هل المطباتُ والطرقُ الوَعِرةُ شرٌّ مَحْض؟ أمْ أنَّ لِلعِلمِ رأياً آخر؟
الهندسة والآليات >>>> المركبات والآليات
ويقولُ البروفسورُ المساعدُ في الهندسةِ الميكانيكيةِ في كليةِ فرجينيا لِلهندسةِ التقنية (Lei Zuo): "في الواقع، فقط من 10 إلى 16 بِالمئة من وقودِ السياراتِ يُسْتَهلكُ في القيادة، و أمَّا المُتبَقِّي فـ يتبدَّدُ بِسببِ مقاومةِ احتكاكِ الهواءِ وَمقاومةِ وعورةِ الطريق، والغالبيَّةُ العُظمى يتمُّ خسارتُهُا على شكلِ حرارةٍ وأشكالٍ أخرى تعودُ إلى عدمِ الكفاءة" .وَأرْدفَ قائلاً "من الممكنِ وجودُ حلٍّ جُزئيٍّ لِهذهِ الكميةِ المهدرةِ من الوقود، وذلك عن طريقِ جمعِ الطاقةِ المُهْدَرةِ في "نظام التعليق" (car's suspension)، النظام مُوَضَّح في الصورة التالية.
Image: Howstuffworks
ويقولُ أيضاً: "لقد تمَّ الوصولُ إلى ثلاثةِ مصادرٍ رئيسيةٍ يمكنُ الاستفادةُ منها لِلتقليلِ من الطاقةِ المُهْدَرَةِ أثناءَ القيادة، وهي كالتالي :
الأولى: الإهدارُ الحراريُّ بِسببِ المحرك.
الثانية: الطاقةُ الحركيةُ التي يتمُّ إِهدارُهَا أثناءَ كبسِ المكابحِ وتبدِيدُها إلى حرارةٍ وصوتٍ وأشكالٍ أخرى.
الثالثة: طاقةُ الاهتزازاتِ الناتجةُ عن حركةِ السياراتِ على الطُرُقِ الوَعِرَة، حيثُ يتمُّ إهدارُها عن طريقِ امتصاصِ وتبديدِ هذه الاهتزازاتِ بِواسطةِ ( ماصِّ الصدماتِ أو المُخَمِّدَات) (damper) ".
وفي هذا المقالِ سوفَ يكونُ حديثُنَا عن النوعِ الثالثِ من هذهِ الطاقاتِ المُهْدَرة.
يُقَدِّرٌ البروفسور (Lei Zuo) أنَّ "المخمداتِ" -بدلاً من امتصاصِها وتبدِيدِها لِاهتزازاتِ السيارات- يُمْكِنُها أنْ تُحَوِّلَ تلك الاهتزازاتِ وتُزَوِّدَنَا بِطاقةٍ ما بينَ 100 و 400 واط وذلك على الطُرُقَاتِ العادِّية، ويزدادُ مِقدارُ هذه الطاقةِ بِزيادةِ وُعُورةِ الطريق. وحتى يتَّضحَ لك عزيزي القارئ مقدارُ هذه الطاقةِ، فإنَّ مُعدَّلَ مكالمةٍ هاتفيةٍ واحدةٍ عن طريقِ الهاتفِ النقال تستهلكُ حوالي 1 واط فقط .
إنَّ ذلك المقدارَ من الطاقةِ يؤدي لِزيادةِ كفاءةِ الوقودِ بِنسبةِ ما بين 1 إلى 5 بالمئةِ ،وهذا يساعدُ بِدوره في تَوْفيرِ قيمةٍ سنويةٍ تَتَراوحُ بين 13 وَ 19 بليونَ دولارٍ!!
عزيزي القارئ، قبلَ أنْ نشرعَ في الحديثِ عن ابتكارِ البروفسور في زيادةِ كفاءةِ الوقودِ عن طريق تطويرِ المخمداتِ في "نظام التعليق" (car's suspension)، سوفَ نشرحُ هذا النظامَ بِشكلٍ مُوجَزٍ جداً.
إنَّ نظامَ التعليقِ (car's suspension) يتألَّفُ من وحدتين رئيسيتين، وهما: الزنبرك (spring) والمُخَمِّد أو ماص الصدماتِ (damper).
