يمكن للنشاط البركاني في قاع المحيطات أن يؤثر على المناخ
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم الأرض
لكن دراسةً جديدةً أظهرت أن هذه البراكين تثور بدوراتٍ منتظمةٍ مثيرةٍ للاهتمام؛ تمتدّ من أسبوعين إلى مئة ألف عام. ومن الملفت أيضاً أن هذه البراكين تنشط بشكل خاصٍ خلال النصف الأول من كل عامٍ مما يدلّ على أن هذا النشاط (المحتمل ارتباطه بالتغيرات قصيرة وطويلة الأمد في مدار الأرض وتغير مستويات سطح البحر) يمكن أن يتسبب في حدوث تقلباتٍ مناخيةٍ طبيعية.
افترض العلماء سابقاً أن البراكين على الأرض والتي تطلق كمياتٍ هائلةً من ثاني أكسيد الكربون يمكن تؤثّر على المناخ، إلا أن البراكين الواقعة في أعماق المحيطات لم تؤخذ بالحسبان مما يعني الحاجة إلى تعديل النماذج المناخية الأرضية المتوفرة حالياً.
تقول باحثة الجيوفيزياء البحرية في جامعة كولومبيا صاحبة الدراسة Maya Tolstoy أن الاعتبار السابق الخاطئ بضآلة تأثير هذه البراكين ينبع من الاعتقاد باستقرارها إلا أنه قد تبين استجابتها للقوى الكبيرة والصغيرة جداً مما يوجب دراستها بشكل أدقّ. وقد دعمت دراسةٌ مستقلةٌ مشابهةٌ هذه النتائج حيث توصل فريقٌ من الباحثين إلى أن البراكين الموجودة تحت المحيط في منطقة القطب الجنوبي تسلك نفس السلوك الذي أوضحته Tolstoy بالرغم من أن دراستها لم تشمل البراكين في هذه المنطقة.
إن السلاسل النشطة بركانياً في قاع البحر والتي تشبه الخيوط في كرة البيسبول تمتد على مسافة تكاد تبلغ 60 ألف كيلومتر وهي عبارة عن حوافّ لصفائحٍ تكتونيةٍ عملاقةٍ تنمو مع خروج الحمم الخارجة لتشكل أرضياتٍ جديدةً لقاع المحيطات والتي تشكل نحو 80% من قشرة الأرض. وكانت معرفتنا القديمة تقول بأن هذه السلاسل البركانية تثور بمعدلٍ مستقرٍ وثابتٍ، ولكن Tolstoy وجدت أنها حالياً في حالة كسل. وبالرغم من أن هذه البراكين تنتج ما يقارب ثمانية أضعاف النواتج البركانية لبراكين اليابسة إلا أنها وبسبب التركيب الكيميائي للماغما تطلق من غاز ثاني أكسيد الكربون ما يقارب نفس كمية الناتج من براكين اليابسة أي حوالي 88 مليون طن خلال عام واحد.
يظن بعض العلماء أن البراكين تعمل بالتوافق مع دورات ميلانكوفيتش وهي التغيرات الحاصلة في مدار الأرض حول الشمس وميل واتجاه محور الأرض أثناء دورانها والتي تنتج فترات التأرجح في الحرارة الدافئة والباردة.
وقد وضع الباحثون فرضية تقول بأن الغطاء الجليدي الذي وجد على الأرض قام بالضغط على براكين اليابسة ومنعها من الانفجار ولكن عندما بدأ الطقس يميل إلى الدفء وبدأت الأغطية الجليدية بالذوبان زال الضغط جزئياَ عن هذه البراكين مما سمح لها بالثوران وبالتالي اطلاق كمياتٍ من غاز ثاني أكسيد الكربون التي أدت لزيادة الحرارة وإذابة المزيد من الغطاء الجليدي. وتبعاً لإحدى الأبحاث الصادرة عن جامعة هارفارد فقد ازداد معدل ثوران البراكين في أنحاء الأرض بمعدل ست إلى ثماني مرات خلال عصر ذوبان الجليد الأخير عن معدل ثورانها السابق، ومن الطبيعيّ حصول العكس للبراكين في قاع المحيطات. فمع تناقص حرارة الأرض انخفض مستوى البحار والمحيطات ليبلغ هذا التناقص بحدود ال 100 متر بسبب تحول الكثير من المياه الى جليدٍ وهذا ما خفف الضغط عنها وأدى لانفجارها بشكل أكثر توتراً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدّة: هل يمكن لغاز ثاني أكسيد الكربون المنطلق من البراكين المغطّاة بالمياه أن يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة بما يكفي لإذابة الغطاء الجليدي فوق البراكين المتواجدة على سطح الارض؟
قامت Tolstoy مع بعض من الباحثين برصد مواقع عشرة ثورانات بركانية تحت المحيطات باستخدام أدواتٍ وطرقٍ زلزاليةٍ – اهتزازية " seismic" جديدة وقاموا أيضاّ بوضع خرائط عالية الدقة لتدفق الحمم واللافا السابق في المحيط الهادئ.
