موت اللغات
التعليم واللغات >>>> اللغويات
(سايمون آغر، 2009)
1- الوضع اللغوي العالمي: أرقام و حقائق
اللغة وسيلة للتواصل تُستخدم بين الناطقين بها لتلبية حاجاتهم، حاجات مادية ( كالطعام والشراب والمأوى) وحاجات معنوية ونفسية ( كالتشجيع والشكوى والتعبير عن الفرح أو الحزن...)،وكل لغة بحد ذاتها هوية وحاملة هوية، بكلمات أخرى، إنّ اللغة التي يتكلمها (X) هي جزء من هويته الكليّة وهو من خلال هذا الجزء يتواصل مع الجيل الأصغر وينقل إليه، عبر هذه اللغة، المكونات الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والعرقية والجنسية والاقتصادية المميزة لهذه الهوية.
وفق العدد الأخير من مجلة Ethnologue يصل عدد اللغات المحكية عالمياً إلى 7202 لغة، من بينها 440 لغة ضمن نطاق الانقراض خلال جيل أو جيلين. ويرى رولن (1991Ruhle،) أنّ عدد اللغات المحكية العالمية يصل إلى خمسة آلاف لغة، بينما يعتقد كل من غرنوبل و ويلي (Grenoble and Whaley، 1998) أن العدد يتراوح بين خمسة إلى ستة آلاف لغة، وجاء في السجل اللغوي العالميGlobal Language Register) أن العدد يبلغ عشرة آلاف لغة من بينها العديد من اللهجات. ولكن يبقى الرقم الأخير مبالغاً فيه نظراً لكونه يحتوي على الكثير من اللهجات بوصفها لغات، وتوصيف أي لهجة بأنها لغة يعتمد بشكل كبير على عوامل اجتماعية- سياسية (Crystal، 2000) وهذا المعيار باعتقادي اشكالي جداً بسبب غياب توافقات اجتماعية- سياسية عالمياً.
وتبدو الاحصائيات الأخيرة مخيفة حقاً فهي تشير إلى احتضار العديد من اللغات، وتتوقع موت أكثر من أربعة آلاف لغة مع نهاية القرن الواحد و العشرين، بينما ستحتل لغات أخرى ( الإنكليزية و العربية والماندرين والإسبانية) المشهد اللغوي العالمي ( Krauss، 1992). وقدّرت احصائية في أستراليا عام 1990 أن ما بين سبعين و تسعين لغة محلية لم تعد قيد الاستعمال بين كافة المجموعات العمرية للسكان المحليين، والصورة حالكة أيضاً في مناطق أخرى من العالم، فهناك العديد من اللغات المحتضرة (Moribund Languages) في أمريكا الشمالية و الجنوبية وافريقيا، وغالبية هذه اللغات لغات محلية يتكلمها عدد قليل من البشر، فهناك على سبيل المثال 548 لغة يتكلمها مئة شخص فقط.وتُحذَّر مؤسسة اللغات المُهددة (Foundation of Endangered Languages) من أنّ نصف لغات العالم تُحتضر وستختفي خلال عدة أجيال.
2- التغير اللغوي و الموت اللغوي:
وككل شيء في هذا الكون المتغير باستمرار اللغة أيضاً مكون حيّ ومُتّحرك، متأثر ومؤثر، فاعل ومنفعل. وقد تكون حركة لغة ما حركة ايجابية، بالنسبة للغة على الأقل، بمعنى أنّ نطاق متكلمي هذه اللغة يتوسع كما يحدث مع اللغة الانكليزية في يومنا هذا أو قد تكون حركة سلبية حيث يتراجع عدد الناطقين بها، وتعتبر آنذاك لغة مُحتضرة وقد تموت اللغة في النهاية بموت آخر المتكلمين بها.أو قد تكون الحركة غير ايجابية أو سلبية وتدعى هذه الحركة بالتغير اللغوي. ويختلف التغير اللغوي عن الموت اللغوي؛ فالتغير اللغوي دينامية طبيعية و تدريجية تحدث في كل اللغات و تستمر لفترة طويلة من الزمن، وتنتج عن التداخل لغة مع أخرى كما يحدث بين البلدان المتجاورة والمتداخلة جغرافياً وديمغرافياً، أو قد يفرض بروز حاجات ووقائع يومية جديدة تغيراً في اللغة، ولا ننسى أنّ اللغة في النهاية هي وسيلة تواصل بين البشر لتلبية حاجاتهم وهذا ما نشهده في الوقت الراهن من خلال ظهور كلمات جديدة تواكب الحاجات الجديدة التي أفرزتها الثورة المعلوماتية والنمو الاقتصادي المتسارع.
