مراجعة كتاب (الطفرات العلمية الزائفة): العِلمُ بين الحقيقة والوهم
كتاب >>>> الكتب العلمية
هل تسألون أنفسكم عن السبب ؟! حسناً إليكم الإجابة.
أحدهم أقنع هؤلاء بأن كوكب الأرض على وشك الفناء وفرصتهم الوحيدة للنجاة هي المغادرة على متن سفينة فضاء عملاقة تتبع مذنباً اسمه "هالي-بوب"، وبموتهم في وقت واحد سينتقلون بخفة مع مجموعات من كواكب أخرى إلى تلك السفينة الفضائية التي ستأخذهم إلى مستوى أرقى في الوجود هناك حيث مستقرهم الأخير...." الجنة المفترضة".
لكن كيف لمجموعة من البشر البالغين العقلاء الذين يعيشون في عصرنا الحالي أن يتم خداعهم بهذه الطريقة التي أودت بحياتهم في أكبر انتحارٍ جماعي سجلته الولايات المتحدة الأمريكية. هذا قابل للحدوث عندما يُطمس العلم الحقيقي ويسود العلم الزائف.
لكن أنتم يا من تسخرون من أولئك المخدوعين، هل تظنّون أنكم تمتلكون مقداراً من الوعي يخوّلكم ألا تقعوا في تضليلات العلم الزائف ؟!
حسناً في هذا المقال سنتعرف على أكثر الكتب إمتاعاً وتبسيطاً في طريقة عرضه للمنهج العلمي في التفكير وأشهر الفرضيات العلمية الزائفة، وستدركون-للأسف-أن معظمنا يتشبث بمعتقد ما لا يمت للعلم بصلة.
جميعنا نميل للالتزام بآراءٍ وقناعاتٍ ومعتقدات حتى حين يثبت لنا أن هذه الآراء منافية للمنطق أو مبنية على أدلة مغلوطة!
لذلك قرر أستاذان في الفيزياء والكيمياء أن يشتركا في تأليف كتاب باسم (الطفرات العلمية الزائفة)، لتجنيبنا الوقوع في شرك العلم الزائف إن كنّا مضلّلين، أو حتّى إن كنا من هؤلاء "المتشبثين بالمعتقد"، فالكتاب يساعد هذه الفئة أيضاً في التغلب على مقاومتهم غير المنطقية للتغيير وذلك من خلال " مساعدتهم في التركيز على العوامل المقوضة لمعتقداتهم، أي مواضع الخلل في التفكير الذي قادهم إلى اعتناق المعتقد في بداية المطاف. ومن خلال هذا التركيز يستطيعون أيضاً التغلب على ميلهم لتجاهل الأدلة". كما يشجع الكتاب على عدم الركون لحقيقة نهائية مطلقة، فالعلم يجب أن يستمر في البحث عن أجوبة والتحقق منها، ويستشهد الكتاب بقول العالِم أينشتاين:
" جَعَلَت أفكاري الناس يعيدون النظر في فيزياء نيوتن، ومن المُحتم أن يُعاد النظر في أفكاري وتَحل أخرى مَحلها. وإذا لم يحدث هذا فمن المؤكد أنَّ خطأً كبيراً قد وقع."
يبدأ الكتاب بطريقة جميلة جداً حين يُمسك بِيَد القارئ لِيُريَه منذ البداية عملية فرز العلوم الحقيقية التي تستند إلى منهج علمي عن العلوم الزائفة. وبالتالي سنلقي في سلة المهملات مجموعة مما يُطلق عليها زوراً وبهتاناً (علوم)، وذلك وفقاً لعوامل تحدد سمات العلم الحقيقي عن العلم الزائف، فالتنجيم يختلف عن علم الفلك، لكن للأسف فإن علم التنجيم هو الأكثر رواجاً! كما أن عدد المنجمين أكبر من عدد علماء الفلك. هل تستطيعون نكران ذلك؟!
يقول الكتاب: " إنَّ كتب العلم الزائف كالتنجيم، تبيع ملايين النسخ، كما تقدم مسلسلات تلفزيونية كمسلسل "ملفات إكس" وغيرها من الأفلام غير المنطقية، التي يتم إنتاجها على نحو مقنع للغاية حتى إنه يصير من العسير معرفة الحقيقة من الوهم"
يتجلى العلم الزائف في نواحٍ شتّى، ففي محاولات بعض المتعصبين دينياً إجبار المدارس على تقديم تفسيرات دينية للظواهر الطبيعية إلى جوار التفسيرات العلمية أو محلها هو بحد ذاته يمثل مشكلةً هائلة، لأنهم بذلك يساعدون في تبني الطلاب لمعتقدات غير علمية وسيغادرون المدرسة حاملين وجهات نظر قاصرة عن الواقع، وسيعلمونها بدورهم للجيل التالي!
قد تودي معتقدات العلم الزائف بنا إلى الضرر البدني:
"إذا ما سعى اولئك للعلاج على أيدي المعالجين الروحانيين والجراحين النفسيين وغيرهم من الدجالين حين يكونون بصدد مشكلة خطيرة مهددة للحياة، وحتى إذا اتجهوا لاحقاً للعلاج الطبي ذي الأساس العلمي، فربما يكون الوقت قد فات".
