فلكلور شرق آسيا: حالة ٌعالميةٌ منفردة ٌبذاتها
الفنون البصرية >>>> فلكلوريات
لكل أمّة عاداتها الشعبية التي تظهر في قصصها اليومية واحتفالاتها وأمثالها، فالتقاليد الشعبيّة القديمة تشكّل العمود الفقري للحياة العصريّة وتكشف عن التفاعلات بين الأمم في الماضي.
فلكلور شرق آسيا يختلف تماماً عن الفلكلور الأوروبي الذي يعبّر عن الأفكار والمخاوف والمعتقدات المشتركة حيث أن التبادل الثقافي بين دول أوروبا بسبب الحروب والهجرة والتجارة شكّل إلى حدّ ما روابطاً بين شعوبها، كما أن العلاقات والروابط في أوروبا قويّة لأنهم تعيش حياة مكتظة منذ آلاف السنين بحكم الجغرافيّة، إلا أنه لا وجود لمثل هذا الارتباط في شرق آسيا الأقصى، فالاتصالات والرحلات الطويلة شبه مستحيلة بسبب الجغرافيّة الصّعبة وغياب التكنولوجيا.
ضعف التواصل هذا جعل من الفلكلور الشرق آسيوي موضوعاً مثيراً للدراسة لأنه تطوّر بعيداً عن تأثير الغرب، فظهرت حكايات وأساطير لا يمكن أن نصادفها إلّا فيه، لكن رغم عزلته حافظ فلكلور شرق آسيا على التفاعل بين دوله المختلفة فنلاحظ أن لدى فلكلور الصين واليابان وتايوان والعديد من الدول المجاورة نفس الحكايات والعادات التي تكرّس قيماً متشابهة.
بالتأكيد تعتبر الصّين بسكّانها الأكثر من مليار نسمة الصرح الثقافيّ الأضخم بين دول شرق آسيا، حتّى أن تراثها الشعبي واسع ومدوّن جيداً وبشكل يغطّي أدقّ التفاصيل والاختلافات بين بلدة وأخرى ومن مدينة لأخرى خلال ثلاثة مليون ميل مربّع وعبر آلاف السنوات من التاريخ المسجّل، فبعض القصص المدوّنة يمكن أن تتواجد فقط في بلدة صغيرة نائية بينما بعضها الآخر منتشر في كل البلاد ويكرّم باحتفالات ذات تقاليد خاصة.
على الرغم من تأثّر الثقافة الصينيّة بعد تحوّل نظام الحكم للشيوعيّة، إلّا أن قيم العزيمة والمسؤولية الشخصية ماتزال تظهر جليّاً في القصص والحكايات ولا يمكن نزعها، وخير دليل على ذلك المهام العظيمة التي انجِزت واحتُفي بها بعد قرون، والتي لم تكن لتحقَق عبر القوة الضارية بل من خلال الجرأة وقوة الإرادة.
إحدى هذه القصص تحكي حكاية القرود البيضاء، هذه القرود الخائفة خُلِقت لحماية كتاب الجنّة، ومهمّتهم على الأرض السعي وراء معارف جديدة لكنّهم طردوا من عملهم بسبب فضول أحدهم عندما قرّر اختلاس نظرة على أسرار الجنة، فأصبحت هذه المخلوقات موضع احترام شعبي لعزيمتهم وإصرارهم على الاستمرار بمهمّتهم في جمع كل صنوف المعرفة على كوكب الأرض، أمّا قصص الأشباح فنبيّن احتراماً عميقاً للأرواح لدى شعب الصّين.
من العادات التي تميّز الصينيّين ممارسة الـ فنغ شويي Feng Shui وهي ممارسة يوميّة مهمة في الصين الحديثة، حيث يكون الأثاث والأبواب والنوافذ متوازنة لتسمح للطاقة بالتدفّق عبر المنازل الصينيّة بدون توقف، حتّى أن خبراء مازالوا موجودون ليومنا هذا للمساعدة على تنظيم البيوت وفق مبادئ الـ فينغ شويي.
أما المهرجانات فهي عبارة عن استراحة من الروتين اليومي وقوّة موحدّة للمجتمع، وأكثر المهرجانات الصينيّة إثارة هو مهرجان الـ جويي جيي Gwei Jye، حيث تقام فيه ولائم ضخمة معدّة لأرواح الصينييّن الذين يخرجون من العالم الآخر ليمشوا بين الأحياء خلال الشهر القمري السابع للتقويم القمري، فتحضّر العائلات حزم من الثوم الأخضر لطرد الشر وتوضع الولائم خارج المنزل حتّى لا تكون للأرواح أيّ حجّة للدخول.
كحال أي دولتين جارتين، يتشارك الفلكلور الصيني والياباني الجمال لكن هذا لا يعني أنهما يتشاركان نظام معتقدات واحد، فالفلكلور الياباني والصيني يشدّدان على الاحترام والأدب، لكن في حين أن الفلكلور الصيني يحترم اشكال القوة العظمى، نجد أن الفلكلور الياباني يركز على تفاعل الانسان العادي مع الآلهة والشياطين، فالأخلاق تستخدم في القصص الشعبيّة اليابانيّة لدحر الوحوش التي تملك قوة ضارية ولا يمكن قتالها مباشر.
أهم هذه الوحوش، الكابا Kappa، وهي مخلوقات تشبه الضفادع أو القرود بحجم طفل صغير، قويّة بشكل خارق وتتضوّر جوعاً للخيار والكبد واطفال البشر، عادة ما تكون الكابا خضراء لكن عرف وجود ألوان مختلفة لها، عيونها مثلثيّة ممتدة، وتحمل قوقعة رياضية وجلد حرشفي، عادة على رأسها ما يشبه الوعاء مملوء بالماء والذي يعتبر مصدر قوّتها، وهي كائنات ذكيّة وخبيثة ويقضون على كل من يتجرأ على الاقتراب من أراضيهم المائية، يمكن هزمهم من خلال التهذيب المفرط، فمخلوقات الكابا يبدون مجبرين على الرضوخ لأي مسافر ينحني لهم أولاً، رغم ذلك لا ينبغي على أي إنسان تحدّي الكابا جسدياًّ، حيث لا يمكن خداعهم بسهولة لكن يمكن هزيمتهم.
لقراءة مقالاتنا السابقة عن الفلكلور الياباني والصيني يرجى زيارة الرابط:
هنا
تابعوا معنا المقالات القادمة من سلسلة الفلكلوريات لنكمل رحلتنا ونتعرف على ثقافات جديدة.
المصادر:
هنا
هنا