سلسلة غرائب الحياة الجنسية عند الحيوانات | سبيكة البحر
البيولوجيا والتطوّر >>>> غرائب الحياة الجنسية عند الحيوانات
كالعديد من السبائك البحرية، فإن جميع أنواع Siphopteron خنثوية، أي أن كلاً منها يملك أعضاءً جنسية ذكرية وأنثوية في آن واحد. وعندما تتزاوج، يفضل كل من الطرفين أن يلعب دور الذكر، لأن ذلك سيتيح له فرصة تلقيح العديد من سبائك البحر الأخرى.
تملك كل سبيكة أنبوباُ هلامياً ذات نهاية حادة يسمى "القضيب الخنجري Penile Stylet"، وهو ذو قاعدة مزودة بـ4-5 خطاطيف كبيرة، وعلى قمته 20-30 شوكة صغيرة تمكنه من التثبت على الجهاز التناسلي الأنثوي، كما أنها تسمح بإحداث ثقوب في جلد الشريك ليضخ مزيجاً خاصاً من الإفرازات التي تنتجها غدة البروستات. هذه الحقن قد تعود بالفائدة على المتلقي في بعض الأنواع مثل Siphopteron quadrispinosum، فعلى الرغم من الأضرار السطحية، إلا أن هذه المواد الكيميائية تحتوي على مواد غذائية مفيدة، أي أن سبائك البحر تتبادل الهدايا مع أقرانها بطريقة ما.
إن مئات الأنواع التي تنتمي إلى فصيلة سبيكة البحر Sea Slug تستخدم الطعن بشكل عشوائي على أي مكان من جسد شركائها، إلا أن تلك التي تطعن رؤوس بعضها تنتمي إلى جنس Siphopteron الذي تمت ملاحظته من قبل Rolanda Lange من جامعة توبينغن Tübingen في ألمانيا.
أفراد هذا الجنس تعد صغيرة الحجم بالمقارنة مع أقربائها، يتراوح طولها بين 2-4 ملم، وتعيش على الرمال في المياه الضحلة. راقبت Rolanda عملية تزاوج في المختبر بين أفراد جنس Siphopteron، حيث يقترب الشريكان من بعضهما ببطء ورقّة ليتشابك جسديهما تماماً، وغالباً ما تقوم الأفراد بعضّ النهايات الخلفية لشركائها، وبعد حوالي 15 دقيقة من الاحتضان، تبدأ الأفراد بممارسة العملية الجنسية، حيث يقوم كل فرد بإدخال قضيبه في الفتحة التناسلية لشريكه، وبعد بضع ثوان يستخدم كل فرد "القضيب الختجري" في طعن رأس الشريك في نقطة تقع بجوار العينين، وتبقى على هذا الوضع المتشابك لمدة 40 دقيقة.
Image: Johanna Weminghausen
بالطبع هذا لا يبدو شاعرياً أبداً، إلا أن خلال الأفراد تقوم من خلال عملية الطعن هذه بحقن مواد كيميائية في رؤوس شركائها أثناء عملية التزاوج لسبب ما ...لكن ما هو هذا السبب؟
في الكثير من الحيوانات مثل الحلزون وأنواع أخرى من سبيكة البحر، فإن الحقن يساعد على التأكد من أن الحيوانات المنوية قد أخصبت البيوض، إذ أن بعض الحيوانات قد ترفض النطاف وتطرحها ثانية إلى الخارج، لكن الحيوانات الخنثوية تمتلك عادةً أجهزة متخصصة لهضم النطاف الفائضة عن عملية الإلقاح،
ويعتقد الدكتور Joris Koene منFree University في أمستردام –هولندا أن المواد الكيميائية التي يتم حقنها في الشريك من شأنها أن تعطل آلية رفض النطاف عند الشريك وبالتالي تضمن إتمام عملية إخصاب البويضات داخل جسمه.
إلا أن هذه الاقتراحات لا تفسر استهداف منطقة الرأس تحديداً !
من المعروف أن سبيكة البحر من الرخويات، أي أن أجسامها لا تمتلك عظاماً أو حتى هيكلاً داخلياً، أي أنه ومن الناحية النظرية لا يهم أين تتم عملية الحقن، يقول Koene "أينما حقنت شيئاً ما في الجلد، سينتهي به المطاف داخل تجويف الجسم".
