معركة قادش، بين الحرب والسلام
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
أندلعت معركة قادش للسيطرة على سوريا وبسبب انحياز بلاد أمورو ووقوفها مع مصر ضد الحثيين بالإضافة إلى أهمية السيطرة على مدينة قادش التي تتمتع بموقع استراتيجي تجاري مهم على نهر العاصي فضلا عن كونها مفترق طرق وصلة الوصل جنوبا مع سهل البقاع في لبنان وغربا مع ساحل البحر الأبيض المتوسط بواسطة منخفض أو مايسمى حاليا بفتحة حمص الواقعة بين جبل أنصارية وجبل لبنان.
جرت معركة قادش الأولى بين المصريين بقيادة تحتمس الثالث والحثيين وانتهت بتقاسم النفوذ في سورية وأصبح شمال سورية تحت سيطرة النفوذ الميتاني ثم تمكن الحثيون من هزيمة الميتانيين وبسط نفوذهم على شمال سورية مما أدى إلى اندلاع معركة قادش الثانية عام 1274 بين المصريين بقيادة رمسيس الثاني والحثيين بقيادة مواتالي الثاني في محيط مدينة قادش موقع تل النبي مندو الأثري حاليا جنوب غرب سورية بالقرب من الحدود اللبنانية نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب من حمص يعود تاريخ هذه المعركة لحوالي العام 1274 قبل الميلاد، وهي أقرب معركة في التاريخ المكتوب.
بعد طرد الهكسوس (السلالة الخامسة عشر) أصبح المصريين، حكام الدولة الحديثة، أكثر عدوانية في إعادة السيطرة على حدود دولتهم. فقد شن تحوتمس الأول، وتحوتمس الثالث وابنه، وأمنحتب الثاني عدة معارك من مجدو حتى شمال نهر العاصي. لكن فترة حكم تحوتمس الرابع وأمنحتب الثالث لم تكن مميزة، عدا أن مصر فقدت سيطرتها على أراضي ميتاني في شمالي سورية.
تحكي رسائل تل العمارنة قصة انحسار النفوذ المصري في كنعان أواخر حكم السلالة الثامنة عشر المصرية، حيث تراجع اهتمام المصريون بها حتى نهاية حكم هذه السلالة، لكن حورمحب، آخر حكام هذه السلالة، أعاد اهتمام المصريين بهذه المنطقة.
واستمر ذلك في عهد السلالة التاسعة عشر، فقد كان سيتي الأول قائداً عسكرياً، مثل والده رمسيس الأول، وقام بعدة حملات لاستعادة أراضي الامبراطورية المصرية كما كانت في عهد تحوتمس الثالث. حيث شن حملة مؤلفة من 20 ألف جندي، لإعادة السيطرة على المواقع المصرية والمدن وثكناتها. وعقد صلحاً بشكل غير رسمي مع الحيثيين، كما سيطر جنوده على المناطق الساحلية على طول البحر الأبيض المتوسط. وقد قام بحملة ثانية سيطر فيها على قادش وآمور، لكن الحيثيين أعادوا سيطرتهم على هذه المناطق.
وبعد تسلمه الحكم بقليل، تابع رمسيس الثاني مسيرة أسلافه في السيطرة على كنعان. ففي السنة الخامسة من حكمه، تقدم شمالاً إلى سورية.
حملة قادش :
اجتاز رمسيس الثاني وجنوده الحدود المصرية في السنة الخامسة لحكمه أي في سنة 1285 قبل الميلاد. وبعد مرور شهر وصل بجيوشه إلى مشارف مدينة قادش. كان جيشه يتكون من أربعة فيالق وهي فيالق آمون ورع وبتاح وست وهي أسماء الآلهة الكبرى. أما مواتللي الثاني، ملك الحيثيين فقد حشد جيشاً قوياً انخرط فيه الكثير من الجنود بالإضافة إلى جيوش حلفائه (ومن بينهم ريميشارينا، أمير حلب) واتخذ من قادش القديمة مركزاً لجيوشه.
المعركة :
عندما كان رمسيس معسكراً بجيشه بالقرب من قادش، التقى اثنان من الشاسو (البدو) اللذان ادعيا أنهما فاران من جيش الملك الحيثي، وأظهرا الولاء له. وأخبراه بأن ملك الحيثيين قد بعد عن الموقع، وهو حالياً في حلب شمال سوريا.
وعلى أساس هذه الأخبار وبدون التأكد من صحتها أسرع الملك رمسيس على رأس فيلق آمون وعبر نهر العاصي، ثم سار إلى مرتفع شمال غربي قادش وأقام معسكره هناك في انتظار وصول باقي الجيش ليتابع السير في اثر جيش خيتا، الذي كان يظن أنه في الشمال حسبما أخبره الشاسو، وفي هذه الأثناء قبض جيشه على اثنين من جنود العدو الكشافة اللذين استخلصوا منهما الحقيقة وهي أن الحيثيين كانوا كامنين في قادش وأن جيوش الحيثيين كانت في طريقها لعبور نهر العاصي ومفاجئة الجيش المصري هناك.