Image: Howstuffworks
Image: Howstuffworks
ويتمُّ وضعُ المُخمِّدِ في داخلِ الزنبركِ كما هو موضحٌ في الصورة التالية.
Image: Leonello Calvetti
الآن في حالةِ مرورِ سيارةٍ ما على مَطَب، فإنَّ الزنبركَ سيُخفِّفُ من حِدَّةِ ذلك المَطَب عن طريقِ تخزينِ ذلك الإهتزازِ المفاجئ –التغير المفاجئ في الحركة العمودية- على شكلِ إنضغاطٍ يُصيبُ الزنبرك، و لكن كما نعلمُ جميعاً فإنَّ الزنبركَ لن يدومَ طويلاً على هذهِ الحال، حيث أنَّهُ سيتمدَّدُ بعد فترةٍ ثم سينضغطُ مرةً أخرى وهكذا دواليك. ومن هنا يظهرُ دورُ المخمِّد، حيثُ سيقومُ بِتبديدِ هذهِ الحركةِ العموديةِ المُستَمِرةِ لِلزنبركِ إلى حرارةٍ واِحتكاك. لن نتطرَّقَ هنا لِشرحِ آليةِ عمله، ولكن قد تستطيع اِستنتاجَها عزيزي القارئ من خلالِ العودةِ إلى (صورة3)، أو مشاهدة مقطع الفيديو التالي (03:35):
إنَّ المخمدَ (أو ماصَّ الصدماتِ) الذي ابتكرَهُ البروفسورُ (Lei Zuo) يعملُ على تحويلِ تلك الحركةِ العموديةِ لِلزنبركِ إلى حركةٍ دورانية، والتي تؤدِّي بِدورِها إلى تشغِيلِ مُوَلِّدٍ كهربائِيّ. حيثُ يقومُ هذا المولِّدُ بِتأمينِ الكهرباءِ بِشكلٍ مُباشرٍ لِبطاريةِ السيارةِ والأجهزةِ الكهربائيةِ الأخرى، مِمَّا يؤدِّي إلى تخفيض الطلبِ على مُولِّدِ التيارِ المتناوب (alternator) والذي يُحتاجُ إلى الوقودِ في عملِه.
ولقد تمَّ الوصولُ إلى هذا النظامِ عن طريقِ تَوْلِيفَةٍ فريدةٍ من التروسِ، والتي تقومُ بِتحويلِ تلك الحركةِ العموديةِ إلى كهرباء، كما تقومُ أيضاً بٍمضاعفةِ مقدارِ الطاقةِ التي يُمكن الحصولُ عليها. كما أوْضَحَ (Lei Zuo) بأنَّ هذا الابتكارَ سيسمحُ لِلمولدِ الكهربائيِّ بِالعمل عندَ سرعةٍ ثابتة، كما وَسيخفضُ العبءَ على أسنانِ التروس؛ مِمَّا يجعلُ هذا النظامَ أكثرَ كفاءة. علاوةً على ذلك فإنَّ المولِّد سيستمرُ بِالدورانِ حتى بعدَ توقُّفِ الاهتزاز، لِيحقِّق بِذلك الحدَّ الأقصى من الطاقةِ التي يمكنُ الحصولُ عليها.
وقام البروفسور هو وطلابُهُ بِاختباراتٍ على المُخمِّداتِ المبتكرةِ في طُرقاتِ الحرمِ الجامعي، حيثُ قاموا بِبناءِ نموذجٍ أوليِّ بِاستخدامِ مكوناتٍ جاهزةِ الصُنْع، وتمَكَّنتْ هذه المُخمِّداتُ من جَمْعِ حوالي 60% من الطاقةِ الممكنة. ويقولُ البروفسور بأنَّهُ متأكِّدٌ من أنَّ كفاءةَ النظامِ ستصلُ إلى 85% في حالِ كانتْ العناصرُ وطريقةُ تصنيعِ النظام أكثرَ دِقَّة. ويقولُ كذلك: إنَّ الجهازَ قابلٌ لِلتعديلِ من حيثُ الحجمِ والوظيفةِ، كما ويكمنُ إضافتُهُ لِلسيارةِ بِشكلٍ مباشرٍ دونَ تَغْيِيرِ أيّ شيءٍ فيها.