بعيداً عن النوعSiphopteron 1، قامت الدكتورة Rolanda بفحص أربعة أنواع تنتمي إلى جنس Siphopteron، فوجدت أن نوعاً واحداً فقط يطعن الشريك بالقرب من الفتحة التناسلية، بينما تطعن الأنواع الثلاثة الأخرى بشكل عشوائي في أي مكان في الجسم، ولم تجد أي نوع يستهدف الرأس.
وهذا مؤشر على أن النوع Siphopteron 1 يمارس شيئاً مختلفاً مع أقاربه، من الممكن أن يكون شكلاً من أشكال السيطرة على دماغ الشريك وتغيير سلوكه.
Image: Johanna Weminghausen
يقول Koene: "إن الحقن يمكن أن يمنع الأفراد المحقونة من التزاوج مرة أخرى، مما يتيح الفرصة أمام الحيوانات المنوية للشريك ويعطيها وقتاً أطول لتلقيح البويضات."
ويعتقد أن هذا السلوك بمكن أن يزيد معدلات الحمل من خلال وجود نقطة بديلة أو إضافية لدخول السائل المنوي.
تخلص الأبحاث الجديدة إلى أن سلوك التزاوج الفظ الذي تسلكه هذه الكائنات الخنثوية والذي يتضمن الطعن بالقضبان الخنجرية، قد ينطوي عليه العديد من الفوائد بالرغم من تأثيره على أجساد الأفراد. فوفقاً لدراسة مفصلة في مجلةPLoS ONE ، فإن سبائك البحر التي تتزاوج أكثر من الحد الأدنى لمعدل التزاوج الطبيعي تحافظ إناثها على خصوبة أعلى من تلك التي تتزاوج بمعدلات أقل .
قام باحثون من جامعة Tuebingen في ألمانيا بجمع أفراد من جنس S. quadrispinosum من جزيرة ليزارد قبالة ولاية كوينزلاند، أستراليا، ثم قسموهم الى أربع مجموعات.
وضعوا بعض هذه المجموعات مع بعضها البعض، أعطوا لقسم منها الفرصة للتزاوج مرة كل ثلاثة أيام (وهذا أقل من المعدل الطبيعي لتزاوجها في الحياة البرية)، وللقسم الثاني فرصة تزاوج واحدة يومياً (وهذا قريب لمعدلات التزاوج الطبيعية)، أما القسم الثالث، فتم منحه فرصة للتزاوج ثلاث مرات يومياً.
ثم قام الباحثون بإحصاء وعدّ البيوض الناتجة عن هذه التجربة فوجدوا النتائج التالية:
- المجموعة التي تزاوجت بشكل معتدل وقريب لمعدلات التزاوج الطبيعية كانت الأكثر خصوبة.
- المجموعة التي تزاوجت بمعدل أقل من الطبيعي أنتجت عدداً أقل من البيوض بنسبة 23%
- المجموعة التي تزاوجت بنسبة أعلى من الطبيعي أنتجت عدداً أقل من البيوض بنسبة 10%
ويعود تفسير ذلك إلى أنَّ المجموعة التي مُنحت فرصة تزاوج منخفضة - مرة كل ثلاثة أيام - لم يكن لديها التحفيز الكافي للوصول إلى الإمكانية الإنجابية المناسبة، أما المجموعة التي مُنحت فرصة تزاوج مرتفعة - ثلاث مرات في اليوم - فقد أصيبت إصابات بالغة نتيجة الجروح التي سببتها لها عملية الطعن، وبالتالي انخفضت إمكانية إنتاجها، أو أنها أصبحت منتجة للنطاف أكثر من إنتاجها للبيوض.
في الحقيقة، فإن سبيكة البحر تبذل قصارى جهدها لتصل إلى حالة توازن بين الأذية التي تتعرض لها جراء عملية التزاوج، والفوائد العائدة على هذه العملية. فالجرعات المتعددة من الحيوانات المنوية مثلاُ يمكن أن تسمح للشريك المتلقي أن يكون إنتقائياً للنطاف التي ستلقح البيوض، كما أن الأفراد التي تتلقى النطاف من عدة شركاء يمكن أن تكون قادرة على إلقاح عدة بيوض لشركاء آخرين ... الأمر الذي يؤمن بالضرورة بقاء واستمرار نسلها مهما كانت الظروف.
Image: Rolanda Lange, Johanna Werminghausen, Nils Anthes
المصادر:
هنا
هنا
هنا