الانقراض السادس الكبير... حدث نعيشه ولا نكترث به
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
ما الذي يجعل العالَم غير آبهٍ ولِمَ قد يتم إنكار الانقراض السادس؟
ينتقد البعضُ تقديرات معدلِ الانقراضِ ويعتبرونها مبالغاً فيها، لذلك ينخفضُ حماسهم تجاه حماية الأنواع الحيّة، ويُعزَى ذلك إلى الطُرق غيرِ الدقيقة في تقديرِ معدّل الانقراض كالاعتماد على معدّل إزالة الغابات وفقدان الأنواع اعتماداً على تناقص مساحتها. كما يوجد فيما يبدو أيضاً شيءٌ من التحيز لدى البعضِ لتقليل عدد الأنواع المنقرضةِ المقدَّرِ في القرون الأخيرة التي أصبح فيها الإنسان العاقل القوةَ المؤثرةَ العظمى في محيطه الحيوي. ويعتبرُ التقييم المباشر للانقراض صعباً ومعقداً خصوصاً عند الرغبة بمقارنة الوضع الحالي بالانقراضات الماضية.
ما هي الأسئلةُ التي ستَحسِمُ إجاباتُها الخلاف؟
ينبغي علينا لنؤكدَ –أو ننفيَ– كونَنَا نعيشُ عصرَ الانقراضِ السادسِ فعلاً وفيما إذا كنا كبشرٍ مسؤولينَ عنه أن نجيبَ على الأسئلة الثلاثِ التالية:
- هل المعدلاتُ الحالية للانقراض أعلى من تلكَ التي سادَت سابقاً والمعروفةِ تجريبياً؟
- كيف تغيَّرت معدّلات الانقراضِ الحديثةُ عبر الزمن؟
- كم سنةً ستأخذ الأنواع التي انقرضت مؤخَّراً لتُفقَدَ لو كان معدلُ الانقراض الأساسيِّ سائداً؟
وعلينا قبل الإجابة أن نتعرف إلى مفهومِ معدل الانقراضِ الأساسي أو Background extinction rate؛ وهو معدل الانقراضِ الطبيعي أي المعدلُ القياسيُ للانقراض في تاريخِ الأرض الجيولوجي والبيولوجي قبل أن يخضع لتأثير البشر ومساهمتهم. أي معدل الانقراضات ما قبل الإنسان خلال فترات الانقراض العظمى السابقة. يعبَّر عن هذا المعدل بعددِ الأنواع المنقرضةِ لكلِّ عشرةِ آلافِ نوعٍ كلَّ 100 عامٍ أو بعدد الأنواع المنقرضة لكل مليونِ نوعٍ في العام الواحد.
لم نلجأُ إلى معدّل الانقراض الأساسي؟ وكيف نعتمد عليه؟
كلما كانَ معدلُ الانقراض الأساسيّ أخفضَ ستبدو الانقراضاتُ الحاليّة أعلى وتيرةً، ويدورُ حَول المعّدل الأساسيّ خلافٌ أقلّ في الأوساطِ العلمية مقارنةً بالخلاف الحاصل حول المعدلات الحالية المقدرة، حيث يمكن معرفةُ المعدل الأساسي بالنظر إلى المعارف المتوفرة من السجلات الأحفورية، وقد قَدّرَت أفضلُ الدراساتِ معدلَ الانقراض الأساسي للثدييات مثلاً بـ 1.8 - 2 نوعٍ منقرضٍ لكل 10 آلاف نوعٍ كل 100 عامٍ وهذا الرقم يمثل ضِعْفَ أعلى التقديراتِ التقريبيةِ السابقة.
تتجاوزُ معدلاتُ الانقراضِ الحاليةِ بكثيرٍ متوسط معدلات الانقراض الأساسي الطبيعية حتى عندما يتم اعتبارُ معدل الانقراض الأساسيِّ الأكبرِ الذي تم التوصل إليه وحتى عندما تُستخدمُ الطرق الأكثر تحفظاً في تحليل بيانات انقراض الفقاريات الحديثة.
بالأعداد... ما هو مدى سوءِ الوضعِ الحالي؟
كانت معدلاتُ انقراض الفقاريات الحديثة أكبرَ بكثيرٍ من معدل الانقراض الأساسي (المساوي لنوعي ثدييات لكل 10 آلاف نوعٍ كلّ 100 عام) فقد انقرضَ من بين الفقاريات التي تم تقييمها 338 نوعاً منذ العام 1500 يُضاف لذلك 279 نوعاً منقرضاً في الطبيعة "البرّية" أو يُعتقدُ بأنه انقرض، ليُصبحَ مجموعُ ما انقرض 338 + 279 = 617 نوعاً من الفقاريات، وقد وَقَعَت معظم الحالاتِ في السنوات الـ 114 الأخيرة.
لقد أظهرت التقديراتُ المتحفظةُ التي لا تُبالِغ في عدد الأنواع المنقرضة معدلاتٍ حديثةً لانقراض الفقاريات تتراوح بين 8 وحتى 100 ضعفٍ من معدل الانقراض الأساسيّ؛ ويعني ذلك أنه وعلى اعتبار معدلِ الانقراضِ الأساسي يساوي نوعَي ثدييات لكلِّ 10 آلاف نوع كل 100 عام، ينبغي أن يكون هنالك 9 أنواع فقارية منقرضة منذ العام 1900. للأسف فالرقم الحقيقي أكبرُ من ذلك بكثير، إذ انقرض أكثر من 468 نوعاً من الفقاريات تتوزع على 69 ثدياً و80 طيراً و24 زاحفاً و146 برمائياً و158 سمكة.