ولقد تمَّ مُؤخَّراً مُكافأةُ البروفسور (Lei Zuo) على هذا الابتكارِ مِن قِبَلِ حاكمِ رابطةِ صندوقِ فرجينيا لِتمويلِ وَتسويقِ البحوث. وصرَّحَ البروفسور قائلاً: بِأنَّهُ يُخطِّطُ لِلتركيزِ على جدوى المشروعِ تِجارياً، ويأملُ أنْ يجمعَ بين اهتماماتِ سائقي السياراتِ ومُصَنِّعِيها، حيثُ أنَّهم يملكونَ أولوياتٍ مختلفةٍ كُلياً عن بعضِهِمُ البعض. فَـ سائقو السياراتِ يستفسرون عن مقدارِ الزيادةِ في كفاءةِ استخدامِ الوقود، وعن كِميَّةِ المالِ التي سيُوَفِّرُها هذا الابتكارُ لهم. في حينِ أنَّ معامِلَ التصنيعِ تتساءلُ عن إمكانيةِ اِستبدالِ المُخمِّداتِ المبتكرةِ لِمثيلاتِها التجارية، وعن إمكانيةِ رفعِ كفاءةِ أداءِ "نظام التعليق" في السيارات (car's suspension).
لِذلكَ يُخطِّطُ البروفسور لِمعالجةِ كلا الأمرين -الكلفة والأداء- في المرحلةِ التَطْوِيرِيةِ القادمة. ولكن في الوقتِ الراهنِ فإنَّ النظامَ ليس ذو فَاعِلِيةٍ -من حيث التكلفة- خصوصاً لِتلك السياراتِ التي تمشي أقلَّ من ساعةٍ في اليومِ الواحد. لذلك سوف يُركِّزُ (Lei Zuo) حالياً على التطبيقاتِ لِلسياراتِ التجاريةِ الكبيرة، بينما يعملُ على تخفيضِ التكلفة.
كما يعملُ البروفسور على المجالينِ الآخرين لِلتَّقْلِيلِ من الطاقةِ المهدرةِ في السيارات، وهما كما أسلفنا مُسْبَقاً: الحرارةُ المُهْدَرةُ في المُحَرِّك، والطاقةُ الحركيةُ المُهْدرةُ أثناءَ كبسِ المكابح. حيث أنَّ هذه الأخيرةَ يتمُّ الاستفادةُ منها في السياراتِ الهجينةِ (hybrid vehicles) والتي تُمثِّلُ حوالي 3% من مجموع السياراتِ على الطرقات. لِذلك يريدُ البروفسورُ تطويرَ هذا النظامِ لِكي يُلائمَ السياراتِ العاديَّةِ كذلك.
إنَّ أبحاثَ الاستفادةِ من الطاقةِ غالباً تُركِّزُ على جَمْعِ الطاقةِ المُهدرَةِ والتي تصلُ إلى عِدَّةِ مِلِّي واط أو حتى عِدَّة ميكرو واط. في حينِ أنَّ أبحاثَ (Lei Zuo) تُركِّزُ على جَمْعِ مئاتِ أو حتى آلافِ الواطات. ويقولُ البروفسور أنَّهُ مُهتمٌ بِشكلٍ خاص لِفُرَصِ الحصولِ على الطاقاتِ ذاتِ المقاديرِ الكبيرة، مِمَّا يُساعدُ في حلِّ مُشكلةِ أزمةِ الطاقةِ العالمية.
بعد إطِّلاعكَ على هذا المقالِ عزيزي القارئ، لقد أدركتَ كميَّةَ الطاقةِ المُهدرةِ في سياراتِنا، وأنَّ الكمِّيَّةَ الفعليةَ المستخدمةَ من الوقودِ لِتحريكِ السيارةِ فقط لا تتجاوزُ 16%، في حينِ أنَّ هذا الابتكارَ قد يساعدَ في رفْعِ هذه النسبةِ إلى 21%.
الآن في حالةِ ظهورِ مَطَبٍّ أمامكَ عزيزي القارئ تستطيعُ أنْ تَتَذكَّرَ هذا المقالَ عِوَضاً عن قوانين الرياضياتِ و الفيزياءِ و الكيمياءِ التي كنتَ تقومُ بِمراجعتها عادةً.
المصادر:
1- هنا
2- هنا