أمّا موت اللغة فهو حالة مفاجئة ( تحدث في مدة قصيرة مقارنة بالتغير اللغوي) كما في حالات الاحتلال والهجرات القسرية والمجازر وهذا ما حدث في المستعمرات الأوربية في الهند وافريقيا والأمريكيتين والذي قاد بدوره إلى بروز لغات جديدة وهجينة تحمل سمات اللغة المحلية المُتأثرة واللغات الأوربية المُؤثرة وتدعى هذه اللغات ( creoles) وهي لفظة فرنسية تعني " محلي"، وحافظت هذه اللغة على قواعد اللغة المحلية ولكنها تبّنت مفردات من اللغة الأوربية المسيطرة وهناك لغات أخرى تُدعى (Pidgins) وهي لغات أشد تعقيداً في تأثرها باللغة الدخيلة من اللغة السابقة لكونها تأثرت في مجال القواعد والمفردات. وتموت اللغة في حالة المجازر كما حدث في السلفادور 1932بعد ابادة السكان الناطقين بلغة (Nawat)، فقد توقف الناجون من المجزرة عن التكلم بلغتهم خوفاً من الاضطهاد (Nettle & Romaine، 2000). إذاً وكما أوضحت فيما سبق فإن التغير اللغوي حالة تختلف عن الموت اللغوي، فالأول طبيعي وتدريجي أمّا الثاني فهو خطير ومفاجئ . ولكن متى يمكننا القول أن لغة ما لغة ميتة؟
ما هي اللغة الميتة؟
يغيب في الوسط الأكاديمي والبحثي توافق على تحديد اللغة الميتة، فهناك من يقول بأن اللغة التي يتراجع عدد متكلميها هي لغة محتضرة وتلك التي يختفي الناطقون بها هي لغة ميتة. فعندما يتوقف انتقال اللغة من جيل إلى جيل تُعتبر آنذاك لغة محتضرة، وإن اختفى متكلموا اللغة فهي لغة ميتة (Simon Ager، 2009) وفي هذه الحالة يكون موت اللغة موتاً طبيعياً بسبب موت آخر المتكلمين بها. وقد يكون الموت حالة أشبه بالانتحار وذلك عندما يتوقف مجتمع ما عن اعتبار لغته جزءاً من هويته، كما حدث في ايرلندا، فإن دافع الحفاظ على اللغة يتراجع وبالتالي تنحدر هذه اللغة (Jones and Singh، 2005)، وفي هذه الحالة تكون هنا كلغتان متقاربتان ولكن إحدى اللغتين تصبح مسيطرة أو لغة قاتلة Aitchison، 1992) Killer language) وتحاول احتلال مكانة اللغة الثانية، وفي الحالة الايرلندية كانت اللغة الانكليزية "اللغة القاتلة". ولكن لدينا حالة اللغة اللاتينية وهي، وفق هذا الرأي، لغة ميتة فهي غير متداولة بين الناس، ولكن اللغة اللاتينية ليست لغة ميتة، فهي لا تزال لغة الشعائر والمراسم الدينية المسيحية، وهي جذر العديد من اللغات المحكية في يومنا هذا كالفرنسية و الإسبانية والإيطالية (Aitchison، 1992) علاوة على ذلك فقد كانت اللغة الثقافية والتعليمية خلال عصر التنوير (Enlightenment) لمكانتها المحورية في الكنيسة الرومانية (Montgomery، 2013). وهناك لغات أخرى كالعبرية، التي تم احياءها وأصبحت لغة يومية واللغة القبطية والسريانية والإغريقية القديمة وكلها لغات لا تزال قيد الاستخدام في أداء الشعائر الدينية.