يقدّر العلماءُ على هذا النحو بأن يختفي 41% من كل البرمائيات و26% من الثدييات خلال فترةٍ ليست طويلةً وإنما خلال ثلاثةِ أجيالٍ بشرية، وإذا ما حدث ذلك فسيلزمنا بضعةُ ملايينَ من السنين لاسترداد المفقود، حتى أن بعض العلماء يرجِّح أن يختفي جِنسنا أيضاً في وقتٍ مبكر.
لا تزال الكثيرُ من الأحياء في طريقِها إلى الاندثار بشكلٍ أسرَعَ بنحوِ 15 - 100 مرةٍ من المعدل الطبيعي، ولم يكن معدلُ فقدان الأنواع بأقصاه كما هو اليوم منذ اختفاء الديناصورات قبلَ 65 مليون سنة.
يدقُّ العلماء ناقوس الخطر نظراً لكونِ معدلِ اختفاء الأحياءِ أعلى بكثيرٍ مما حدث خلال الانقراضاتِ الخمس السابقة (يمكنك مراجعتها في مقالنا السابقهنا ) ويعتبرون النشاطَ البشريَ المسؤولَ المباشرَ عن ذلك وللعلم فليس نشاطنا منذ العام 1900 وحْدَهُ المسؤول إذ أن الأحياء التي اختفت بين العامين 1500 – 1900 كانت لتحتاج 800 عام وحتى 10 آلاف عام لتنقرض فيما لو كان معدل الانقراض الأساسي هو السائد.
مسؤوليةُ الإنسان:
ليس السببُ الرئيسُ للانقراض الجماعي الذي نشهده حدثاً كبيراً كالانفجاراتِ البركانية أو ضرباتِ النيازك بل إنه ناجمٌ عن النشاطِ البشري وعلى نحوٍ خاصٍ الأنشطة الأربع التالية:
- قطعُ الأشجار وتطهيرُ الأراضي لاستغلالها في الزراعة.
- إدخال الأنواع الغازِيَة "المُجتَاحة".
- انبعاثاتُ الكربون التي تغيّر المناخ وترفع حموضة المحيطات "اقرأ مقالنا عن المحيطات الحامضة في عالم أكثر حرارة : هنا ".
- السّمومُ التي تغير النظم البيئية.
انقراض آخر يغفله الجميع:
لا ينبغي لنا في غمرةِ اهتمامنا وتركيزنا بشكلٍ خاصٍ على الأنواع أن نتجاهل انخفاضَ تعداد الأفراد في النوعِ الواحد؛ وهو ما لا يمكن تقييمه بشكلٍ دقيق من السّجلِّ الأحفوري، وعلى الرغم من أنه من الواضح انخفاضُ تعداد الأفراد بمعدلاتٍ مرتفعة، فإن البياناتِ الموجودةَ قليلةُ الموثوقية ويصعُبُ الحصول عليها مقارنةً بالأنواعِ المختفية.
يتناقص تعدادُ أفراد الأنواع غيرِ المهددة حالياً بشكلٍ متكررٍ وعلى نطاقٍ واسعٍ ويُعتبر فقدانها خسارةً تفوقُ بكثيرٍ خسائر الانقراض على مستوى الأنواع. يهددُ الانقراض بتعدادِ النوعِ الواحد Population-level extinction الخدماتِ البيئيةَ ويُعتبر مقدمةً للانقراض على مستوى الأنواع Species-level extinction.
إن الدراسةَ التي لخصناها أعلاه تتجنبُ استخدامَ الافتراضات الخاطئة أو غيرِ المعبّرة وتؤكد أنَّ أقل فرقٍ بين الانقراض الأساسي ومعدلات الانقراض المعاصرة لا يزال مبرراً للاستنتاج بأن البشر عجّلوا الموجةَ العالمية لفقدانِ التنوع البيولوجي. لا يُمكن للعلماء تقديمُ عددٍ محددٍ للأنواع المنقرضة في فترةٍ زمنيةٍ معينة، لكن يمكنُ القول بثقةٍ أنَّ معدلات الانقراضِ الحديثة مرتفعةٌ بشكل استثنائيٍّ وآخذةٌ بالازدياد وهي تشيرُ إلى الانقراض الجماعي السادس من نوعه في تاريخ الأرض المقدر بـ 4.5 مليار عام.
يمكننا أن نجدَ في التهديد بمحو جنسنا البشري سبباً كافياً لنحزمَ أمرنا ونتخذ القراراتِ اللازمة، ويكمن الخبرُ الجيدُ في أنه من الممكنِ تجنبُ التدهور الهائل في التنوعِ الحيوي والخسارةِ التي تلي ذلك للخدماتِ البيئية من خلالِ جهودٍ مكثفةٍ وحقيقيةٍ لكنّ نافذةَ الأمل هذه لن تبقى مشرعةً لوقتٍ طويل.
اقرأ أيضاً:
الجزء الثاني من هذا المقال عن الصيف الصامت الطويل في عالمٍ أشد حرارةً
هنا
المصادر:
Ceballos G., Ehrlich P. R., Barnosky A. D., García A., Pringle R. M. and Palmer T. M. (2015). Accelerated modern human–induced species losses: Entering the sixth mass extinction. هنا
و
هنا