عقار "الذباب الإسباني"؛ ترياقٌ لبرود المرأة الجنسي، أم سمٌّ للمُجتمع؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
بدايةً، فلنتعرف على الذباب الإسباني (Spanish Fly)؛ هو الاسم الشائع لنوعٍ من الخنافس يُسمى "الذُّرْنُوحَةُ المُنَقِّطَة" (Lytta vesicatoria) المشهورة بلونهاِ الأخضر الزمردي، والتي تنتمي لعائلة الخنافس المقرّحة (Meloidae)، حيث تسبب قروحاً للضحية بإفرازها لمادة الكانثاريدين (Cantharidin)، ويعتبر الكانثاريدين مادة مهيجة ومسببة للنـُّفاطات الجلدية (كالفقاعات الجلدية التي تنتج عن الحروق).
تُنتج هذه الخنفساء الكانثاريدين بغرض الدفاع عن النفس وإبعاد المفترسات عنها، حيث يسيل من بين مفاصل أرجلها على شكل سائلٍ حليبي اللون، وقد اتّضح للمراقبين أن هذه الخنفساء تقوم دائما بإنتاجه و تخزينه، فهو مادةٌ محببة لهذه الخنافس كونه وسيلة للدفاع والهجوم بنفس الوقت، وقد تمكن العديد من الناس منذ القِدم من استخلاص مركب الكانثاريدين من هذه الخنافس بعد تجفيفها ومعالجتها معملياً، وتمكّنوا كذلك من تصنيعها كعقارٍ على شكل مسحوقٍ أو سائل، وسمي هذا العقار شعبياً باسم الذباب الإسباني؛ نسبةً للخنفساء التي تنتجه بالأصل.
إلى الآن يبدو حَرِيَّا بالبشر أن يستخدموه كَسُم! فما علاقته بالإثارة الجنسية للمرأة؟ وكيف بدأ استخدامه؟
تقول المراجع أن مصدر هذا الاعتقاد أتى من مراقبة عملية التزاوج المميزة بين ذكور وإناث هذه الخنافس، فخلالها يقوم الذكر بإعطاء الأنثى حزمةً من النطاف بما يشبه الكيس، لتقوم الأنثى بعد ذلك باستخدام هذه النطاف لتلقيح بيوضها حينما تشعر بالراحة لفعل ذلك، إلا أنّ الإناث قد يرفضنَ قبول هذه النطاف في حال لم تعجبهنّ الحزمة، عندها يقوم الذكر بتحسين عرضه، ويقوم بإفراز كمية من الكانثاريدين (المادة السامة والمحببة لهذه الخنافس) ليقدمها مع حزمة النطاف للأنثى كي تستخدمها لتغطية البيوض وحمايتها من المفترسات، وهذا ما سماه المرجع بهدية الزفاف، وقبول الأنثى لهذه الهدية جعل المراقبين الأوليّين يظنون أن هذه المادة محفزةٌ جنسياً للإناث.
الاستمرار في تصنيع واستخدام هذا المركب يعني أنه جاء بنتائج إيجابية! فما السبب؟
بحسب المراجع، العديد من الناس قد استخدموه ولاقوا نتائج إيجابية، وقد ظهرت عدة تعديلات على هذا العقار لتحسين أداءه والتقليل من الأعراض الجانبية، إلا أن حقيقة أخطار هذا العقار أكبر بكثيرٍ من الغاية المنشودة في التحفيز الجنسي! فقد فُهمت آلية عمل هذا العقار بشكلٍ خاطئ! ومع أنها توهم المستخدم بأنه محفزٌ جنسياً، إلا أنّ مركبات الكانثاريدين (السامة والقاتلة في بعض الحالات) تسبب للمرأة عند تناولها تهيجاتٍ وتقرحاتٍ في المناطق الباطنية للأعضاء التناسلية بما فيها المهبل، وتؤدي هذه التقرحات والتهيجات إلى استجابةٍ مناعية من الجسم، فيزدياد تدفُّق الدم بشدةٍ إلى المناطق المتضررة، ويحدث نتيجةً لهذه الاستجابة شعورٌ قويٌّ يشبه التخرش، ويثير الرغبة الملحة بالحكة لبطانة الأعضاء التناسلية والمهبل، وهنا يكمن سوء الفهم والتفسير، فالضحية في هذه الحالة بحاجة ملحة إلى الحكة وليس الجماع! وقد يقول البعض أن لا بأس في ذلك! فإذا كانت آلية عمل العقار بهذا الشكل، وكانت النتيجة تعزيز الحاجة للجماع بشكلٍ أو بآخر، ما المشكلة في الموضوع؟
المشكلة أن الكانثاريدين لا يصيب المناطق التناسلية فقط! فهو سمٌّ بطبيعته، ويقول أحد أطباء المختصين أن هذا المركب يسبب أيضاً حروقاً في الفم والبلعوم، والتهاباتٍ بولية، وندوباً في الإحليل لدى الرجال، والخطأ في استخدام الجرعة أو زيادتها قد يؤدي للموت!
هل مازال هذا العقار موجوداً في السوق رغم هذه المخاطر؟!
نعم ما زال موجوداً بكمياتٍ محدودةٍ جداً، ويُصَنِّعهُ بعض المنتجين غير المُرخَّصين لكونهِ عقاراً محظوراً في العديد من الدول لما له من تأثيرات سمية على الجسم، وهذا الحظر جعل ضعاف النفوس يُروِّجون بأنه مُنع لنجاحه وقوة فعاليته وخوفاً من سوء استخدامه! وما زالت بعض مواقع الانترنت تسوقه وتحسن من صورته لجعل المتلقي يرغب فعلاً بتجربته، ويباع عادةً على شكل قطراتٍ تشبه القطرة الأنفية، وتتناوله المرأة عن طريق تنقيط قطرة أو قطرتين منه في الفم مباشرةً.
السبب وراء كتابة هذا المقال الإشاعاتُ بأن هناك عقاراً يُستخدم للتحفيز الجنسي لدى النساء وينتشر بين أيدي شبابنا اليوم! لا نعلم حتى الآن إذا كان هذا العقار هو نفسه أحد مشتقات الذباب الإسباني أم لا، ففي حال صادفتم عقاراً يدّعي أنه محفز جنسي للنساء، حاولوا أن تنظروا إلى تركيبه، لتتأكدوا من عدم وجود الكانثاريدين (Cantharidin) أو مشتقاته، ويجب التوضيح هنا: لا يوجد أيُّ عقارٍ فعال حاصل على موافقات الهيئات الطبية العالمية لعلاج البرود الجنسي لدى النساء! فانتبهوا! وكونوا حذرين!
المصادر:
هنا Inglis-Arkell، E (2013). Why Spanish Fly only works on men and is deadly. Daily Explainer. Available online at
هنا
هنا