الكوكب القزم "بلوتو" يترقّب وصول مهمة استكشافية ضخمة.
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
السبب وراء هذا الحماس الكبير هو أن بلوتو على وشك تلقي زيارة من مركبة فضائية في منتصف شهر تموز 2015، بعد رحلة تسع سنين ونصف، قطعت خلالها المركبة 3 مليار ميل، وعند وصولها ستقوم المركبة التي يبلغ حجمها حجم بيانو كبير بالتحليق حول الكوكب القزم بمدار ارتفاعه 7750 ميل.
المهمة الفضائية والتي أطلق عليها اسم New Horizons "آفاق جديدة" ستزود العلماء بأول المناظر المأخوذة من هذا القرب لكل من بلوتو وأقماره الخمسة، فالبعثات السابقة لم يسبق لها أن وصلت لهذا القرب. "ألين ستيرن" من معهد "ساوث ويست" يقول أن المركبة تحمل أقوى الأجهزة والمعدات على الإطلاق بالنسبة لبعثات استكشاف الكواكب. وبالفعل لقد حصلت المركبة حاليا وحتى قبل أن تصل إلى هدفها على لمحات مثيرة من علامات سطح بلوتو، وتشير تلك العلامات على إمكانية امتلاك بلوتو لغطاء جليدي قطبي مشابه لذلك الموجود على المريخ والأرض. ويضيف "ستيرن" بانهم يشاهدون ملامح حقيقية لبلوتو لأول مرة.
كما أن Jay Pasachoff رئيس قسم الفلك في كلية Williams كان قد أوضح طبيعة العمل والمهمات التي ستقوم بها المركبة الفضائية خلال مؤتمر صحفي، وأضاف بان الصفات والملامح التي يعلمونها عن بلوتو هي اقل من التي يعلمونها عن أي كوكب نظامي أو حتى عن الكثير من الكويكبات، فكل ما يعرفونه هي صور بدقة بضع بيكسلات لعدد من البقع الموجودة على سطحه.
مع ذلك فإن هذه البقع قد أعطت الفلكيين فهماً أفضل لنظام بلوتو كتصور معقول لحجم ومساحة الكوكب وكثافته بالإضافة إلى فهم سليم للغلاف الجوي للكوكب و غلاف قمره الرئيسي "شارون"، كما أن الفلكيين اكتشفوا ظاهرة لم تكن متوقعة وهي ظاهرة الاحتباس الحراري على الكوكب.
ما نعرفه عن بلوتو:
بمجرد اكتشاف الفلكي "Clyde Tombaugh" للكوكب الأبعد في المجموعة الشمسية عام 1930 أدرك الفلكيون بأن هذا الكوكب “بلوتو” سيكون مبهماً وسيشكل حالة من الغموض.
بغض النظر عما تدعوه –كوكباً أو قزماً- لا يمكنك إنكار كون بلوتو جسماً ساحراً. كونه أصغر بكثير من الكواكب الأربعة الضخمة الموجودة بينه وبين المريخ، كما أن بلوتو يبدو وكأنه يرقد على جنبه نظراً لأن أحد قطبيه يواجه الشمس بشكل دائم. كما أن مداره بعيد جداً عن الشكل الدائري فهو يملك انحرافاً مدارياً حول الشمس اكثر بـ 30 إلى 50 مرة من انحراف مدار الأرض.حتى أن بلوتو كان قد تحرك بين عامي 1979 و1999 إلى داخل مدار كوكب نيبتون.
Image: NASA/JHUAPL
حجم بلوتو الضئيل إلى جانب اكتشاف العديد من الأجسام العابرة لمدار نيبتون من نفس الحجم، أقنع الاتحاد الفلكي الدولي في العام 2006 للقيام بالتحرك المثير للجدل وإعادة تصنيف بلوتو على أنه كوكب قزم عوضاً عن كونه كوكباً كاملاً.
البعض من الفلكيين انتقدوا هذا القرار ومنهم الفيزيائي الفلكي نيل ديغراس تايسون، ولكن معظم الفلكيين تقبلوا هذا التغيير.
العودة إلى الفيزياء القديمة:
قمر بلوتو "شارون" المكتشف في العام 1978،كان العامل الأول الذي مكّن العلماء من تحديد كتلة بلوتو. بما أن "شارون" يبلغ 1/8 من كتلة بلوتو، وبنسبة كتلة (قمر إلى كوكب) تعد الأكبر في المجموعة الشمسية، ولذلك فإن "شارون" يمارس جاذبية قوية على بلوتو.
