معظم الماء الموجود في المجموعة الشمسية نشأ قبل تشكل الشمس
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
يتواجد الماء بوفرة نسبيا في مجموعتنا الشمسية. فعدا عن الأرض فقد وجد الماء على القمر، والمريخ، وعطارد، والمذنبات، وعلى الأقمار الجليدية للكواكب العملاقة. ولكن من أين أتى؟ من المعروف أن الماء يتشكل في غمامات الغبار والغاز الموجودة في الوسط بين النجمي وتتحول لاحقاً مشكلة الأنظمة الكوكبية، ولكن هل تتحطم روابط جزئيات الماء ويزول عند تشكل النجوم المركزية نتيجة انبعاث الحرارة والضوء منها، ليعاد تشكيله لاحقا؟ أم أن ذلك الماء البدائي نجا عند تشكل هذا النجم وبقي موجودا حولنا إلى الآن؟
للإجابة عن هذا السؤال قام فريق من الباحثين بقيادة عالمة الفلك ل. إلسيدور كلييفز، من جامعة ميتشيغن، بالتركيز على الديتيريوم؛ وهو نظير الهيدروجين ذو الكتلة الأثقل والذي تشكل أثناء الانفجار العظيم مع الهيدروجين العادي. هنالك حوالي 26 ذرة ديتيريوم فقط مقابل كل مليون ذرة هيدروجين في كافة أرجاء الكون، ولكن هذه النسبة أكبر بـ 6 مرات في الماء الموجود على الأرض وبقية أجسام المجموعة الشمسية. استنتج العلماء بأنه عند تشكل الماء، فإن التفاعل المؤدي لتشكيل الماء الثقيل الغني بالديتيريوم كان أسرع بقليل من تفاعل تشكيل الماء العادي، لذا فإن نسبة الديتيريوم في الماء قد ازدادت. (تحتوي جزيئات الماء الثقيل على الديتيريوم بدلا من الهيدروجين. تبقى خواص الماء الكيميائية ذاتها ولكن الخواص الفيزيائية تختلف كالكتلة ودرجة حرارة الغليان مثلاً).
إلا أن هذه الوفرة في الديتيريوم تمت فقط تحت شروط محددة: إذ يجب أن يتم التفاعل بدرجة حرارة منخفضة جدا تقدر ببضع عشرات من الدرجات فوق الصفر المطلق*، بالإضافة إلى أن التفاعل يحتاج إلى الأكسجين بالإضافة إلى أي أشعة تؤدي لتأيين الجسيمات (قد تتمكن بعض الاشعة إذا امتلكت طاقة كافية من انتزاع الكترون أو اكثر من الذرة مما يجعلها أشد قدرة على اتمام التفاعلات الكيميائية تماما كما تقوم عملية التسخين أو وجود وسيط كيميائي بذلك) وجميع هذه الشروط متوفرة في الاوساط مابين النجمية. فالإشعاع المؤين هناك هو الأشعة الكونية، وهي عبارة جسيمات تنبعث من مصادر بعيدة مخترقة الفضاء بسرعة كبيرة. كما أن العلماء رصدوا وجود ماء غني بالديتيريوم في الأوساط مابين النجمية، لذا فقد يكون هذا هو مصدر الماء في المجموعة الشمسية.
ولكن لاتزال هنالك إشارة استفهام حول نجاة هذا الماء البدائي من العملية العنيفة لولادة الشمس. وللإجابة عن هذا السؤال، سعت كليفز وزملاؤها لتحديد ما إذا كان تفاعل تشكيل الماء ذاته قد حدث بعد تشكل الشمس في القرص المكون من الغبار والغازات المؤدية لتشكل الكواكب. يؤمن وسط كهذا الأكسجين ذاته و درجة الحرارة ذاتها المتوفران في الوسط مابين النجمي لهذا التفاعل، ولكن هل هنالك أشعة مؤينة كافية لذلك؟
قام الفريق ببناء نموذج مفصل حول العمليات الكيميائية المولدة للماء في قرص الكواكب الأولية. معظم الأشعة الكونية تم صدها بواسطة الحقل المغناطيسي للنجم الفتي والجسيمات المنبعثة منه، ولكن هنالك مصادر إشعاع أخرى: الأشعة السينية المنبعثة من النجم والأشعة الصادرة عن النوى الإشعاعية القصيرة العمر في القرص. ولكن أشار الباحثون في تقريرهم : هذه المصادر للأشعة لا تنتج الماء الثقيل بسرعة كافية. " وجدنا أن الماء الثقيل لم يتشكل بوفرة خلال مليون سنة " تقول كلييفز.
قدر الفريق بأن ما يقارب 50% من الماء الموجود على الأرض قد وجد منذ ما قبل ولادة الشمس، أي قبل 4.5 مليار سنة. وهي أخبار جيدة للأنظمة الكوكبية الأخرى. إن الشروط المتوفرة في الأوساط مابين النجمية متشابهة بشكل واسع في جميع ارجاء الكون على عكس الظروف السائدة في أقراص الكواكب الأولية، لذا فمن المرجح أن هنالك ماء في كل مكان بانتظار تشكيل كواكب. " مع ازدياد عدد المنظومات الكوكبية المؤكدة، فاطمئنوا، الماء متوفر كما تقول كليفز.
" إنها نتيجة مثيرة حقا. نحن نتجادل منذ سنوات، حول ما إذا كان أصل الكتل الجليدية في الفضاء يتعلق بالأوساط مابين النجمية " تقول عالمة الفيزياء الفلكية كارين ويلاسي من مخبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا. فقد حاولت مجموعات أخرى أن تضع نموذجا لانهيار الغمامات في الأوساط مابين النجميه عندما تتحول إلى نظم كوكبية، لمعرفة فيما إذا كان الجليد يستطيع أن يصمد، ولكن " النتائج كانت متنوعة ولا تتفق مع بعضها دائما " تقول ويلسي. ولكنها تعتبر أن المقاربة التي اتبعها فريق كليفنز بسيطة وجيدة وتعتمد فقط على الكيمياء المفهومة بشكل جيد.
* الصفر المطلق: هو أخفض درجة حرارة يمكن الوصول إلها نظريا وتعادل -273.15 درجة مئوية.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: Bill Saxton، NSF/AUI/NRAO