دلّت التحليلات لبيانات بعض تلسكوبات الأشعة السينية أن الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة قد يكون مصدراً لجسيمات النيوترينو * . وفي حال تم تأكيد ذلك فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتعقب فيها العلماء مصدر جسيمات النيوترينو الى ثقبٍ أسود.
هذه البيانات أتت عبر ثلاثة تلسكوبات تابعة لناسا NASA وموضوعة في مدار حول الأرض لترصد الكون ضمن مجال الأشعة السينية وهي : مرصد تشاندرا للأشعة السينية ، بعثة سويفت لأشعة غاما و التلسكوب الطيفي النووي (NuSTAR) .
جسيمات النيوترينو هي جسيمات صغيرة عديمة الشحنة وتتفاعل بشكل ضعيف جداً مع الالكترونات والبروتونات. على عكس الضوء أو الجسيمات المشحونة يمكن لهذه الجسيمات أن تنبعث من أبعد مصادرها الكونية وتسافر عبر الكون دون أن يتم امتصاصها عن طريق مادة دخيلة ، أو أن تنحرف بواسطة الحقل المغناطيسي كما في حالة الجسيمات المشحونة.
تتعرض الأرض باستمرار لشلالات غامرة إن صح التعبير من جسيمات النيوترينو القادمة من الشمس . مع ذلك فطاقة جسيمات النيوترينو القادمة من ماوراء النظام الشمسي يمكن أن تكون أعلى بملايين أو مليارات المرات. ويبحث العلماء منذ فترة طويلة عن منشأ جسيمات النيوترينو ذات الطاقة العالية جدا ومافوق العالية.
يقول يانغ باي من جامعة ويسكونسن في ماديسون ، والذي قام باعداد دراسة عن هذه النتائج نشرت في مجلة Physical Review D " اكتشاف منشأ جسيمات النيوترينو العالية الطاقة هو أحد أكبر المشاكل في الفيزياء الفلكية اليوم ، نحن الآن نملك الدليل الأول حول إمكانية كون مصدر فلكي – الثقب الأسود العملاق الموجود في مجرة درب التبانة – هو مصدر جسيمات النيوترينو العالية الطاقة تلك .
تمر جسيمات النيوترينو عبر المادة بسهولة دون أن تتفاعل مع الإلكترونات والبروتونات إلا بشكل ضعيف جداً لذلك من الصعب جداً بناء كواشف جسيمات تُبيّن مصدر هذه الجسيمات تماماً . قام مرصد النيوترينو ايس كيوب IceCube Neutrino Observatory و الواقع تحت القطب الجنوبي بالكشف عن 36 نيوترينو عالي الطاقة منذ أن تم تشغيله في 2010 .
بالجمع مابين امكانيات كاشف IceCube والبيانات من تلسكوبات الأشعة السينية الثلاث كان العلماء قادرين على البحث عن الأحداث العنيفة في الفضاء والمنسجمة مع وصول جسيمات نيوترينو عالية الطاقة الى الأرض . يقول المؤلف أنديرا باترسون من جامعة ويسكونسن أيضا " تحققنا لمعرفة ماحدث بعد أن شهد تشاندرا أكبر انفجار تم كشفه من *Sagittarius A، الثقب الأسود الهائل الموجود في مجرة درب التبانة ، وبعد أقل من ثلاث ساعات تم الكشف عن جسيمات نيوترينو في كاشف IceCube .
بالاضافة الى ذلك التقطت جسيمات نيوترينو عدة مرات خلال الأيام التالية لانفجارات من الثقب الأسود الهائل الضخامة والذي تمت ملاحظته من قبل تلسكوب Swift والتلسكوب الطيفي النووي NuSTAR. تقول المؤلفة المشاركة في البحث ايمي بارجر من جامعة ويسكونسن" سيكون اكتشافاً هاماً جداً اذا وجدنا أن هناك جسيمات نيوترينو تصدر عن الثقب الأسود Sagittarius A*، فذلك دليل هام يمكن للعلماء أن يتبعو نتائجه.

يعتقد العلماء أن أعلى جسيمات النيوترينو طاقةً نشأت عن الأحداث الأكثر تأثيراً في الكون كاندماج المجرات ، سقوط المواد نحو الثقوب السوداء الضخمة ، و"الرياح" حول النجوم الكثيفة الدوارة والمسماة بالنجوم النابضة. (الرياح النجمية عادةً هي التيارات من الجسيمات المشحونة والتي عبر الفضاء نتيجة لنشاط النجم، كالرياح الشمسية مثلا). لا يزال فريق الباحثين يحاول تطوير مسألة كيف يمكن لجسيمات النيوترينو أن تصدر عن الثقب الأسودSagittarius A*. أحد الأفكار المطروحة هي امكانية حدوث ذلك عندما تتسارع الجسيمات حول الثقب الأسود بسبب موجة صدم ،مما ينتج عنه جسيمات مشحونة تتفكك لتعطي جسيمات نيوترينو.
هذه النتائج الأخيرة يمكن لها أن تسهم أيضا في فهم لغز كبير آخر في الفيزياء الفلكية : مصدر الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية . فبما أن الجسيمات المشحونة التي تشكل الأشعة الكونية تنحرف بواسطة حقل مغناطيسي في مجرتنا ، لم يكن العلماء قادرين على تحديد مصدرها . ولكن في حالة صحة التفسير السابق فيمكن للجسيمات المشحونة المتسارعة بواسطة الموجة الصدمية بالقرب من Sagittarius A* أن تكون مصدرا هاما من مصادر الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية جداً.

* للمزيد حول تعريف جسيمات النيوترينو هنا
المصدر: هنا