وبالفعل عبر نصف الجيش الحيثي نهر العاصي وفاجئوا رمسيس الثاني الذي كان قد ارتكب خطأً تكتيكياً بترك مساحات كبيرة بين فيالقه فهاجموا فيلق رع ودمروه تدميراً كاملاً، وبذلك قطعوا الاتصال بين رمسيس وبقية فيالقه، واتجه الجيش الحيثي بعد ذلك بعرباته الحربية وتابع تقدمه وهاجم فيلق آمون الذي فقد نتيجة ذلك العديد من جنوده، وهنا وفي مواجهة خطر التطويق والهزيمة المحتمة قاد رمسيس بنفسه هجوماً ضد الحيثيين حيث سلك بالجيش ممراً ضيقاً ليلتف حول الحيثيين ودفع بهم حتى النهر وكانت اللحظة الفارقة في ذلك وصول إمدادات من جنوده القادمين من بلاد آمور والمسماة (نعارينا) وقد فاجأ ذلك الحيثيين، ووجدوا أنفسهم محاصرين واضطر الحيثيون لترك عرباتهم الحربية والسباحة في نهر العاصي أمام هجوم المصريين.
وفي اليوم التالي دارت معركة أخرى غير حاسمة وقد ادعى رمسيس الثاني في كتاباته أن مواتللي الثاني قد أرسل في طلب الصلح في ذلك اليوم ولكن ليست هناك أية دلائل من جانب الحيثيين تؤكد صدق هذه الرواية. وبعد معارك ضارية بين الطرفين والخسائر الفادحة التي لحقت بهما اتفق الطرفان على الصلح.
نتائج الحرب :
لم ينجح رمسيس الثاني في كسر دفاعات قادش وعاد آفلاً إلى دمشق، ثم إلى مصر. وانتهت المعركة باحتفاظ كل من الطرفين بنفس مكاسبه السابقة وخسائر فادحة لكلا الطرفين. وفي مصر زعم رمسيس الثاني أنه انتصر في المعركة، وقام بنقش تفاصيلها بالكامل على جدران معبد الرمسيوم وكذلك معبد الأقصر، بالإضافة إلى معبده بأبو سمبل. وقد ذكر الملك مواتللي من ناحيته في وثائق بوغازكوي بأن المعركة كانت انتصاراً له وأن أمور قد وقعت في أيدي الحيثيين.
وخلال السنوات العشر التي مرت بعد ذلك قام رمسيس بعدة حملات في آسيا واستولى على دابور بعد حصارها، وأجبر الحيثيون على التراجع تاركين أكبر جزء من سوريا دون حماية كافية. وفي أعقاب وفاة مواتللي تولى ابنه الحكم، وبعد عدة سنوات من حكمه، حل محله عمه الملك حاتوشيلي الثالث. انتهز رمسيس هذه الفرصة وتقدم نحو تونيب واستولي عليها.
ولكن النزاعات انتهت وفقا للمعطيات ومجريات الأحداث بفوز الحثيين على المصريين بدليل ازدياد النفوذ الحثي في سورية وتراجع النفوذ المصري واضمحلاله علما أن إتفاق السلام النهائي بين الحثيين والمصريين ضمن بنود معاهدة دائمة قد وقع حوالي عام 1259 ق.م بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحثيين حاتوشيلي الثالث أخو مواتالي الثاني ودونت نسخة من بنود المعاهدة على جدران معبد رمسيس الثاني ومعبد آمون في الكرنك في مصر ونسخة دونت على رقيم من الطين المشوي دون بالمسمارية الآكادية عثر عليه في حاتوشا عاصمة الحثيين.
ويتحدث النص الاكادي عن اعتراف رمسيس الثاني فرعون مصر بشرعية حكم حاتوشيلي الثالث الامبراطور الحثي والتأكيد على دوام حالة السلام والاخوة بين الامبراطوريتين.
//رمسيس الملك العظيم ملك مصر يكون في حالة سلام دائم وصداقة جيدة مع حاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين أبناء رمسيس محبوب الاله امون الملك العظيم ملك مصر سيكونون في سلام دائم واخوة مع أبناء حاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين انهم سيحافظون على نفس العلاقات الاخوية مثلنا كذلك مصر والحثيين سيكونان مثلنا في اخوة وسلام دائم.. رمسيس محبوب الاله امون الملك العظيم ملك مصر لن يقوم في المستقبل بأي عمل عدائي ضد الحثيين لاسترداد أي شيء وحاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين لن يقوم في المستقبل بأي عمل عدائي ضد المصريين لاسترداد أي شيء/
ان إرساء أسس السلام في سورية كان ينعكس إيجابا على كل الدول والممالك المحيطة لذلك قامت الامبراطورية الحثية في السنوات الأخيرة من وجودها عبر سلطتها الحاكمة في كركميش وحلب بالعمل على تسوية النزاعات بين الممالك السورية / اوغاريت / الالاخ / ايمار/ قادش / امورو / ميتاني/ الحدودية والتجارية والقضائية والجنائية وإحلال السلام وخير دليل على ذلك الرقم المسمارية الاكادية والاوغاريتية المكتشفة في رأس الشمرة مملكة أوغاريت.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا