تطبيقات الاستشعار عن بعد في إدارة الكوارث
الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية >>>> الجغرافيا الرقمية ونظم المعلومات الجغرافية
بعد وقوع الكارثة سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، تحتاج عملية إدارة الكوارث إلى كمياتٍ كبيرةٍ من البيانات المكانية الزمنية، ويُعدُّ الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية الأداة المثالية لذلك؛ إذ يوفِّر المعلومات عبر نطاقاتٍ واسعةٍ وفي فتراتٍ زمنيةٍ محدَّدة، وعلى الرُّغم من أنَّه نظريًّا يمكن تطبيق تقنيات الاستشعار عن بعد في مختلف مراحل إدارة الكوارث كالوقاية والتأهب والإغاثة وإعادة الإعمار، لكنَّه من الناحية العملية وحتى الآن يُستَخدم في الغالب للتحذير والمراقبة فقط (3).
يمكن استخدام الاستشعار عن بعد للمساعدة في مبادرات الحد من المخاطر عن طريق تحديد مناطق الخطر الطبيعية المرتبطة بالسهول الفيضية، والغمر الساحلي، والصدوع النشطة (2)، وقد ساعدت بيانات الاستشعار عن بعد في إعداد خرائط مناطق مخاطر الانهيارات الأرضية باستخدام قواعد البيانات عن علم الصخور، والهياكل الجيولوجية، والمنحدرات، والغطاء النباتي، واستخدام الأراضي (4). ويمكن استخدامه أيضًا للتحقق من نماذج المخاطر عن طريق قياس موقع وحجم الأضرار، ويستخدم خبراء الأرصاد الصور على نطاق واسع لتوفير التنبؤ بالطقس والتحذيرات من الأحداث الجوية الشديدة المحتملة، وتزويد الجمهور والمستجيبين للطوارئ بالمعلومات التي يمكن أن تساعد في اتخاذ القرار بشأن الاستعداد على المدى القصير. غالبًا ما تُستخدم صور الحرائق والانفجارات البركانية والفيضانات في أثناء مرحلة الاستجابة؛ وذلك نظرًا للإدراك البصري المباشر الذي توفِّره، فمن المرجح عبر ذلك اتخاذ إجراءات الاستعداد مثل وضع خطط الطوارئ للاتصال والإخلاء أو تجميع مجموعات أدوات الطوارئ، ويمكن أيضًا استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في توفير مؤشرٍ عن معدل التعافي في منطقة ما بعد الكارثة بناءً على مؤشرات مثل إعادة نمو الغطاء النباتي، وإزالة الحطام، وإعادة البناء (2).
فيما يتعلق بالزلازل على سبيل الذكر، تفيد تقنيات الاستشعار عن بعد في التحديد الدقيق لخرائط درجة الخطورة الزلزالية، وذلك عبر تكامل المدخلات المكانية لبيانات الأقمار الصناعية مع الهياكل الجغرافية والصخرية والجيومورفولوجية للمناطق المتضررة، وهذا ما اتُّبع في الهند عبر إنشاء قواعد البيانات الوطنية لإدارة الطوارئ (NDEM) لتشكِّل مستودعًا للبيانات على أساس نظم المعلومات الجغرافية لدعم إدارة الكوارث على كامل نطاق البلد، وتُطبَّق تقنيات الاستشعار عن بعد في الهند أيضًا لمراقبة كوارث الفيضانات في الوقت الفعلي؛ إذ تُركَّب خرائط استخدام الأراضي الحالية في نظام المعلومات الجغرافية (GIS) على طبقات الغمر التي تسبِّبها الفيضانات والمشتقَّة من بيانات الأقمار الصناعية، لتُحدَّد المستوطنات المنكوبة وتُقيَّم الأضرار (4).
تُعدُّ مراقبة الأرض عبر تقنيات الاستشعار عن بعد أداةً فعالةً للحد من أضرار الزلازل باتخاذ التدابير الاحتياطية، وفي أثناء مرحلة إعادة الإعمار، فمثلًا في العام 2008م ضرب زلزالٌ مدمِّر مقاطعة ونتشوان في جمهورية الصين الشعبية، وفي أعقاب الزلزال مباشرةً، أطلقت الأكاديمية الصينية للعلوم مشروعًا بعنوان "رصد وتقييم كوارث زلزال ونتشوان باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد"، التُقِطت أكثر من 400 صورة من 17 قمرًا صناعيًّا و20.2 تيرا بايت من بيانات الاستشعار عن بعد المحمولة جوًّا لتسهيل المراقبة السريعة وتقييم المناطق المتضررة بشدة في 14 منطقة، وأُرسِلت نتائج تحليلات الصور في الوقت المناسب للمساعدة في الخدمة الاستشارية ودعم اتخاذ القرار، وفي السنوات اللاحقة للزلزال، استُخدِم الاستشعار عن بعد من أجل مراقبة عملية استرجاع البيئة وإعادة بنائها؛ إذ التُقِطت مرة أخرى صور الاستشعار عن بعد البصرية المحمولة جوًّا والتي تغطي معظم المناطق المتضررة بشدة في أيار 2009م ونيسان 2010م، ثمَّ حُلِّلت هذه الصور وقُورِنت مع صور من العام 2008م، وكانت النتائج مفيدةً في دعم المزيد من العمل على حماية البيئة وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الزلزال (5).
في دراسة مهمة أخرى، استُخدِمت صورٌ من الأقمار الصناعية لاندسات (Landsat 8) و(Landsat 7) لتقييم الأثر المدمِّر للحرب السورية على مدينة حلب بين عامي 2011م و2017م، وقد هدفت الدراسة إلى استكشاف إمكانات تحليل النسيج الحضري لاكتشاف الأضرار التي تلحق بالمباني ورسم خرائط لها وتحديد الأنماط المكانية والزمانية التي تتوافق مع مراحل مختلفة من الحرب، إذ حلَّلت الدراسة النسيج العمراني لمدينة حلب عبر اثنين من المقاييس القائمة على التحليل النسيجي وهي التجانس والارتباط المستمدة من مصفوفة الوجود المشترك ذات المستوى الرمادي (Gray-Level Co-Occurrence Matrix - GLCM)، وقد أفادت النتائج في تصنيف التغييرات في خصائص الانعكاس داخل البيئات الحضرية الناتجة عن أضرار المباني والتغيرات اللاحقة في هيئة الأسطح، أي النسيج العمراني ككل، وشكَّل التجانس مقياس نسيج أكثر فعالية من الارتباط بدقة إجمالية 79٪ مقابل 50٪، وأشارت النتائج إلى أنَّ ما بين 45٪ و 57٪ من مناطق حلب تضررت خلال فترة الدراسة (6).
في دراسةٍ أخرى أُعِدَّت لتقييم الأضرار التي لحقت بالأحياء الفقيرة عقب إعصار هايان (Haiyan) الذي ضرب مدينة تاكلوبان (Tacloban) في الفلبين عام 2013م، ولدراسة مدى إمكانية إعادة الإعمار وفق مفهوم إعادة البناء على نحوٍ أفضل (build back better) عن طريق تطوير نهج قوي للتعلم الآلي لرصد التغيرات الزمنية للمناطق المحرومة والعشوائية خلال مرحلة الإنعاش الأولى، طوَّرت الدراسة نهجًا قائمًا على طرق تصنيف (SVM) المدعومة بخصائص الأنماط الثنائية المحلية (LBP) لاستخراج مناطق الأحياء الفقيرة من صور الأقمار الصناعية عالية الدقة لفترات ما قبل وقوع الكارثة وخلالها وما بعدها، وقد كشفت الطريقة التي طُوِّرت عن وجود مناطق عشوائية ذات دقة تزيد عن 83%، إضافةً إلى إنتاج خرائط الأضرار والتعافي بناءً على تحليل التغيير في مناطق الأحياء الفقيرة (7).
عن طريق النماذج السابقة، يمكننا القول بأنَّ الاستشعار عن بعد أصبح في العقود الماضية أداةً تشغيليةً في مراحل التأهب للكوارث، والتحذير من الأعاصير، والجفاف، والفيضانات، ولكن لا يمكن استخدام بيانات الاستشعار عن بعد دون أداة تحكم مناسبة للتعامل مع كميات كبيرة من البيانات ودمجها مع البيانات الواردة من مصادر أخرى، مثل الخرائط أو محطات القياس، لذلك إلى جانب نمو تطبيقات الاستشعار عن بعد أصبحت نظم المعلومات الجغرافية (GIS) ذات أهمية متزايدة لإدارة الكوارث (3)، وعلى الرغم من أنَّ تقنيات مراقبة الأرض عن بعد تساهم على نحوٍ كبير في التخفيف من الكوارث وإعادة البناء؛ لكن لابد من تطوير تقنيات المعالجة والتحليل السريع لصور الاستشعار عن بعد لرصد الطوارئ وتعزيز تعاون الفرق متعددة التخصصات لتشكيل تحليلٍ شاملٍ لنظام التكنولوجيا متعدد المصادر بما في ذلك الحصول على بيانات الاستشعار عن بعد متعددة المستويات ومعالجتها، وتطوير تقنيات التحليل الكمي لمقارنة الصور ذات الدقة المكانية العالية والمستخرجة من فترات زمنية متعددة (5).
المصادر: