هل يبدأ التصلب اللويحي المتعدد من الأمعاء؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
يعتقد العلماء منذ بعض الوقت أن التصلّب المتعدد (Multiple Sclerosis) هو أحد أمراض المناعة الذاتية الناتجة عن مهاجمة خلايا جهاز المناعة للخلايا العصبية، ممّا يؤدي إلى تآكل مادّة الميلين (myelin) وهي مادة دهنية عازلة تحيط بالخلايا العصبية وتضمن نقلاً أفضل للإشارات الكهربائية عبر الخلايا العصبيّة مما ينظّم عملية تحرير النواقل العصبيّة للتحكّم بوظائف الجسد والدماغ أيضاً.
وفي دراسة جديدة نشرت هذا العام، اقترح الباحثون أنّ هذه الاستجابة المناعية ضدّ الخلايا العصبية قد يكون منشأها من الأمعاء .. ولكن كيف ذلك؟
ثمانون بالمئة من الجهاز المناعي يقع في جهازنا الهضمي، إلى جانب ترليونات البكتيريا التكافليّة و الفطريّات والعديد من الكائنات وحيدة الخليّة التي تتواجد بشكل طبيعي في الجهاز الهضمي. في الأوضاع الطبيعية تتعايش هذه الكائنات بشكل يحقق الفائدة لها و لنا فهي تتمتع بالمأوى والمصادر الغذائية و نحن نستفيد من المساعدة التي تقدّمها في وظائف الأيض والهضم، كما تساعد أيضاً في عملية "معايرة" الجهاز المناعي؛ أي تمييز الكائنات طبيعية التعايش في جسمنا عن تلك المتطفلة. تتزايد الأدلة على أن اختلال توازن الكائنات المتعايشة طبيعياً في جسمنا قد يسبب العديد من الأمراض مثل السّكري و التهاب المفاصل والتوحد بالإضافة إلى التصلّب المتعدد عن طريق تحفيز نشاط مناعي شاذ ينتشر في الجسم وصولاً إلى الدماغ.
في إحدى الدراسات لوحظ ازدياد أعداد كائن وحيد الخليّة يسمّى methanobrevibacteriaceae يسبب تفعيل الجهاز المناعي في أمعاء الأشخاص المصابين بالتصلب المتعدد في حين كان لديهم انخفاض في عدد البكتيريا التي تكبح الجهاز المناعي.
وفي عمل آخر- نتج عن التعاون بين 10 مراكز للبحث الأكاديمي في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا- وجد الباحثون تغيراً كبيراً في الكائنات الدقيقة الموجودة في أمعاء المصابين بالتصلب المتعدد، كما وجد باحثون يابانيون أن استهلاك الخميرة يقلل من احتمال الإصابة بمرض التصلّب المتعدد (أو ما يعادله) لدى الفئران عن طريق تغييرات في الكائنات الدقيقة الموجودة في أمعائها.
وقد ربط الباحثون معدّلات حدوث التصلّب المتعدد مع اختلاف الأنماط الغذائية بين المناطق الجغرافية المختلفة، حيث وجدوا أن الأشخاص المهاجرين من دول غير غربية -بما في ذلك الهند- توجد لديهم معدّلات أقل للإصابة بالتصلّب المتعدد مقارنة بهؤلاء الذين يعيشون نمط الحياة الغربي خصوصاً في غذائهم.
ولتحديد العلاقة بين ميكروبات الأمعاء والتصلب اللويحي المتعدد، قامت أربع مراكز بحثية في الولايات المتحدة بتشكيل اتحاد لدراسة هذا الموضوع. وقد عرض الباحثون نتائج تشير إلى انخفاض ملحوظ في كثافة وجود البكتيريا في أمعاء الأشخاص الذين حاولوا معالجتهم من التصلّب اللويحي المتعدد باستخدام عقار يسمى glatiramer acetate مقارنة مع أولئك الذين لم يُعالجوا بعد.
آلية عمل هذا العقار في علاج التصلب اللويحي المتعدد غير معروفة تماماً، ولكن يقترح العلماء أنّ هذا العقار يؤثر على الميكروبات المعوية بطريقة تقلل من نشاط الجهاز المناعي غير المرغوب فيه. وقد أوضح الباحثون في هذا المجال أنّ العلاج المعتمِد على مراقبة الأنماط الغذائية وتغييرها هو علاج جدير بالمتابعة والدراسة، وأشاروا أيضاً إلى أن العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالتصلّب اللويحي المتعدد هي عوامل مختلفة ومتعددة، منها العوامل الجينية ومنها العوامل البيئية، وقد تم التعرف الى ما يزيد عن مئة من المتغيّرات الوراثية -المرتبطة بعمل الجهاز المناعي- والتي تتسبب في حدوث المرض بالإضافة إلى العديد من العوامل الخارجية مثل: نقص فيتامين د و التدخين و السمنة والإفراط في تناول الملح.
إنّ الشيفرة الوراثيّة الخاصّة بنا تلعب دوراً في استجابة الجسد والدماغ الى العوامل الخارجية مما يربك العلماء عند محاولة تحديد الأسباب الحقيقية لمرض ما. ومن الممكن أن كلّاً من الجينات والعوامل البيئية يؤديان إلى تشكل بيئات ميكروبية ممرضة في أمعائنا، أو أنَّ مزيجاً سيئاً من هذه العوامل المختلفة يؤدي إلى تحفيز استجابة مناعية ذاتية تهاجم المايلين وتؤدي الى تخريبه.
فهل من الممكن أن نتمكن من العثور على السبب الحقيقي وراء التصلّب اللويحي المتعدد؟ شاركونا بآرائكم