بتطبيق صيغة وُضعت أصلاً من قبل اسحق نيوتن بالنسبة لقوى التجاذب بين جسمين اثنين، اكتشف العلماء أن لبلوتو 2/1000 أو 0.002 من كتلة الأرض وليس 90% كما اعتقد سابقاً، وهذه كتلة صغيرة جداً بالنظر إلى أن 7 أقمار في المجموعة الشمسية ومن ضمنها قمرنا تمتلك كتلة أكبر من ذلك.
هذه الصيغة سمحت أيضاً لعلماء الكواكب بتقدير قطر بلوتو بحوالي 2367 كم بهامش خطأ 8 كم، مما يجعل عرض بلوتو ثلثي عرض القمر. وفي العام 1985 وباستخدام تقنية الكسوف، التي تستخدم لمراقبة الكواكب أثناء مرورها من أمام نجم ما، تم التحقق من امتلاك كلاً من بلوتو وقمره شارون لغلافٍ جوي.
تكنولوجيا جديدة، أسئلة جديدة:
لتحديد تركيب الغلاف الجوي لكل من بلوتو وقمره، قام العلماء باللجوء إلى مراصد الأشعة تحت الحمراء في هاواي وكشفوا عن اختلافات كبيرة بين مكونات الغلافين الجويين.
"نحن نعرف منذ العام 1990 أن الماء المتجمد يغلب على "شارون" أما "بلوتو" فيغلب عليه النتروجين والميثان وجليد أحادي أوكسيد الكربون" كما يعلق أحد الفلكيين.
الاختلاف هذا بالإضافة إلى امتلاك الجسمين لكثافتين مختلفتين يطرح سؤالاً محيراً على البعثة الاستكشافية "New Horizon": ما هو السبب الذي أدى لهذا الاختلاف؟
آخر واحدث مصدر للمعلومات كان قد أتى من مرصد هابل الفضائي والذي يوفر دقة أفضل ب7 أضعاف من المراصد الأرضية. بيانات هابل إضافة لإجراء رياضي يدعى deconvolution -وهي عملية تحلل شيء ما إلى العناصر المكونة له أو تزيل التعقيدات المرتبطة به من أجل توضيحه- ساعدا العلماء على تحديد معالم سطح "بلوتو”.
الصور الملتقطة من قبل هابل ساعدت كذلك على اكتشاف القمرين الصغيرين "نيكس" و"هيدرا" واللذان يبلغ قطر كل منهما بين الـ 45 و61 كم وكان ذلك الاكتشاف في العام 2005، أما في العامين 2011 و2012 على التوالي فتم اكتشاف تابعين جديدين لبلوتو هما "كيربيروس"و"ستيكس" والفضل يعود أيضاً لهابل.
وبالعودة إلى المركبة الفضائية New Horizon" فقد خشي العديد من الفلكيين قبل بدء الرحلة من أن الغلاف الجوي لبلوتو سيكون متجمداً تماماً قبل وصول المركبة إليه حيث أن بلوتو في هذه الفترة يتجه ضمن مداره بعيداً عن الشمس. ولكن أظهرت الدراسات التي تمت عام 2002 أن درجة حرارة غلاف بلوتو الجوي أخذة في الارتفاع بسبب الحفظ الحراري "التأخير الحراري" وهو السبب نفسه الذي يجعل من الغلاف الجوي للأرض بأن يكون في الساعة الرابعة ظهراً أكثر حراً من منتصف الظهيرة.
أما الآن ومع اقتراب المركبة الفضائية من بلوتو فإن العلماء من جميع أنحاء العالم يقومون بتجهيز ملاحظاتهم حول بلوتو لمقارنتها ودمجها مع ما ستكشفه المركبة.
"كإنسان قبل أن أكون فلكياً أود رؤية صور عظيمة للكوكب، أود لو أرى سطح الكوكب، فوهات البراكين والوديان والجبال، وكل ما كان يبدو من قبل كنقطة في التلسكوب" هكذا ختم ويليامز المدير المساعد لمرصد"سميثسونيان" قوله بهذه الكلمات الجميلة.
ونحن كلنا كبشر علينا الشعور بالعظمة عندما نرسل مركبة من صنعنا لمليارات الأميال في الفضاء لتكشف لنا خفايا وأسرار تلك العوالم البعيدة.
المصدر: هنا