لماذا تتواجد جراثيم نافعة في أمعاء الإنسان؟
تعيش أنواعٌ مختلفة من البكتريا في القناة الهضمية للإنسان، وتوصف هذه الانواع البكتيرية بأنها "متعايشة" معه؛ إلا أن الدراسات أثبتت أن العلاقة هي "تبادل منفعة"، حيث تحصل البكتريا على موطن، ويستفيد الإنسان بالمقابل من قابلية البكتريا المحافظة على سلامة القناة الهضمية؛ من خلال المساعدة على امتصاص المواد المغذية، ومنعها استيطان البكتريا المسببة للأمراض.

أين يكمن السؤال الكبير؟
للجهاز المناعي قدرة انتقائية غريبة على تحمّل وعدم مهاجمة البكتريا "النافعة"، بينما يهاجم تلك الضارة منها لم يتضح بعد بشكل دقيق كيف يتحمل الجهاز المناعي هذه الفلورا المعوية، والأهم من ذلك: كيف تُفقَد خاصية التحمُّل تلك في حالات أمراض الأمعاء الالتهابية مثل التهاب القولون colitis وداء كرون Crohn's disease*

ماذا اكتشف الباحثون كإجابة لهذا السؤال؟
للإجابة عن تلك الأسئلة، اقترح الباحثون أن البكتريا الموجودة في الأمعاء السليمة لها القدرة على تغيير الجهاز المناعي للإنسان لضمان تحمله للبكتريا النافعة. وفيما يتعلق بكيفية حدوث ذلك، نشر الباحثون في مجلة Nature أنهم اكتشفوا مجموعتين من الخلايا المناعية تشترك في تهيئة الجهاز المناعي لتحمل بكتريا الأمعاء النافعة، وهي: الخلايا التائية التنظيمية المشتقة من الغدة الزعترية (Treg)، وخلايا لمفاوية من نوع (RORgammat+ILC).

من هو رائد هذا الاكتشاف؟
أُكتشِفت الخلايا التائية (Treg) من قبل الدكتور Leszek Ignatowicz من جامعة George Regents.في الولايات المتحدة.

ماهو دور هذه الخلايا تحديداً؟ ومن أين تنشأ؟
وجد أنها تلعب دوراً حيوياً في "تلقين" الجهاز المناعي حول عدة أنواع من البكتريا في المؤلفة للفلورا المعوية في الفئران و تنشأ خلايا (Treg) في الغدة الزعترية(التيموس)، وتستوطِن معظم الأمعاء والأعضاء اللمفاوية، وتظهر على تلك الخلايا مستقبلات خلايا تائية (TCR) متنوعة بالاستجابة لتنوع بكتريا الأمعاء، حيث تتعرف هذه المستقبلات على الخصائص المستضدية للمستعمرات البكتيرية المفردة في الأمعاء، وبعد ارتباط تلك المستقبلات، تعمل خلايا (Treg) على تثبيط الاستجابة المناعية التكيفية وتحديداً من خلال افراز السايتوكينات كالـ (Interleukin-2). بالإضافة إلى ذلك، اكتشف Ignatowicz إن التغييرات التي تطرأ على الفلورا المعوية بفعل المضادات الحيوية يتم عكسها بواسطة مستقبلات الـ TCR للخلايا التائية (Treg)، وتبين النتائج ان خلايا (Treg) تلعب دوراً حاسماً في تثبيط الاستجابة المناعية ضد البكتريا المعوية، وتضمن تحمُّل الجهاز المناعي لتلك البكتريا المتعايشة.

ماهي الغدة الزعترية (التيموس)؟
هي إحدى الغدد التي تقع أسفل العنق وتلعب دورا مهما في تطوير الخلايا المناعية وتعريفها على أجزاء الجسم المختلفة منعا من مهاجمتها له.

هل هناك آلية أخرى غير عمل الخلايا (Treg)؟
أضافت دراسة قام بها Gregory F. Sonnenberg في جامعة بنسلفانيا أن بكتريا الأمعاء يمكن أن يميزها الجهاز المناعي بواسطة مجتمع من الخلايا اللمفاوية الفطرية (ILC) في بطانة أمعاء الفئران، تتميز هذه الخلايا بوجود مستقبل يسمى (RORgammat) ويسمى أيضاً (RORgammat+ ILC).

يمتلك العلماء اليوم فهماً واضحاً حول كيفية "تلقين" الجهاز المناعي كيف يتحمل البكتريا المعوية النافعة، وتوجيه العديد من الأسئلة المهمة حول آليات ظهور الخلايا Treg و RORgammat+ ILC استجابةً لتنوع البكتريا المتعايشة، أو حول كيفية انعكاس التغير في تنوع بكتريا الأمعاء خلال فترة الحياة على مستودع نوعي الخلايا أعلاه.

أسئلة أخرى قيد البحث والتحري:
في حالة التهابات الأمعاء المزمنة، لا يعرف فيما إذا كانت حالة التواجد المزمن للبكتريا المسببة للأمراض يمكن أن تخدع خلايا Treg و RORgammat+ ILC لتميزها على أنها بكتريا نافعة؟ مسببة بذلك حالة من التحمل المناعي للبكتريا التي لا تنتمي أساساً لبكتريا الأمعاء السليمة. وعلى نفس الشاكلة، عدم وضوح حالة فيما إذا كان فقدان البكتريا المتعايشة (نتيجةً لتعاطي المضادات الحيوية بكثرة) يمكن ان يؤدي إلى فقدان خلايا Treg و RORgammat+ ILC المسؤولة عن تمييزها، وبناءاً على ذلك فقدان قدرة التحمل المناعي لتلك البكتريا في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فكرة أن خلايا Treg و RORgammat+ ILC تمثل آلية زائدة وآمنة من التعطل مهمتها ضمان عدم خداع الجهاز المناعي بسهولة من قِبَل بكتريا غير مرغوب بها في القناة الهضمية تبقى مسألة تخمينية.

إنَّ حل الإشكال القائم حول الاحتمالات سابقة الذكر سوف يوفر فهماً أفضل حول كيفية تحمل الجهاز المناعي لبكتريا الأمعاء السليمة، وهل أن اضطرابات المعوية يمكن ان تحدث نتيجة خداع الجهاز المناعي نحو تحمل حالة الاضطراب الحاصلة في فلورا الأمعاء السليمة؟

* داء كرون: التهاب مزمن للأمعاء يصيب جميع الطبقات النسيجية للجهاز الهضمي.

المصدر: هنا