أظهرت المعلومات والمعطيات التي تم الحصول عليها والتي ترجع إلى 700000 عام أنه خلال العصر الجليدي عندما كانت مستويات البحار والمحيطات أقل تسببت الانفجارات البركانية تحت المائية بتشكيل سلاسل من التلال في قاع المحيطات، ومع ميل المناخ الى الدفء و ارتفاع مستويات الماء إلى ما هو شبيه بالوقت الحاضر تباطأ تدفق اللافا والحمم البركانية مشكلآ تضاريسَ منخفضةً.
لم تعزُ Tolstoy هذه التأثيرات فقط بتغير مستويات المياه، بل ربطت هذه التغيرات بتغير مدار الأرض أيضاً، فعندما يكون مسار الأرض حول الشمس بيضويّ الشكل أكثر فستتعرض الأرض لضغوطٍ متفاوتةٍ من قبل جاذبية الشمس بمعدلات سريعةٍ ومتفاوتةٍ بسبب دورانها اليومي حول نفسها بنفس الوقت. مما يتسبب بتفاوتٍ سريعٍ للضغط الذي تتأثر به الحمم البركانية والطبقات اليابسة التي تعلوها وبالتالي يكون اندفاع وحركة اللافا إلى السطح أكثر تذبذباَ مما هو عليه عندما يكون مدار الأرض حول الشمس شبه دائري كما هو عليه الحال الآن.
و تقول الباحثة أيضاً أن المعطيات الاهتزازية تدل على أن هذه البراكين تميل الى النشاط بفترات رئيسية تتكرر بفاصل زمني يبلغ أسبوعين نتيجة الارتباط بالجدول الزمني للجاذبية المشتركة للشمس والقمر والتي تتسبب في هذه الفترات بحدوث الجزر الذي يترافق بانخفاض مناسيب المياه وتخفيف الضغط على البراكين تحتها.
تم تأكيد هذه النتائج في ثمانية مواقع من اصل تسعةٍ وتبين أن هذا النشاط البركاني يحدث بشكل رئيسي بين شهري كانون الأول حيث تكون الأرض في أقرب موقع لها من الشّمس وحزيران حين تكون الأرض أبعد ما يكون عن الشمس. هذه الفترة تتشابه فيها ظروف التباين في جاذبية الشمس والقمر بشكل مشابه لتباينها على المدى الطويل والذي تمت الإشارة إليه سابقاً.
وقد أشار العلماء المطلعون على هذه الدراسة إلى أهميتها في تحديد التغيرات التي طرأت على مدى عشرات و مئات الآلاف من الدورات المناخية وذلك بالرغم من عدم الوضوح الذي يعتري مصدر المعطيات الاهتزازية فقد تكون هذه المعطيات ناتجةً عن حركة اللافا أو مجرد حركات تكتونية وانكسارية في قاع المحيطات.
ولكن أكثر ما قدمه هذا البحث أهميةً "تبعاً لـعالم المحيطات المرموق Edward Baker" يكمن في الدليل الذي يقدمه على أن الأرض الصلبة والهواء والماء كلٌ يعملون في إطار نظامٍ واحدٍ.
كلمة أخيرة:
لقد قام الانسان خلال عدة قرون فقط بالكثير الكثير من التأثيرات على عناصر هذا النظام المتكامل بينما لا يزال وعي الجنس البشري متواضعاً لنتائج هذه الأفعال. فهل سيسمح هذا النظام للجنس البشري بالاستمرار أم أننا بدأنا نلحظ ونعي النتائج الكارثيّة لما اقترفناه؟
المصدر:
هنا