الطّنطوريّة.. حكايةُ ألمٍ وأمل
كتاب >>>> روايات ومقالات
أَن تضحكَ، تبكي، أن يرقصَ قلبُكَ فرحاً، أو يرتعشَ خَوفاً!.. أَن تفكرَ في مصيرِ هؤلاء وتتساءلَ مُستغرِباً عن طبيعةِ هذا الكائنِ الذي يُدعى "إنسان"!!
كيف يقيمُ فرحاً على أنقاض منزله؟.. وكيف يفرح بحفيد بعد مأتمِ أَب؟
سترى في الحربِ التي تصوّرها الرّواية كل الأضداد، الحرب الأمر الشّنيعُ حقاً والفاضح جداً! تُخرِجُ كلَ شيء، وتزيلُ كلَ القيود التي كانت تربطُ الوحوش.
ستكونُ في غابة؛ غابةٌ فعليةٌ وغابةٌ مجازية.. سينهدمُ بيتكَ أو تُطرَد منه، لتجدَ في أرض الزّيتون أو اللوز مستقراَ.
ولاحقاً، تنتقلُ إلى سكنٍ تعيشُ فيه أرواحٌ بائسَةٌ ابتلعتها الأحزان، تصارعُ من أجل البقاء.
صواريخٌ تشق الهواء والأجساد، تجعلكَ تنظرُ مذهولاً، خائفاً أو سعيداً لأنَّ الحظ قد أوقعَ بالصَّاروخ على البِناء المقابل... وأخطأكَ!
تعلّمكَ الحربُ أشياءَ كثيرة، أولُها أن تُرهفَ السّمعَ وتنتبه لتقدّرَ الجّهة التي يأتي منها إطلاقُ النّيران، وكأنما صارَ جسمكَ أذناً كبيرةً فيها بوصلةٌ تحددُ الجهة المعينةَ بين الجهات الأربع أو الخمس، لأنَّ السّماءَ غدت جهة يأتيكَ منها أيضاً الهلاك!.
تروي هذه الرّواية أحداث النَكبة الفلسطينية والتَّغريبة، تحكي من خلالِ "رُقيَّة" الفتاةُ ذاتُ الثلاثةِ عشرَ سنة قصةَ ضياع الفرد بين الوطنِ، المستوطن والهويَّاتِ الكثيرة.
تبدأُ الأحداثُ عندما تجدُ رُقيَّة "يحيى"، تبداُ منَ الجمالِ والبحرِ والحب، تبدأ منَ البساطةِ النَّابعة من القلب.. لكن سرعانَ ما يجيءُ النّزوحُ من قرى إلى قرى، ويصارِع الفرد بين الرَّحيل والبقاء، بينَ المنطق والأماني.
جيوشٌ عربيّة على الحدود لا تتدخل، سلاحٌ مرسلٌ ثلثهُ يعمل فقط... فرحلَ من رحل، وقتلَ من بقيَ، وضاعَ كلُّ شيء، لِتعاودَ الرّحلةُ مسيرها من لُبنان ثمَّ مِصر.
تتزوجُ "رُقيَّة" وتنجبُ أبناءً يعايشون حرب لُبنان، بؤسَ المُخيمات، القتلَ الجماعي، مخططاتِ تقليلِ عدد الفلسطينيين في لُبنان، صفوفَ الرّجالِ الذين وجوههم للحائط والرَّصاص في ظهورهِم.
عايشَ أبناء "رُقيَّة" التّخاذلَ الذي شقَّ طريقهُ بدايةً بالقياداتِ المحليّة التي اختفتْ دون أن تتركَ أيّةَ تعليماتٍ، عايشوا اقتحامَ الملاجئِ وقتلَ الأهالي مِن قبلِ الجيشِ اللُبناني.
أمَّا "أمين" زوجُ "رُقيَّة" فكانَ محاصَرَاً في مُستشفى عَكا، دون خبرٍ أو أثر! وفي غيابه جاء من يعوضُ عنه -بعد أن تركَ لرُقيَّة "مريم" الطّفلة التي أحضرها ذات ليلةٍ إلى المنزل-، "صَادق" الابنُ الأكبر مديرُ شركةٍ في أبو ظبي.
ضامرةً لابنها "حسن".. تقول رقية:
"وأنا أقرأُ لَك أَتخيلُكَ وَأَنتَ تَكتُب، أَرى وَجهكَ، جَلستكَ، حَركةَ يَديك، مَكتَبك... فَأشتاقَ أَكثر"..
"حسن".. الّذي قام بتدوينِ أحداثِ الحرب بعد أن خرج مِن لُبنان إلى غيرِ عودة، ولكنّه الوحيدُ الّذي استطاع العودةَ... لكن إلى أين؟.
تذكر الرّواية أيضاً "ناجي العلي" ورسوماتهِ وابتكارهِ لشخصيةِ "حَنظلة" بشعره المُشَعّث الذي قالَ ناجي عَنه: (إنَّهُ كأشواكِ القُنفُذِ المُستنفرةِ للدفاعِ عَنه) وقال أيضاً: (إنَّهُ خُلِقَ ليحمي روحهُ)!
"رُسوم ناجي العلي تُعرِفُنا بِأَنفُسِنا، وعندما نعرِف.. نَستطيع!.. رُبّما لذلكَ اغتالوه"
تغريكَ الرّواية لتُكملها، حروفها تأخذكَ لتعيشَ كلَّ لحظةٍ فيها، تأسركَ لتعرفَ مصير الزّوجِ المحاصَر، لتعرفَ ماذا سيفعل "عَبد" الّذي كان في صفوف المقاومةِ والذي شهد الكَثير، وماذا سيحدُثُ بَعدَ حَربِ الميليشيات؟.
"تحوّلَ فجأةً إلى شخصٍ مشغول، تلميذٌ جزءٌ مِن الوقت، ويحملُ السِّاحَ ليحرسَ موقِعاً ما يعينَ لهُ جزءٌ من الوقت، وكادرٌ في المخيم له مسؤولياتهُ جزءٌ من الوقت، يأتي البيت متأخراً يأكل المتوفر وينامُ ساعات قليلة.. يستيقظُ على رنين المنبه:<<لديَّ امتحانٌ غَداً، وَلَم أدرُس بِما فِيه الكِفاية>>.
قال لي أمين: <<كِدتُ أنصحهُ بالتّفرغ لدراسته، على الأقل حتى ينتهي من البكالوريا ثمَّ خجلتُ من نفسي. كأننا نقول:أولادُنا للمستقبل وأولادُ المخيم للدفاعِ عنّا، حتّى المَوت إذا اقتضى الأمر>>"
الكثير منَ المواقفِ المضحكةِ الشُّجاعة... آمالٌ علّقَت -كما يتعلّقُ الغريقُ بِقشّةٍ-على القانونِ الدُّولي... لقاءٌ من وراءِ الأسلاك... "ناجي" الّذي نبحثُ عنه في أنفسِنا.
وَيبقى السُّؤال: إلى متى ستبقى نساءُ فلسطين يضعنَ مفاتيحَ دُورهنَّ في خيطٍ، يُعلقنَهُ حولَ الرَّقبة، ويخبّئنهُ في صُدورهن؟؟.