قد يكون غياب التوثيق سبب موت أو انقراض اللغات(Crystal، 2000) فاللغة اللاتينية لم تمت لأنها كانت موثقة في النصوص الدينية والعديد من الكتب المرجعية، ويعود سبب خروجها من نطاق الاستعمال إلى انهيار الامبراطورية الرومانية الذي أدى بدوره إلى حدوث " انفصال بين الكلمة المنطوقة و الكلمة المكتوبة، وغزو الشعوب الألمانية و التواصل الطويل مع لغات أخرى في الأجزاء البعيدة" وبحلول القرن السابع لم يعد ممكنا للمتحدثين عبر الامبراطورية السابقة من فهم بعضهم البعض.( Montgomery، 2013) وبالتالي خرجت اللغة اللاتينية من نطاقها المنطوق لتبقى في شكلها المكتوب. وقد يكون وجود توثيق للغة ما، مهما كان محدوداً، كافياً لإحيائها أو على الأقل لفهم تركيبتها كما حدث مع اللغة الهيروغليفية عند اكتشاف حجر رشيد. من جهة أخرى هناك رأي آخر يقول بأن غياب تدريس اللغة في المدارس أو غياب التوثيق ليس سبباً مباشراً لموت اللغة بل يعود السبب إلى غياب النقل اللغوي غير الرسمي من جيل إلى آخر وغياب الاستخدام اليومي لها (Fishman، 1991) وهذا بدوره ينسجم مع السبب الأول الذي ناقشناه سابقاً.
ونتيجة لما سبق أرى أن اللغة الميتة هي لغة فقدت الناطقين بها، لسبب من الأسباب التي ذكرناها، إضافة إلى ذلك غياب توثيق لها، فوجود الناطقين بلغة ما يؤمن لها نوع من الحماية الشفاهية و وجود توثيق لها يحميها على المدى البعيد ويرفع فرص احياءها في حال اختفاء المتكلمين بها.
Further Readings:
Crystal D. 2000. Language Death. Cambridge: Cambridge Univ. Press.
Mufwene SS. 2003. Colonization، Globalization and the Future of Languages in the Twenty-First century.
Phillipson R. 2003. English Only? Challenging Language Policy. London: Routledge.
References
Aitchison،J.(1991). Language change: Progress or decay? Cambridge: Cambridge Univ.Press
Aitchison،J.(1992). Relative clauses in TokPisin: is there a natural pathway? In Stein &Gerristen;.
Ager، S. (2009). Proverbs، quotations and sayings about language. Retrieved 06 04، 2009، from Omniglot: هنا
Crystal D. 2000. Language Death. Cambridge: Cambridge Univ. Press.
Fishman JA. 1991. Reversing Language Shift: Theoretical and Empirical Foundations of
Assistance to Threatened Languages. Clevedon: Multiling. Matters
Foundation for Endangered Languages. (2009). Manifesto. Retrieved 08 28، 2009، from Foundation for Endangered Languages: هنا
Grenoble LA، Lindsay JW، eds. 1998. EndangeredLanguages: Current Issues and FutureProspects. Cambridge: Cambridge Univ.Press
Krauss، M. (1992). The world's languages in crisis. Language ، 18 (1)، 1-42.
Montgomery، Scott L. (2013). Does Science Need a Global Language? English and the future of Research. Chicago: Chicago Press.
Nettle D، Romaine S. 2000. Vanishing Voices:The Extinction of the World’s Languages. Oxford: Oxford Univ. Press
Ruhlen، M. (1991). A Guide to the World's Languages: Volume 1 Classification. Standford: Stanford University Press.