حلُّ لغزِ الجمجمة المثقوبة العائدة للقرن الخامس عشر الميلادي
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
حلَّ الباحثون من جامعة بيزا في إيطاليا لغزَ الجمجمة المثقوبة، والذي حيَّر الجميع فترة طويلة، وتعود هذه الجمجمة -التي تحمل ستة عشر ثقبًا بأحجام وأعماق مختلفة- لأحد الشهداء الإيطاليين الثمانمئة الذين قُطعت رؤوسهم على تلة خارجَ مدينة أوترانتو في أبوليا من قِبل العثمانيين في القرن الخامس عشر عندما رفضوا التخلي عن إيمانهم المسيحي؛ إذ لقي هؤلاء حتفهم في الرابع عشر من شهر أغسطس/آب من عام 1480م، بعد حصار ضربه العثمانيون بقيادة غيديك أحمد باشا حول المدينة، والذي دام خمسة عشر يومًا، وأسفرَ الهجوم على المدينة عن قتل رجالها كلّهم الذين تجاوزت أعمارُهم الخمسين عامًا؛ في حين ذُبِحَت النساء مع الأطفال الذين قلَّت أعمارهم عن الخامسة عشر أو بيعوا في سوق الرقيق الألباني، وبعد ذلك أُمِرَ من بقي من الرجال حينها -والذين تجاوزَ عددُهم الثمانمئة- باعتناق الإسلام، وبعد رفضهم ذلك؛ سِيقَ الرجال لتلة مجاورة وقطعت رؤوسهم هناك واحدًا تلو الآخر. المصادر :
ثُقِبت الجمجمة لاحقًا -على الأرجح- للحصول على مسحوق العظام؛ لاستخدامه في علاج أمراضٍ كالشلل والجلطة الدماغية والصرع، والتي كان الاعتقاد السائد حينها يُحيلها لأسباب تتعلق بالسحر والشياطين.
وأمّا بالنسبة إلى الشهداء؛ فقد طُوبوا في عام 1771م، واختِيروا كقديسين من قِبل البابا فرانسيس في الثاني عشر من مايو/أيار عام 2013م، وأُطلقَ عليهم "شهداء أوترانتو"، وتبقى هوية معظم هؤلاء غير معروفة، ولكنهم اليوم القديسون الرعاة لمدينة أوترانتو.
تُعرض اليوم رفاةُ هؤلاء الشهداء على نحوٍ مميز خلف خمسة جدران زجاجية في كاتدرائية أوترانتو، وقد اصطفَّت جماجمهم بعناية في خط أفقي، وأُديرت وجوههم؛ لتواجه وجوه زوارها؛ إلا واحدة وُضِعَت في صف سفلي في النافذة الوسطى، مقلوبةً بأسلوبٍ يجعل من قحفها يواجه وجوه الزوار.
"أغلب الظن أن العينة قد وُضِعَت بهذه الطريقة بغرض عرض سلسلة الثقوب في الحجرة الجمجمية"؛ بحسب قول البروفيسور في تاريخ الطب وعلم أمراض المومياء من جامعة بيزا جينو فورناتشياري، وقول زملاء آخرين في عدد فبراير/شباط من مجلة إثنو - فارما - كولوجي.
لاحظَ الباحثون على االرغم من عدم قدرتِهم على إخراج الجمجمة ودراستها لاستحالة فتح النافذة أنَّ الثقوب كانت دائرية، وتمثِّل
ثمانٍ من التخريمات الستة عشر ثقوبًا كاملةً مُدورة مخروطية الشكل على كامل ثخانة العظم، بينما كانت الحواف جدرانًا مدورةً تمامًا.
ويعلِّق البروفيسور فورناتشياري فيقول: "يقودنا الشكل تام التقعر للثقوب غير المكتملة إلى افتراض استخدام نوعٍ خاصٍ من منشار الجماجم بشفرة ذات شكل هلالي أو لسان مدور، وإنَّ أداة كهذه لا يمكن أن تُنتج أقراصًا من العظم؛ بل مسحوق عظام فقط". هذا يجعل من جمجمة أوترانتو دليلًا فريدًا يدعم الاعتبارات التاريخية القائلة باستخدام مسحوق عظام الجماجم كمستحضرات دوائية.
يعدُّ "هذا الاكتشاف مهم جدًا لأنه يحمل سياقًا دينيًا" بحب قول فورناتشياري لديسكوفوري نيوز؛ ذلك لأن بودرة عظام جماجم القديسين، أو أولئك الذين ماتوا ميتاتٍ عنيفة ولم يدفنوا كانت تعدُّ ذات مفعول خاص، وهناك العديد من الوصفات الطبية العائدة إلى أواخر العصور الوسطى التي تدل على ذلك.
"كان الرأس يعدُّ من أهم أعضاء جسم الإنسان، وكان الاعتقاد السائد يومها أن الرأس هو مَسكن القوى الروحية الخفية، والتي تبقى هناك حتى بعد الموت" بحسب تعبير فالنتينا غيفرا من جامعة بيزا، قسم دراسات أمراض المومياء لنيوز ديسكوفري.
فقد أوضح الكيميائي الفرنسي نيكولا ليميري (1645م- 1715م) في كتابه فارماكوبيه أونيفيرسيل -الذي يتناول التركيبات الدوائية- أنَّ شراب مسحوق عظام الجماجم ينفع ضد "الشلل والجلطات الدماغية والصرع وغيرها من أمراض الدماغ"، ثم أوضح قائلًا بأن "الجرعة تتراوح بين اسكربلٍ ونصف وحتى اسكربلين اثنين" (1)
ويضيف قائلًا : "إنَّ جمجمة من مات موتًا قاسيًا فُجائيًا أفضل من تلك العائدة لمن مات بعد مرض طويل أو لمن كان مدفونًا في مقبرة؛ فالأول ما زال يحتفظ بكل أرواحه في حين استُهلكت كلُّها عند الاثنين الآخرين؛ إما بسبب المرض أو الموت"
وحسب فورناتشياري؛ إنَّ أغلب الظن أن ثقب الجمجمة قد حصل في مرحلة ترتيب العظام في الخزانة الزجاجية في الكاتدرائية، والذي كان في عام 1711م؛لكن السبب وراء اختيار تلك الجمجمة بالذات سيظل لغزًا محيرًا؛ إذ "لا توجد دلائل معينة تدفعنا للاعتقاد بأن جمجمة هذا الشهيد تحمل أيّة أهمية أو أي شأن خاص" بحسب قول فورناتشياري.
(1) السكربل واحدة لقياس الوزن عند العطارين القدماء تساوي عشرين قمحة