ويوجد الكثير من الأمثلة المضللة على طريقة التفكير والملاحظة على سبيل المثال: "كانت عواصف البَرَد عند الإغريق القدماء واحدة من السبل التي يظهر بها الإله زيوس غضبه. لكن من وجهة نظر علماء الطقس المعاصرين تحدث عاصفة البَرَد عندما يحمل تيار الهواء الصاعد قطيرات الماء إلى طبقات الجو العليا الباردة، حيث تتجمد هذه القطيرات". يجب ألا نغفل أن لدينا عشرات ومئات الظواهر التي لا نملك تفسير لها في الوقت الحالي، لكن هذا لا يعني أن نتخذ تفسيرات لا تمت للعلم بصلة. ففي الأزمنة القديمة كان البشر يعتقدون أن نوعاً مميزاً من الصخور يُسمى "حجر المغناطيس" يمتلك قِوى خفية قادرة على جذب الحديد من مسافة، حافظ الحجر على جاذبيته السحرية الغامضة حتى فهم العلماء الظاهرة المغناطيسية، فحَجَرُ المغناطيس ما هو إلا مغناطيسٌ طبيعي مكون من أكسيد الحديد الممغنط!
يكمل الكتاب الشيق بقوله: " قد تكون فرضيات العلم الزائف جذابة بدرجة كبيرة إذا خاطبت الاحتياجات العاطفية، والرغبة في الحصول على إجابات سهلة وفورية والحاجة للشعور باليقين، والنهم الروحي، والهموم الصحية، والاشتياق إلى الحياة في العالم الآخر. مثل هذه التفسيرات تُبنى غالباً على نظمٍ عقائديةٍ تتطلب الإيمان بِقوى أو سلطةٍ لا دليل على وجودها، ومن ثم تطلب من المؤمنين بها التخلي عن الفرضيات العلمية المثبتة".
يتحدث الكتاب في فصول لاحقةٍ عن مجموعة من الفرضيات والمزاعم التي يؤمن بها كثيرٌ من الناس دون سابق تبصر وتدقيق، ودون تفكير نقديٍ يهدف إلى تحليل الفرضيات الزائفة:
وقد ساهم التلفزيون والسينما وقصص الخيال العلمي، على تعزيز مجموعةِ الأفكارِ التي تدعم وجود أجسامٍ طائرة مجهولة أو مخلوقات فضائية. بالإضافة إلى الفرضيات التي تدعم وجود الأرواح والأشباح، وتعزز أفكار وتجارب "الخروج من الجسد" الخارقة للطبيعة، وكذلك القصص الخارقة للطبيعة وغير المفهومة كدوائر الحصاد والتي سبق أن تكلمنا عنها في موقع الباحثون السوريون، يقوم الكتاب بتفنيد جميع هذه النظريات بطريقة علمية واضحة ولغة بسيطة سلسة ويستعرض فرضيات أخرى كفرضية التنجيم.
"يستغل المنجمون كل المواقف لصالحهم، لكن لماذا نتعلق بمثل هذا المعتقد؟ إنَّ التنجيم يروق للناس بدرجة كبيرة من الناحية العاطفية، فكلنا يهتم اهتماماً فطرياً بمعرفة كل ما يمكن معرفته عن أنفسنا. والتنجيم يروق لنا لأنه يزعم أنه يقدم المعلومات تقديماً فورياً موثوقاً به كما يعطينا النصيحة بشأن كيفية تحسين صحتنا وتجنب المشكلات بل حتى كيفية العثور على شريك الحياة المناسب!".
أيضاً يتكلم في واحد من فصوله عما يُدعى "الجراحة النفسية"، والتي هي ليست إلا أسلوب غير علمي يدعي ممارسته القدرة على شفاء الأمراض دون اللجوء إلى الطب الحديث.
“ما الجراحة النفسية إلا نوع من الألاعيب السحرية، ونتيجة لوعود الجراحة النفسية الزائفة يقع كل عام آلاف الضحايا في مناطق عديدة من العالم أبرزها الفلبين والبرازيل".
قد تبدو الكتب العلمية لوهلةٍ مجلدات ضخمة، ذات لغة شائكة معقّدة ومصطلحات وأفكار يصعب فهمها لغير الاختصاصين، لكن هذا الكتاب يتسلل خارج سرب الكتب العلمية التقليدية، حيث يحتل بأفكاره المبسطة ولغته السلسة الممتعة مكانه في مكتبة كل منزل.
يقدم العالمان في نهاية الكتاب خلاصة تجربتهما في قولٍ يكاد يختزل طرائق التفكر العلمية كأفضل ما يكون: "العقل المتشكّك هو أثمن ما يمكن للمرء امتلاكه في الحياة. لذا سيكون من الحكمة أن تضع في اعتبارك نصيحة أرسطو التي تقول: إذا أراد المرء أن يعلِّم نفسه فعليه أولاً أن يشك، إذ أنه من خلال الشك سيعثر على الحقيقة."
الكتاب: الطفرات العلمية الزائفة.
الكاتب: تشارلز أم وين & آرثر دبليو ويجنز.
الطبعة الأولى 2011.
الحقوق محفوظة لـ كلمات عربية للترجمة والنشر.
عدد الصفحات: 206.
الرقم الدولي: 9789776263819.