرار المُتباعد (Spaced Repetition) أنه في الإعادة إفادة؟
التعليم واللغات >>>> التربية والتعليم
كثيرًا ما نسمع جملة منتشرة في لغتنا وهي أنه "في الإعادة إفادة"، لكن هل يجب أن يحدث هذا التكرار والإعادة بطريقة معينة كي تكون فعالة؟
وعلى الرغم من أن معظمنا يعلم بالقول الشائع باللغة الانكليزية "Practice makes perfect" الذي يعني أن التدريب هو خير وسيلة لإتقان الشيء، الأمر الذي لسنا على دراسة وافية به هو أن توقيت أو مدى تواتر هذا التدريب هو الذي يُجدي نتائج رائعة.
فاطِّلاعك مثلًا على موضوع أو مادة تعليمية معينة ثم إجراء مراجعات متتالية لها على فترات متباعدة سينتج عنه تعلم أكثر فاعلية من تلك الإعادات التي تحدث بفترات زمنية متتابعة على نحو متقارب (1).
وهناك تجربة جرت على مجموعة من الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية الأولى لمعرفة مدى تأثير التكرار المتباعد في قدرتهم على تذكر المعلومات التي تضمنها الموضوع المطروح، ففي اليوم الأول للتجربة، أُعطي الطلبة من المجموعة التجريبية -التي سيُختبر عليها أثر التكرار المتباعد- مقطعًا مُحضّرًا خصيصًا عن طب الغدد الصماء ومكونًا من 1400 كلمة، في حين أُعطي الطلبة من المجموعة المرجعية -التي لن يُختبر عليها التكرار المتباعد- مقطعًا مختلفًا تمامًا عن تاريخ الإدمان على المخدرات، ومُنحت كِلا المجموعتين 25 دقيقة لقراءة النصوص. لاستكمال التجربة بعد يومين أُعطيت المجموعتان نفس المدة الزمنية ليقرؤوا المادة التعليمية الخاصة بطب الغدد الصماء، لتكون القراءة الأولى للمجموعة المرجعية، في حين كانت الدراسة الثانية للمجموعة التجريبية، وخضع الطلبة من المجموعتين لاختبار اختيار من متعدد يتمحور حول المقطع التعليمي الخاص بالغدد الصماء بعد 48 ساعة. وبعد دراسة النتائج التي توصلت إليها التجربة تبين أن متوسط إجابات الطلبة من المجموعة التجريبية كان أعلى بدرجة واضحة من تلك الخاصة بالمجموعة المرجعية.
إذًا، ما الذي تُخبرنا إياه هذه التجربة؟
أولًا، توفر تجربة الدراسة الإضافية فرصة أخرى للمتعلم للتفاعل مع المادة وربط المعاني المحتملة التي تجسدها بمعرفته؛ أي التمكين الفعلي للمعاني المختبرة. بمعنى آخر، يصبح لدى المتعلم فرصة أخرى لاكتساب المعاني التي يُحتمل أن يكون قد فقدها جزئيًّا أو كليًّا في التجربة الأولى وكذلك لتعزيز المعاني التي رُسخت في ذلك الوقت. ثانيًا، تسمح دراسة المقطع مرة أخرى للمتعلم مراجعة للمعلومات لاختبار صحة المعرفة التي اكتسبها في التجربة الأولى. إذ يؤكد هذا الاختبار للقارئ صحة المعاني المتعلَّمة ويوضح الغموض ويصحح المفاهيم الخاطئة ويشير إلى مكامن الضعف التي تتطلب دراسة مركزة للتفاوتات (2).
ومَن الأشخاص الذين يقع على عاتقهم التوجيه الصحيح للعملية التعليمية أكثر من المعلمين؟ لكن عندما يكون على المُدرسين اتخاذ القرار بخصوص ماهية الأساليب التعليمية التي يجب عليهم استخدامها ومتى يستخدمونها يَفترض العديد من المعلمين الأساليب المألوفة، ويلجؤون مثلًا إلى الطريقة التي تعلموا هم أنفسهم من خلالها أو الاعتماد على حدسهم الذي قد يخطئ أحيانًا. قد يتمثل الحل في أن يُضمِّن المعلمون في تحضيرهم للدروس تركيزًا أكبر على علم التعلم لكي يتعرفوا مثلًا على الكيفية التي يتعلم العقل البشري من خلالها، أو العوامل التي تؤثر في التعلم وإستراتيجيات التعلم. عادةً ما يدرِّب الأساتذة الطلبة على الموضوع أو الدرس الجديد الذي شرحوه في الفصل الدراسي بإعطائهم وظيفةً أو واجبًا منزليًّا، لكن المعلمين لا يتبعون أي تدريبات أو طرائق أخرى لإعادة الموضوع بعد فترة من الزمن مكتفين بجلسات المراجعة قبل الامتحان النهائي (1).
ولذلك نلاحظ أنَّ أثر التباعد يتجلى في المشاهدات التي توضح أن الناس يميلون إلى تذكر الأشياء على نحو أكثر فعالية إذا طبقوا التكرار المتباعد فتكون فترات الدراسة قصيرة لكن موزعة على فترات زمنية متباعدة على عكس تلك التي تكون مكثفة كحشو المعلومات مثلًا (3).
لذا -وبالعودة إلى السؤال المطروح في العنوان- سنجد أن الإجابة توضح أنه نعم في الإعادة إفادة لكن ليس في حال الإعادة المكثفة مرة واحدة بل بالإعادة بين فترات زمنية متباعدة.
المصادر: